اخبار تركيا

خير تركي يتحدث عن نهاية “الحلم الأمريكي”.. كيف أصبح حصرًا على فئات معينة؟

اخبار تركيا

سلط مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي قدير أوستون، الضوء على التحول في سياسات الهجرة الأمريكية تحت إدارة دونالد ترامب، والتداعيات الاجتماعية والسياسية لهذه السياسات على مفهوم “الحلم الأمريكي” وقيم أمريكا التأسيسية.

وقال أوستون في مقاله بصحيفة يني شفق إن من أبرز مكونات “الحلم الأمريكي” الاعتقاد بأن أبواب الولايات المتحدة مفتوحة أمام الجميع، بغض النظر عن أصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية أو خلفياتهم القومية.

وأشار إلى أن صورة هذه الدولة ترسخت باعتبارها “أرض الفرص”، حيث يتطلع إليها الناس من مختلف أنحاء العالم لتحقيق أحلامهم، وقد عدت أمريكا بمجتمع لا تعترض فيه العقبات طريق المجتهدين، ولا يواجه فيه الأفراد تمييزًا طالما امتثلوا للقوانين، كما تتيح لهم حرية ممارسة معتقداتهم وثقافاتهم دون قيود.

ووفقا للكاتب التركي، فإن نجاح المهاجرين الذين تسلقوا سلم النجاح حتى قادوا شركات بمليارات الدولارات، كان دليلًا حيًا على تحقق هذا الوعد. إلا أن الخطاب المناهض للهجرة، الذي شكّل حجر الزاوية في حملتي ترامب الانتخابيتين عامي 2016 و2024، وبلغ ذروته اليوم مع بدء عمليات الترحيل الجماعي، يوجه رسالة واضحة: “الحلم الأمريكي لم يعد مفتوحًا للجميع”.

وتابع المقال:

منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، شرع ترامب في تنفيذ وعده الانتخابي بترحيل “المهاجرين غير الشرعيين” عبر عمليات مكثفة. وتعهدت إدارته بتنفيذ أضخم حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أطلقت العنان لوكالة الهجرة والجمارك الأمريكية لتنفيذ مداهمات في العديد من الولايات. وعلى الرغم من الادعاء بأن الأولوية تُمنح لترحيل المهاجرين غير الشرعيين المتورطين في جرائم، كشفت تقارير إعلامية عن ضغوط من البيت الأبيض لإبعاد ما بين 1000 إلى 1500 مهاجر يوميًا.

ولتحقيق هذه الأرقام، من الواضح أن استهداف المجرمين وأفراد العصابات وحدهم لن يكون كافيًا. لذا، لكي تبلغ الإدارة الأعداد الكبيرة التي وعد بها ترامب، ستمتد عمليات الترحيل لتشمل أيضًا أولئك الذين تجاوزوا مدة إقامتهم القانونية أو تقدموا بطلبات لجوء لكنهم لم يحصلوا بعد على وضع قانوني رسمي.

في سعيها لإظهار مدى تشددها في ملف الترحيل، منحت إدارة ترامب وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية صلاحيات واسعة، بما في ذلك تنفيذ مداهمات في “المدن الملاذ” وحتى دخول المدارس والكنائس. تُعرف مدن كبرى مثل نيويورك وشيكاغو ولوس أنجلوس بـ”المدن الملاذ” لأنها أقرّت قوانين تمنع اعتقال المهاجرين غير المتورطين في جرائم. ومع ذلك، فإن الشرطة المحلية في هذه المدن لا تملك صلاحية منع وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، المدعومة من الحكومة الفيدرالية، من تنفيذ عملياتها هناك، بل تجد نفسها مضطرة للتعاون في تعقب المهاجرين غير الشرعيين المتهمين بجرائم.

خلال حملته الانتخابية، اتهم ترامب المدن الكبرى التي يديرها الديمقراطيون بأنها توفر ملاذًا للمهاجرين غير الشرعيين، ما يشكل خرقًا لقوانين الهجرة ويهدد أمن المواطنين. واليوم، يسعى من خلال عمليات الترحيل إلى تنفيذ وعوده الانتخابية، مستغلًا الضغط السياسي على هذه المدن لإجبار الديمقراطيين على الدفاع عن المهاجرين المتهمين بجرائم، مما يضعهم في موقف محرج أمام ناخبيهم.

رغم ادعاء إدارة ترامب أن هدفها الأساسي هو مكافحة الهجرة غير الشرعية، إلا أن القرارات المتخذة والإجراءات المنفذة حتى الآن تعكس، في جوهرها، رد فعل فئة من البيض الذين يعتبرون أنفسهم “المالكين الفعليين” لأمريكا، على التغيرات الديموغرافية المتسارعة التي تجعل البلاد أكثر تنوعًا عرقيًا.

إدراج جميع المهاجرين في خانة “غير الشرعيين”، سواء كانوا ممن دخلوا البلاد بطرق غير قانونية أو ممن ينتظرون البت في طلبات لجوئهم، لا يعكس الواقع الحقيقي لأمريكا. فهناك ملايين المهاجرين غير الموثقين الذين استقروا في البلاد بعدما تجاوزوا مدة تأشيراتهم، وأسسوا حياة جديدة، ولديهم أسر تحمل الجنسية الأمريكية. ومن الناحية اللوجستية، فإن ترحيل جميع هؤلاء المهاجرين أمر شبه مستحيل.

لكن حملات الترحيل الواسعة التي بدأت مؤخرًا لا تستهدف فقط تنفيذ عمليات قانونية، بل تحمل أيضًا رسالة واضحة: هؤلاء المهاجرون ليسوا جزءًا من المجتمع الأمريكي. كما أن هذه الحملات تزرع الخوف في نفوسهم، مما يعوق قدرتهم على ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، ويدفعهم إلى العيش في الظل خشية القبض عليهم.

“أعطوني فقرائكم”

لطالما عُرفت الولايات المتحدة بأنها “أمة المهاجرين”، إلا أن تاريخها حافل بموجات سياسية معادية استهدفت مجموعات مهاجرة مختلفة بممارسات تمييزية مشينة. فعلى مر العصور، تعرض المهاجرون الأيرلنديون، والصينيون، والألمان، والإيطاليون، واليهود، واليابانيون، والمكسيكيون، واللاتينيون، وأبناء جنوب آسيا، والشرقيون الأوروبيون، والقادمون من الشرق الأوسط، والمسلمون لموجات عداء ومعاداة للأجانب لأسباب مختلفة.

لذلك، فإن الموجة الحالية من العداء تجاه المهاجرين ليست مستغربة، إلا أن ما يميزها هو استهداف جميع الفئات المهاجرة بلا استثناء. والمفارقة أن المهاجرين الذين شكلوا على مدار سنوات مصدرًا رئيسيًا لليد العاملة الرخيصة، وساهموا في الاقتصاد الأمريكي، وكان كثيرون منهم يسعون جاهدين للحصول على وضع قانوني، يُدفعون اليوم إلى الهامش ويتم استبعادهم من المجتمع. لا شك أن هذه السياسة تقوض جوهر “الحلم الأمريكي”. كما أن تقييد الهجرة، التي كانت محركًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي وزيادة النفوذ، يُرسل رسالة واضحة بأن أمريكا “ملك للبيض”، وهو ما سيؤدي إلى عزلها عن العالم وثقافاته المتنوعة.

تتلاشى تدريجيًا المعاني التي حملتها الكلمات المنحوتة على تمثال الحرية، والمقتبسة من قصيدة إيما لازاروس: “أعطوني مُتعَبيكم، فقرائكم، حشودكم المتراصة التائقة إلى تنفس الحرية”.

ففي القرن السابع عشر، وصف المهاجرون البيوريتانيون أمريكا بأنها “المدينة فوق التل” التي ستصبح نموذجًا للعالم. كما دأب رؤساء مثل جون كينيدي، ورونالد ريغان، وباراك أوباما على التأكيد أن الولايات المتحدة هي “الأمة الاستثنائية” التي تمثل أمل العالم، وتحمل راية الديمقراطية والقيم الأخلاقية.

لكن المفارقة الكبرى في التاريخ الأمريكي أن المهاجرين الذين استوطنوا البلاد بعد طرد السكان الأصليين وإخضاعهم لعمليات تطهير عرقي، أصبحوا بدورهم يمارسون الإقصاء ضد المهاجرين الجدد. وهذا النفاق ظل واحدًا من أبرز التناقضات التي ميزت الولايات المتحدة عبر العصور.

ورغم كل تناقضاتها، لا تزال الولايات المتحدة تصف نفسها بأنها “أمة المهاجرين”. غير أن هذا المفهوم بدأ يتلاشى تدريجيًا، ويبدو أن حملات الترحيل التي تنفذها إدارة ترامب ليست سوى نتيجة طبيعية لهذا التحول. فمنذ هجمات 11 سبتمبر، ومع الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها واشنطن فيما يسمى “حربها على الإرهاب”، فضلًا عن الأزمات الاقتصادية المتتالية، ازداد شعور الأمريكيين بانعدام الأمن، مما جعلهم أكثر تقبلًا للخطاب العدائي تجاه الأجانب والمهاجرين.

وبينما يحمل تمثال الحرية شعارات الترحيب بالمهاجرين، فإن “الحلم الأمريكي” لم يعد متاحًا للجميع. وكما عبر ترامب بشكل فجّ، فإن أمريكا لم تعد تفتح أبوابها لمن يأتون مما وصفها بـ”الدول القذرة”. قد يعتقد البعض أن هذه مجرد موجة عابرة، لكن ما نشهده اليوم هو رسم حدود جديدة للحلم الأمريكي، حيث يصبح تحقيقه أكثر صعوبة، وربما مستحيلًا، بالنسبة لفئات معينة من المهاجرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *