دبلوماسي تركي: هل “بريكس” منتدى لتبادل وجهات النظر أم كيان جماعي منافس؟
اخبار تركيا
تساءل السفير التركي السابق عمر أونهون، عما إذا كانت مجموعة “بريكس”منتدى لتبادل وجهات النظر أم كيان جماعي منافس، لا سيما مع الجدل الدائر حول اعتزام دول عدة ومنها تركيا، الانضمام لهذه المجموعة التي تقودها روسيا والصين بالدرجة الأولى وتبرز كمنافس للتحالفات الغربية بقيادة الولايات المتحدة.
وفي مقال له على موقع “المجلة”، أشار “أونهون” وهو آخر سفير تركي في دمشق، إلى استضافة روسيا بصفتها الرئيس الحالي لمجموعة “بريكس”، قمة هذا العام من “بريكس”، في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر/تشرين الأول في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان في الاتحاد الروسي، حيث شارك في القمة، إضافة إلى الأعضاء المؤسسين البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والأعضاء الجدد مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، ثمان وعشرون دولة أخرى كضيوف، مُثِّل العديد منها برؤساء دول أو حكومات. ومن بين أبرز المشاركين الذين رحب بهم الرئيس فلاديمير بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي مثل الدولة الوحيدة العضو في الناتو في القمة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وتناول البيان الختامي الصادر عن قازان مجموعة واسعة من الموضوعات، وتضمن عدة مشاريع، ولكن دون تحديد تفاصيل أو جداول زمنية لتنفيذ هذه المشاريع.
وفيما يلي تتمة المقال:
ومعلوم أن البيان التأسيسي لمجموعة “بريكس” ينطوي على جملة مبادئ عامة، ولكنه يفتقر إلى هيكل تنظيمي أو أمانة دائمة أو مقر رئيسي. وتبعا لنظام الرئاسة الدورية، تتولى دولة عضو الرئاسة لمدة عام وتقوم بالأعمال التنظيمية والإدارية وتستضيف القمة ثم تسلم الرئاسة إلى الدولة العضو الأخرى. وستكون البرازيل هي رئيسة المجموعة للفترة القادمة.
وقد يكون مفيدا لفهم ماهية مجموعة “بريكس” أن نوضح ما هي ليست عليه. بداية، بريكس ليست تحالفا عسكريا، على الرغم من أن لدى روسيا والصين اثنان من أقوى الجيوش في العالم. إنها تحالف تسعى فيه روسيا والصين، من خلال بناء شراكة مع اقتصادات الأسواق الناشئة والجنوب العالمي، إلى تقديم بديل للنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وهذا ما أوضحه الرئيس بوتين بجلاء حين قال بأن “بريكس” تساهم في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
ويرغب بوتين أيضا في إنشاء نظام مالي دولي جديد يمنع، حسب رأيه، استخدام الدولار الأمريكي ونظام “سويفت” كسلاح في التجارة العالمية والمعاملات المالية، ودعا الرئيس الروسي، بدلا من ذلك، الدول الأعضاء إلى توسيع استخدام العملات المحلية في تبادلاتها التجارية.
وتشعر دول مجموعة “بريكس” بالاستياء من العقوبات التي تُفرض خارج إطار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما هو الحال في فرض العقوبات على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
فليس من قبيل المصادفة أن أحد مبادئ معايير العضوية التي جرى الاتفاق عليها في قمة “بريكس” في جوهانسبرغ في أغسطس/آب 2023، هو أن أي دولة ترغب في الانضمام إلى المجموعة يجب أن تكون لها علاقات دبلوماسية وودية مع جميع الدول الأعضاء ويجب ألا تفرض عقوبات غير مصرح بها من مجلس الأمن الدولي على الدول الأعضاء الحالية.
ويرغب أعضاء مجموعة “بريكس” أيضا بإجراء إصلاح شامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، ولكن من غير الواقعي أن تشارك روسيا والصين وكلاهما عضو دائم في المجلس في جهود تؤدي إلى تقليص نفوذهما الخاص في المنظمة.
والحقيقة أن دول بريكس التي تتقاسم بعض المخاوف لها انتماءات جيوسياسية مختلفة، بل وثمة نزاعات داخلية بين بعض أعضائها.
أحد الأسئلة الرئيسية المحيطة بمجموعة بريكس هو ما إذا كان التحالف يشكل كتلة مناهضة للغرب. صحيح أن هناك تنافسا مستمرا بين كل من روسيا والصين مع الولايات المتحدة والغرب، وصحيح أيضا أن إيران تعتقد أنها مستهدفة من قبل تحالف معاد تقوده إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن الأعضاء المؤسسين الآخرين مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، لن ينضموا على الأرجح علنا إلى تحالف معادٍ للولايات المتحدة والغرب، على الرغم من أن لديها بعض المظالم. وينطبق الأمر عينه على الأعضاء الجدد مثل مصر والإمارات وإثيوبيا.
يتابع الغرب بالطبع تطورات بريكس عن كثب، ولكنه يقلل من أهميتها إلى حد كبير. وبدا ذلك مثلا في تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير مؤخرا بأن الولايات المتحدة لا ترى في مجموعة بريكس منافسًا جيوسياسيًا، وهو ما أكده مسؤولون غربيون آخرون.
تضم “بريكس” الآن تسعة أعضاء، يبلغ عدد سكانهم مجتمعين حوالي 3.5 مليار نسمة، مما يمثل 45 في المئة من سكان العالم و35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومع انضمام إيران والإمارات إلى المجموعة، أصبحت بريكس الآن تمثل حوالي 30 في المئة من إنتاج النفط العالمي.
ورغم أن هذه الأرقام مثيرة للإعجاب على الورق، إلا أن الاختبار الحقيقي يكمن فيما إذا كانت دول بريكس قادرة على تطوير سياسات موحدة والعمل بشكل جماعي، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي.
يشكل بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة (NBD) آلية ملموسة تستهدف بلدان الجنوب العالمي والاقتصادات الناشئة. وتَعتبر الصين، على وجه الخصوص، البنك أداة لزيادة نفوذها. فمنذ عام 2016 وحتى اليوم، قدم البنك حوالي 32 مليار دولار لتمويل 96 مشروعا في الدول الناشئة في ميادين إنشاء طرق وجسور وسكك حديدية وإمدادات مياه جديدة.
جدل حول توسعة العضوية
وثمة موضوع يثير النقاش داخل المجموعة وهو توسعة المجوعة. وكانت موجة التوسع الوحيدة التي شهدتها المجموعة في يناير/كانون الثاني 2024، عندما ضمت إليها مصر وإيران والإمارات وإثيوبيا. وفيما رفضت الأرجنتين الدعوة.
ووفق مصادر مطلعة فإن بعض الأعضاء، مثل البرازيل والهند، يبدي حماسا أقل للتوسع من جديد، ويقدم جملة من الحجج التي تستنتج أن كثرة الأعضاء سوف تعقد عملية اتخاذ القرار وتجعل من المجموعة منتدى تشوبه المنافسات.
واقترحت روسيا نموذجًا بديلًا لتوسيع مجموعة “بريكس” من خلال فكرة منح بعض الدول صفة “الدولة الشريكة” بشكل رسمي. وقد وافق أعضاء بريكس في قمة قازان على “فئة البلدان الشريكة،” ولكنهم لم يعلنوها بشكل رسمي بعد.
وعلى الرغم من عدم تسمية أي دولة عضوا أو شريكة في هذه القمة، إلا أن عددا من الدول بما فيها الجزائر وإندونيسيا وكازاخستان وماليزيا ونيجيريا وتركيا وأوغندا وأوزبكستان وفيتنام قد تقدمت بطلبات أو أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
ويتوقف مستقبل مجموعة “بريكس” على ما إذا كان بإمكان الأعضاء وضع خلافاتهم جانبا بشأن القضايا التي تختلف حولها المجموعة، وهي كثيرة، وإيجاد أرضية مشتركة فيما بينهم. كما سيلعب إضفاء الطابع المؤسسي على المجموعة دورا مؤثرا أيضا.
ومن الجائز أن تحقق “بريكس”بعض الإنجازات في المجال الاقتصادي، في تشجيع التجارة بالعملة المحلية بين الأعضاء وتمويل بعض المشاريع، على سبيل المثال، ولكن من المرجح أنها لن تتعدى كونها منتدى لتبادل وجهات النظر، في المستقبل القريب على الأقل.