غزوان مصري خاص اخبار تركيا

في مرحلة إقليمية حساسة، وبعد توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة، جاءت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى كل من الكويت وقطر وسلطنة عُمان (21 23 أكتوبر 2025) لتشكل حدثًا محوريًا في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط.

خلال هذه الجولة، تم توقيع 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم، شملت قطاعات الطاقة، النقل، الدفاع، الصناعة، الاستثمار، التكنولوجيا، والتعاون الاستراتيجي. أهمية هذه الزيارة لا تكمن فقط في عدد الاتفاقيات، بل في التوقيت السياسي والدلالات الاقتصادية التي تحملها، خصوصًا مع تنامي الحاجة إلى استقرار المنطقة بعد أشهر من التوترات التي هزّت أمنها من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن.

الكويت.. بوابة الاستثمار والربط اللوجستي

بدأ أردوغان جولته من الكويت، حيث استقبله أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في مراسم رسمية.

تم توقيع اتفاقيات مهمة في مجال الطاقة والنقل البحري والاستثمار، تضمنت الاعتراف المتبادل بشهادات البحارة وتوسيع الروابط اللوجستية بين البلدين.

هذه الاتفاقيات تعني عمليًا توسيع دور الكويت كمحور تمويل ولوجستيات، وربطها بالموانئ والمناطق الصناعية التركية، ما يعزز من قدرة تركيا على لعب دور “الجسر الاقتصادي” بين الخليج وأوروبا.

قطر.. شراكة صناعية واستراتيجية راسخة

في قطر، كان التركيز على التعاون الدفاعي والاستثماري، حيث ناقش الجانبان توسيع الاستثمارات المشتركة وتعزيز التعاون الصناعي.

هذا ينسجم مع العلاقات الاستراتيجية القوية بين أنقرة والدوحة، والتي تعمقت خلال العقد الأخير.

اتفاقيات الدفاع والصناعة تمثل انتقال العلاقة من مستوى “الحليف السياسي” إلى مستوى الشريك الصناعي والأمني طويل الأمد.

عُمان.. البوابة الجنوبية ورافعة الاستثمار

أما في عُمان، فقد تم التوقيع على مذكرات تفاهم في مجال التعدين والمعادن الحيوية، والتكنولوجيا، والصناعات الدفاعية.

كما تم الاتفاق على إعفاء متبادل من التأشيرات، ما يفتح الباب أمام تسهيل حركة رؤوس الأموال واليد العاملة والسياحة والاستثمار.

عُمان تشكل موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا على مدخل المحيط الهندي، ما يجعلها شريكًا مهمًا لتركيا في الوصول إلى الأسواق الآسيوية والخليجية.

أبعاد اقتصادية عميقة: هدف 15 مليار دولار

من أبرز نتائج الزيارة إعلان تركيا ودول الخليج عن رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة، مع الدفع نحو توقيع اتفاقية تجارة حرة شاملة.

هذا التحول يعكس توجهًا واضحًا نحو الانتقال من مرحلة التعاون التجاري التقليدي إلى مرحلة الشراكة الاستثمارية والصناعية، وهو ما يعزز مكانة الطرفين على الساحة الاقتصادية الدولية.

زيارة في لحظة حساسة إقليميًا

تأتي هذه الزيارة بعد توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة، وفي ظل تحولات حساسة تمس أمن المنطقة من لبنان وسوريا إلى البحر الأحمر واليمن.

التقارب التركيالخليجي في هذه المرحلة يوجّه رسالة واضحة بأن الاستقرار الإقليمي لا يمكن تحقيقه إلا عبر التعاون الاقتصادي والأمني.

فالأمن لا يُبنى فقط على التحالفات العسكرية، بل على مصالح اقتصادية مشتركة تعزز الاستقرار طويل المدى.

تكامل اقتصادي وأمني

اقتصاديًا: سيساهم التكامل التركي الخليجي في خلق صناعات مشتركة، وتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية.

أمنيًا: سيمنح هذا التعاون تركيا ودول الخليج قدرة أكبر على حماية أمن المنطقة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

استراتيجيًا: يشكل هذا التقارب محور توازن جديد في الشرق الأوسط، يقلّل من مخاطر الانقسام، ويزيد من فرص التعاون الإقليمي.

انعكاسات مباشرة على الدول الثلاث

الكويت: تعزز موقعها كمنصة مالية ولوجستية وتستفيد من الخبرات الصناعية التركية.

قطر: توسع شراكتها الدفاعية والصناعية مع تركيا، بما يعزز مكانتها الإقليمية.

عُمان: تفتح بوابتها الجنوبية أمام استثمارات تركية جديدة وتعزز موقعها في التجارة البحرية العالمية.

ما بعد الاتفاقيات… الفرصة الحقيقية

إن توقيع 24 اتفاقية خلال جولة واحدة لا يشكل النهاية، بل بداية مسار استراتيجي جديد.

الفرصة الحقيقية تكمن في تحويل الاتفاقيات إلى مشاريع فعلية في الصناعة، الدفاع، الطاقة، التعدين، التكنولوجيا، والسياحة.

كما يمكن لهذا التعاون أن يفتح الباب أمام استثمارات مشتركة في شمال سوريا ضمن مشاريع مثل «إقليم الأمل»، لتكون المنطقة منصة إنتاج وخدمات مشتركة بين تركيا والخليج.

خاتمة

زيارة أردوغان إلى الخليج تمثل تحولًا نوعيًا في العلاقات التركيةالخليجية، وتأتي في توقيت حساس يفرض على دول المنطقة تعزيز تكتلاتها الاقتصادية والأمنية.

هذه الزيارة لا تقتصر على مصالح آنية، بل تضع أسسًا لتحالف استراتيجي إقليمي، يُسهم في استقرار الشرق الأوسط وتنمية اقتصاده.


غزوان مصري خبير اقتصادي في العلاقات التركية العربي

عن الكاتب


شاركها.