اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والباحث محمود علوش، قراءة معمقة في إعلان تنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور سحب قواته من تركيا، بوصفه مؤشرًا على انطلاق مسار سلام جديد مع أنقرة، مع التساؤل حول ما إذا كان هذا التطور يمثل خطوة فعلية نحو إنهاء الصراع أم مجرد إعادة توزيع لأزمته إلى دول الجوار.
ويركز الكاتب في مقاله بموقع الجزيرة نت على المعضلة الإقليمية للتنظيم، خصوصًا تموضعه في شمال العراق وشمال شرق سوريا، وكيف باتت هذه الجغرافيا عاملًا حاسمًا في نجاح أو فشل أي عملية سلام.
كما يناقش علوش النهج التركي الجديد القائم على معالجة الامتدادات الإقليمية للتنظيم، وتوسيع التعاون الأمني مع العراق وسوريا، ومحاولة إشراك إيران، بهدف تفكيك البنية المسلحة للحزب وخلق بيئة إقليمية لا تسمح بتجدد التمرد.
وفيما يلي نص المقال:
إعلان انسحاب حزب العمال الكردستاني وبوادر السلام الجديدة
أعلن حزب العمال الكردستاني الشهر الماضي سحب قواته من تركيا إلى شمال العراق، في بادرة جديدة ضمن عملية السلام الحالية مع أنقرة.
وعلى الرغم من أن التنظيم لم يعد لديه وجود مسلح فعلي داخل الأراضي التركية منذ فترة، وأُجبر تحت ضغط العمليات العسكرية التركية على تركيز تواجده في إقليم كردستان العراق، وبدرجة أقل في شمال شرق سوريا، فإن هذا الإعلان يثير تساؤلا جوهريا حول طبيعة عملية السلام الجديدة، وما إذا كانت ستؤدي إلى سلام فعلي بين تركيا وحزب العمال، أم تصدير لمعضلته إلى دول الجوار.
معضلة الوجود الإقليمي للحزب وتأثيره على مسار السلام
في تاريخ الصراع، كان تواجد حزب العمال وأفرعه في سوريا، والعراق عقبة رئيسية أمام الوصول إلى سلام نهائي. وقد أدركت أنقرة، بعد عقود طويلة من الصراع، أن تقويض قدرة حزب العمال على مواصلة تمرده ضدها، لا يمكن أن يتحقق بدون حرمانه من إيجاد ملاذ آمن له في دول الجوار.
في الوقت الحالي، يشكل تواجد حزب العمال في شمال العراق، وحالة قوات سوريا الديمقراطية الة به أيديولوجيا وحتى عضويا، عقبة رئيسية في إنجاح عملية السلام الجديدة.
ومع ذلك، تتبنى أنقرة هذه المرة نهجا مختلفا عن نهجها السابق في مقاربة الصراع مع حزب العمال، من خلال تأطير السلام الجديد في إطار معالجة حالته في دول الجوار.
النهج التركي الجديد والتعاون مع دول الجوار
وعلى الرغم من أنه يصعب تفكيك قدرة الحزب على التموضع في سوريا، والعراق تماما بفعل تأثيره في الحالة الكردية الإقليمية، فإن تأكيد تركيا على أن إنهاء حالة حزب العمال الكردستاني، تشمل معالجة وجوده في إقليم كردستان العراق، وتفكيك قسد في سوريا، وإنهاء ما تسمى بإدارتها الذاتية، يعطي صورة عن النهج الجديد الذي يبدو واقعيا، وأكثر قدرة على نقل العلاقة بين تركيا والأكراد إلى مرحلة السلام المستدام.
مع ذلك، تبقى أنقرة متشككة في نجاعة هذا النهج على المدى الطويل. فمن جانب، تدفع باتجاه إعادة إحياء اتفاقية أضنة مع سوريا، وتوسيع نطاقها بشكل يتيح لها شن توغلات عسكرية لمكافحة أي نشاط مستقبلي لحزب العمال الكردستاني في سوريا بعمق 30 كيلومترا، بدلا من الـ 5 كيلومترات المنصوص عليها في الاتفاقية الأصلية.
ومن جانب آخر، تعمل أنقرة على تعميق تعاونها الأمني والاستخباراتي مع أربيل، والحكومة المركزية العراقية في بغداد؛ لحرمان حزب العمال الكردستاني من تجديد نشاطه في شمال العراق في المستقبل، ولضمان تفكيك بنيته العسكرية، ونزع سلاحه بشكل كامل، أو الثقيل منه الذي يمكن أن يشكل تهديدا لتركيا.
رؤية شاملة لمعالجة الحالة الكردية
وبالتوازي مع هذا النهج، تتبنى أنقرة رؤية شاملة لمعالجة هذه المعضلة، من خلال المساهمة في إنتاج بيئة تقوض قدرة حزب العمال الكردستاني على استثمار الحالة الكردية في دول الجوار لإعادة تجديد نشاطه المسلح.
وتشمل هذه الرؤية حث الحكومة السورية الجديدة على دمج الكرد السوريين في الدولة، والاعتراف بهم كمكون أصيل، وإشراكهم في مؤسسات الدولة.
وبالنسبة للعراق، فإن المعضلة الأساسية في إنتاج مثل هذه البيئة، تتمثل في معالجة مصير قيادات العمال الكردستاني ومسلحيه المتواجدين في جبال قنديل.
وسترتكز هذه المعالجة على المسار السياسي والقانوني في اللجنة البرلمانية التي تم تشكيلها مؤخرا في مجلس الأمة التركي، لتسوية أوضاع هؤلاء القادة والمسلحين، إما من خلال العفو عنهم والسماح لهم بالعودة إلى تركيا، أو من خلال ترحيلهم أو بعضهم إلى دول ثالثة.
أبعاد إقليمية وتحديات محتملة
على عكس سوريا والعراق، فإن التعاون التركي مع إيران في الحالة الكردية يبدو محدودا، بالنظر إلى الاستثمار الإيراني على مدى سنوات في الحالة الكردية في سوريا والعراق، في إطار المنافسة مع أنقرة.
مع ذلك، فإن إشراك طهران في عملية السلام الجديدة، لتشمل معالجة الارتباط بين الحالة الكردية الإيرانية وحزب العمال الكردستاني، يبقى ضرورة لتعظيم فرص نجاح عملية السلام الجديدة.
إن أي إخفاق لتركيا في معالجة الأسباب الجوهرية التي أدت إلى فشل عمليات السلام السابقة مع حزب العمال الكردستاني، ومن بينها معالجة تواجده في دول الجوار، لا يمكن أن ينتج سلاما مستداما، حتى لو كان بمقدوره الصمود لفترة من الوقت.
كما أن التعاون مع دول الجوار، لا سيما سوريا، والعراق، في عملية السلام الجديدة يعد محوريا في إنجاحها. ولحسن الحظ، فإن التحول السياسي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ووجود حكومة حالية في العراق أكثر تفهما لهواجس تركيا من تواجد حزب العمال داخل الأراضي العراقية، يوجدان بيئة لتعاون ثلاثي يمكن أن يساعد في تحقيق سلام مستدام بين تركيا وحزب العمال، ويعيد تشكيل الحالة الكردية الإقليمية وتعريفها.
وفي المحصلة، فإن الحقيقة الثابتة في هذه القضية أن مصالح تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا تلتقي في تعاون يعالج الهواجس المشروعة لهذه الدول من الحالة الكردية المسلحة داخل أراضيها، وأن أي تصدير لمعضلة حزب العمال الكردستاني إلى دول الجوار، لن يساهم في معالجة هذه الهواجس، ولا في إنتاج سلام تركي كردي مستدام.
