سياسي تركي يؤكد ضرورة تجديد أواصر الأخوة بين الأتراك والأكراد
اخبار تركيا
تناول مقال تحليلي للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، المبادرة التي أطلقها زعيم حزب الحركة القومية دولتبهجلي، حليف الرئيس رجب طيب أردوغان، بشأن حل مشكلة الإرهاب في البلاد وتعزيز أواصر الأخوة بين الأتراك والأكراد.
وقال أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق: إن ما نشهده اليوم في فلسطين وغزة، وفي منطقتنا بشكل عام ليس منفصلًا عن عملية التقسيم وإعادة التنظيم التي بدأت قبل قرن وشملت تركيا بالدرجة الأولى. فكل ما حدث آنذاك كان بهدف ضمان عدم نهوض الإمبراطورية المهزومة مجددًا، ومنعها من استعادة أدوارها السابقة. ففي غضون أربعين يومًا فقط تم إجبار الدولة العثمانية التي امتدت على ثلاث قارات، على توقيع هدنة، وذلك بعد صراع استمر أربع سنوات. ولم يكتفِ الإمبرياليون بالانقضاض على الدولة العثمانية المتداعية كذئاب جائعة لتقسيم أراضيها، بل اتخذوا تدابير استثنائية لمنعها من استعادة مكانتها السابقة ورسالتها التاريخية.
وأضاف: لكي لا يتمكن العالم الإسلامي من التوحد مجددًا، سعوا لغرس الكراهية بين الأتراك والعرب؛ حيث زرعوا مشاعر العداء للعرب في قلوب الأتراك، ومشاعر العداء للأتراك في قلوب العرب. ورغم أننا كنا نحارب البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين واليونانيين، إلا أننا وجدنا أنفسنا في نهاية الحرب نتخذ العداء ضد أشقائنا العرب الذين هم جزء من جسدنا. وكذلك الأكراد جعلناهم بالإنكار والتجاهل غرباء عنا رغم كونهم جزءاً منا.
وتابع المقال:
لم يتوقف الأمر عند محاولة تفريق المسلمين، بل تجاوز ذلك إلى منع الوحدة بين الأتراك أنفسهم لتشكيل كيان أقوى. فقد وصمت فكرة الاتحاد التركي (الطورانية) بالخطأ والجريمة لفترة طويلة، وفرضت على هذه الأمة قيود يصعب تجاوزها.
ومن المعروف أن ما يُكبت يخرج إلى العلن، وما يُقمع بقوة يعود إلى الساحة بشكل أقوى. فكلما زاد القمع، زاد التذكير بما يُقمع، وبالتالي فإن القمع نفسه، بشكل متناقض، يساهم في الحفاظ على وجود ما يُراد إزالته ومحوه.
واليوم، نشهد تداعيات ما حدث في الشرق الأوسط قبل قرن من الزمان، ففي فلسطين، يذكرنا المسار الصهيوني الذي دخلته القوى الإمبريالية قبل قرن من الزمان وقمعت كل الشعوب، بضرورة إعادة اكتشاف أنفسنا. وتذكّرنا الوحشية الصهيونية بالأسباب التي أدت إلى الفجوات والمسافات التي زرعت بين الأتراك والأكراد والعرب، وتجعلنا ندرك ضرورة تجديد روابط القرابة بيننا.
كما تُشير الأحداث إلى أن مصدر الإرهاب الذي عانت منه تركيا لسنوات، المتمثل في تنظيم “بي كي كي” هو في الأصل نتاج الإمبريالية الصهيونية. وتشير إلى أن هناك قوى داخلية، تدعي الوطنية، ويتظاهرون بالعداء لتنظيم “بي كي كي” الإرهابي وأنهم يحاربونه بينما هم في الحقيقة يغذونه ويقونه عبر سياسات الإنكار والقمع ضد الأكراد ويساهمون في تعزيز نفوذه ،وبذلك يخدمون نفس المشروع الصهيوني. لقد كان معز كوهين وألكسندر هيلفاند (بارفوس) وحركة “الشباب الأتراك” والاتحاديون، من العناصر التي ساهمت في تفكيك الدولة العثمانية وجعل الأتراك مغتربين عن هويتهم التاريخية وبقية مكونات كيانهم السياسي، حيث كانوا جميعهم جزءًا من نفس المشروع الصهيوني. وكانت هذه الجهود تمثل إحدى أخبث وأمكر السبل للسيطرة على الأتراك وفرض قيود مشددة عليهم في العصر الحديث.
ولكننا وصلنا إلى نهاية هذا الطريق. فحتى إذا لم يكن ذلك بدافع ذاتي، فإن هجمات التحالف الصليبيالصهيوني المستمرة، واعتداءاتهم غير المحدودة، وإهاناتهم العنصرية، والضغوط التي يمارسونها، تذكرنا بهويتنا.
وتظهر تصريحات دولت بهجلي أن هذه الدورة التاريخية قد وصلت إلى نقطة حرجة. إن إبعاد تنظيم “بي كي كي” الإرهابي الذي يعمل كمنظمة مرتزقة مباشرة لصالح الإمبريالية الصليبيةالصهيونية، والتعامل مع الأكراد كإخوة في الدين والسياسة والتاريخ، هو محاولة لسد الفجوة التي استمرت لمئة عام. كما أن دعم الرئيس أردوغان لمبارة بهجلي وتأكيده على أهميتها، يشير إلى إطار أعمق لمناقشة هذه القضية، يتجاوز كونها مجرد مناورة مؤقتة وبسيطة.
حيث صرح الرئيس أردوغان في اجتماع الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية بالبرلمان التركي قائلاً: “لن نقع في هذا الفخ ولن نسمح لمن يسعى لتفكيك روابط الأخوة بيننا بالتقدم. سنعالج جراح الماضي معًا، وسنواصل كتابة التاريخ معًا. لقد كنا نناضل طوال هذه السنوات من أجل حرية الجميع، وخاصة من أجل شرف وكرامة إخواننا الأكراد. لقد وصلنا إلى مستوى لم يكن يتخيله أحد. والآن، كدولة وأمة، حصلنا على فرصة أكبر بكثير بعد أن وضع السيد بهجلي يده، بل جسده كله، تحت الحجر. نحن 85 مليونًا، طعامنا واحد وخبزنا واحد وقبلتنا واحدة ووطننا واحد وعلمنا ونشيدنا واحد ودولتنا واحدة. والأهم من ذلك، ماضينا واحد ومستقبلنا واحد وقدرنا واحد. أناشد إخواننا الأكراد الأعزاء من على منبر الأمة، ننتظر منكم أن تمسكوا بشدة بهذه اليد. نريدكم أن تتخلصوا من أولئك الذين يخدمون الإمبريالية ويعملون كأدوات لأعداء تركيا. نريدكم أن تتمسكوا بروح الأخوة. تعالوا نبني معًا قرن تركيا. هذه الجمهورية هي جمهوريتكم كما هي جمهوريتي. تعالوا نطرد أولئك الذين يشجعون على العنف. تعالوا لنزلزل الأرض من تحت أقدام أولئك الذين يشرعنون الإرهاب ويلجأون إلى الجبال.”
إن دعوة بهجلي لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب ليكون طرفًا في العملية السياسية، كحزب يحظى بأصوات جزء كبير من الأكراد، تمثل لفتة سياسية مهمة. ولكن لا يمكن القول إن هذه اللفتة تعني أن حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب يُعتبر الممثل السياسي الحصري للأكراد. وكما أشرنا سابقًا فإن الجهة الوحيدة التي يجب أخذها بعين الاعتبار في المسائل المتعلقة بالأكراد هي الشعب الكردي نفسه، وأن الطريق لتحقيق ذلك، هو الحوار السياسي والمنافسة الشريفة. واليوم يعد حزب العدالة والتنمية هو القوة الأكثر قدرة على فهم قضايا الأكراد والعمل على حلها وتطبيق الحلول. وقد أثبت بهجلي بمبادرته هذه، كقائد لحزب القومية لا يزال جزءًا من هذه المنافسة.
في المقابل، لم تكن القضية الكردية لمن يمارسون السياسة باسمها سوى وسيلة لكسب العيش، ولم يرغبوا يوما في إنهاء القضية التي يقتاتون منها. إن المبادرة التي امتدت إلى حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب تعد خطوة مهمة وقيمة لتشجيع التسييس والحوار. وينبغي أن تمتد هذه المبادرة إلى جميع الأطراف السياسية العاملة في تركيا، وذلك من أجل الحفاظ على وحدة النسيج السياسي للبلاد والأمة رغم كل الاختلافات.
ولكن في هذه المرحلة هل يمكن أن يتحقق الفصل بين حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب وتنظيم “بي كي كي”الإرهابي فعليًا، بحيث يتجاوز مجرد كونه أملًا؟ هل يملك الحزب إرادةً كافية ليصبح كيانًا سياسيًا مستقلًا؟ وإذا كانت لديه هذه الإرادة، فهل سيمنحه التنظيم الإرهابي فرصةً لذلك؟
للأسف، لا توجد أسباب كافية تدعونا إلى التفاؤل في هذا الصدد؛ فالإجابات على هذه الأسئلة على أرض الواقع هي الأكثر تشاؤماً. وقد أظهرت التصريحات المتتالية التي صدرت عن حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب عقب تصريحات بهجلي وأردوغان، غياب أي أمل حقيقي، وجاءت الأصوات من قنديل لتؤكد أن التنظيم الإرهابي لا يعتزم التخلي عن وصايته على الحزب، ولا يُتوقع منه في الأساس أن يتخلى عنها.
ورغم ذلك، فإن هذه المبادرة وهذا الفصل سيخضعان للتقييم اللازم في نظر الشعب الكردي. وسيدركون الفرق بين من يتاجر بقضيتهم لتحقيق مصالحه الشخصية، ومن يعتبر قضاياهم همّه الشخصي ويسعى بصدق إلى حلها.