اخبار تركيا

شاطئ غزة

ندرت أرسنال يني شفق

لم أشهد في حياتي وقاحة أكبر من هذه..

وفقًا للإحصاءات الرسمية، تجاوز عدد القتلى 60 ألفًا، بينما يُقدَّر أن هناك ما بين 10 إلى 15 ألف شخص ما زالوا تحت الأنقاض في تلك البقعة الجغرافية المنكوبة. ولكن “حلول” الغرب لمثل هذه المآسي قاسية وسطحية، تتجاهل المعاناة الحقيقية.

أولا، تبيدون الأرواح دون تمييز بين نساء أو أطفال أو رُضّع، ثم تجبرون من تبقّى على الرحيل قسرًا عن أراضيهم إلى أراض ” لا يرغوب فيها، مرتكبين بذلك كل جرائم الإبادة جماعية والتهجير قسري، وكل الجرائم التي كنا نظن أنها انتهت في القرن العشرين، بل ترتكبون كل ما تحرّمه القوانين والشرائع بأسرها. وبعد إحكام السيطرة تصبون الإسمنت على الجثث والخراب، وتشرعون في بناء مجمعات فاخرة حيث ترفرف أوشحة النخب المخملية في سيارات مكشوفة، وكأنكم تحلمون بصناعة “موناكو” جديدة، وتحولون الشواطئ إلى مسرح لـ”للإباحية”، فتبنون كازينوهات وأبراج سكنية وفنادق فاخرة، وتُرسو اليخوت على الشواطئ. وكأن فلسطين ليست سوى بقعة صغيرة بحجم لاس فيغاس، يريدون كتابة نفس الشعار الذي يكتب فيها: “ما يحدث هنا، يبقى هنا”.

أما أولئك الذين نجوا، وأصرّوا على التشبث بأرضهم، فتعيِّنونهم خدما على عتبات قبور والديهم، أو أزواجهم أو أطفالهم، بل ربما فوق قبورهم نفسها. حتى الشيطان يخشى أن يتلطخ بهذه القذارة.

هناك واد في جهنم تستعيذ منه كل جهنم من شدة حرارته، وهناك خطيئة أشد هولًا من كل ما سبق: أن تُشيحوا بوجوهكم وتلوذوا بالصمت المخزي، فتتحوّلون إلى تجسيدٍ لما يُعرف بـ “القرود الثلاثة” التي لا ترى، ولا تسمع، ولا تتكلم.

أيّ اسم يخطر ببالكم؟ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن وجامعة الدول العربية والصين وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والأمم المتحدة، الجميع في الواقع، إنهم يعترضون. أين كانت هذه الدول عندما كانت المجازر تُرتكب في غزة؟ بل إن البعض منهم قدم الدعم فعليًا. وأما القلة التي عبّرت عن رفضها صراحةً، كما فعلت بعض الدول في أميركا اللاتينية أو جنوب إفريقيا، واتخذت خطوات عملية، ورفعت الدعاوى إلى المحاكم الدولية، فهي الآن تتعرض للعقوبات والعزلة والضرائب وغيرها. فهل هناك من يدعمها؟

وهل سيصمد أولئك الذين يكتفون بـ”الإدانة الشديدة”، ويقاومون أمام “الريفيرا”؟ عندما يجدون أنفسهم وجهاً لوجه مع أمريكا، سيعودون ليلعقوا ما أراقوه. ولا يزال البعض يواسي نفسه بالحديث عن “انتهاك القانون الدولي”، وكأنهم لا يدركون أن القانون الدولي قد تم اغتصابه منذ زمن طويل، ولم يعد أحد يأبه به أو يعيره اهتمام.

وبالمناسبة بايدن يقوم بالمرحلة الأولى، وترامب الذي هو على خلاف معه يقوم بالمرحلة الثانية. هذا هو وجه أمريكا “هكذا تتغير الخرائط”.

إذا نظرت إلى تصريحاتهم ستجد أنه حتى المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا على علم بـ “عملية الريفييرا”. بل إنهم اعترضوا على تصريح ترامب حين قال”سنرسل جنودًا إذا لزم الأمر”. ويبدو أن تل أبيب تشعر بالقلق بشأن “نتائج هذه العملية”. ومع ذلك فهي للأسف نجاح واضح لنتنياهو.

المسألة ليست في نجاح هذه الخطة أو فشلها. فطبيعة هؤلاء الأشخاص وسلوكهم هو أن يحتفلوا فوق قبورنا المجهولة.

أما الحديث عن حلّ القضية الفلسطينية، أو حل الدولتين، أو حتى قيام دولة فلسطينية، فكل ذلك يُلقى في سلة المهملات. وفي المقابل يعاد إحياء “اتفاقيات إبراهيم” و”التحالف العالمي” ببعض التعديلات الطفيفة. لكن الأهم هو أنهم بصدد فتح باب دخلٍ ثابت سيمتد لقرنٍ كامل، يضمن أرباحا لا حصر لها للشركات الغربية.

أُصدر مرسوم بفرض “أقصى قدر من الضغط” على إيران، ولكن لا تزال “أبواب التفاوض مفتوحة”، وفي بيروت، يجري بناء أكبر سفارة في المنطقة. ويتم ترسيخ الوجود العسكري الأمريكي شرق البحر الأبيض المتوسط. وهناك توافق على تدمير حماس تماماً. وتسود أجواء توحي بانسحاب أمريكا من سوريا، ولكن حتى لو حدث ذلك، لا أحد يعرف السبب الحقيقي وراء النسحاب. (وتقول الولايات المتحدة إنها ستنسحب من العراق بحلول عام 2026، وبهذا تظهر خريطة جديدة للمنطقة القريبة منا)، والأنظمة الملكية في مصر والسعودية وغيرها تواجه رسائل تهديد مبطنة مفادها أن “ثورة الشام قد تصل إليكم أيضاً”.

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى الأمل الوحيد هو أن تؤدي سياسات ترامب الهجومية التي استهدفت الجميع منذ توليه المنصب، إلى يقظة عالمية. إنها رغبة في بروز حركة تمرد ما، غير أن معالمها لا تزال غير واضحة: من سيقودها؟ بأي تنظيم؟ وبأي آلية؟ أما الأصوات المعارضة، فهي إما خائفة من نقاط ضعفها أو قلقة من ردود فعل شعوبها. أي أن الانتقادات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل كثيرة، ولكن ما النتيجة؟

يبدو أن إسرائيل لا تزال تحقق مكاسبها، فالولايات المتحدة تدعمها بشكل صريح، وتستعيد هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا. والأسوأ من ذلك، أن هناك من لا يرى المشكلة في سياسات إسرائيل جذرية، بل يراهن على تحسن العلاقات مستقبلاً باعتبار أن “السياسة الخارجية ليست قطيعة دائمة”. هؤلاء يعتقدون أن رحيل نتنياهو سيحل الأزمة، ولكن ماذا لو بقي؟ بل حتى لو رحل، فإن إسرائيل ستستمر.

وانظروا إلى “الآخرين”، الاتحاد الأوروبي غارق في الوهم، يعتقد أنه سيبني دفاعاً مستقلاً، ولكن لا أحد يكترث للأمر. أما تركيا فقدت الأمل في “العضوية الكاملة” منذ فترة طويلة، لكنها تستقبل الضيوف لتسهيل إجراءات التأشيرات فقط. وحين زار الرئيس الألماني أنقرة، كان على دراية تامة بالوضع، حيث قال: “لنركز على قضايا المهاجرين وسوريا، أما باقي الأمور فلا نتفق عليها”، ثم رحل. والناتو يفكر في إرسال قوات إلى جرينلاند بسبب تهديدات ترامب. هل يمكن لعقل سياسي أن يكون بهذا الانفصال عن الواقع؟ تلك القوات قد تعود وتحتل بروكسل دون أن يدرك أحد ذلك.

بالطبع، ستُعاقب المحكمة الجنائية الدولية، وهي تُعاقب بالفعل من قبل واشنطن. يعتقد القضاة أن “كل شيء سينتهي”، ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة تقول “نحن باقون”.

أما بريكس؟ فلا صوت لها حتى الآن. أعضاؤها يتعرضون لهجمات ترامب، وحتى دول مثل جنوب إفريقيا أو أمريكا الجنوبية لا تملك سوى أن تقول: “ما يحدث لفلسطين أمر مخزٍ” ولا تتحرك خطوة أبعد من ذلك. كلهم يزنون الأمور بميزان واحد: علاقتهم بالولايات المتحدة، فيما تنشغل روسيا بكيفية التفاوض مع أمريكا حول أوكرانيا، أما الصين فهي تبحث عن طريقة لتفادي الهجمات الأمريكية دون الدخول في حرب ساخنة.

وكل هذا يحدث في أضعف لحظة في تاريخ الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة نفسها تبحث عن طرق للتعامل مع سنوات ترامب الأربع. وحتى إذا نجحت في تخطيها، إلى أين ستتجه؟ المشكلة لم تعد في الولايات المتحدة، بل في العالم نفسه.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق