اخبار تركيا

في مقال تحليلي بصحيفة الشرق القطرية، تناول الكاتب والخبير التركي أحمد أويصال، التطور التاريخي والجغرافي للعراق كمركز حضاري وتجاري بين الشرق والغرب، مع التركيز على التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهها خلال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.

واستعرض المقال مشروع «طريق التنمية» الذي أطلقته الحكومة العراقية في 2023، كخطة استراتيجية طموحة تهدف إلى تحويل العراق إلى محور تجاري ولوجستي إقليمي يربط بين دول الخليج وتركيا وأوروبا.

ويحلل الكاتب دور هذا المشروع في تنويع الاقتصاد العراقي بعيداً عن الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه تنفيذه والتعاون الإقليمي والدولي الداعم له. وفيما يلي نص المقال:

شهد العراق، مهد الحضارة، صعود العديد من الحضارات والإمبراطوريات بين نهري دجلة والفرات. ومنذ العصور القديمة، كان يربط بين طريق الحرير من آسيا والطريق البحري من الخليج العربي إلى الأناضول والغرب. وخلال العهد العثماني، كانت منطقة صراع مع إيران، كما كانت جسراً تجارياً بين شبه الجزيرة الهندية والإمبراطورية العثمانية. وبعد أن هيمنت بريطانيا على التجارة العالمية من خلال قناة السويس، حاولت الدولة العثمانية وألمانيا بناء خط سكة حديد برلينبغداد الذي يربط بين المحيطين شرقًا وغربًا.

أدى اكتشاف احتياطيات النفط الكبيرة في عشرينيات القرن الماضي إلى بروز العراق كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، غير أن اعتماده المفرط على قطاع الطاقة حال دون استثمار كامل إمكاناته كممر تجاري حي. وقد عرقلت الحروب الداخلية والخارجية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية ومشكلات الحكم المركزي، تطور النشاط التجاري في البلاد. وبعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، واجه خلالها تحديات جسيمة تمثلت في الإرهاب، والصراعات الطائفية، والانقسامات العرقية. ولم يتراجع النشاط التجاري فحسب، بل شهد قطاع النفط والغاز نفسه انحداراً ملحوظاً، حتى أصبح العراق مضطراً لاستيراد الوقود المكرر والكهرباء.

دخل العراق في السنوات الخمس الأخيرة مرحلة من الاستقرار الجزئي، ويسعى اليوم، كغيره من دول النفط والغاز، إلى تنويع اقتصاده والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. وتعمل الحكومة العراقية على تنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة. وقد برز تطوير الإمكانات التجارية كخيار مهم في هذا السياق. وفي عام 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن مشروع «طريق التنمية»، الذي يُعد من أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ البلاد. ويهدف المشروع إلى توسيع قنوات التجارة بين العراق وتركيا من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى، وربط الشرق بالغرب على نطاق أوسع.

ويعد هذا المشروع مبادرة اقتصادية وإستراتيجية ضخمة تهدف إلى تحويل العراق إلى مركز تجاري ولوجستي دولي، المرحلة الأولى من هذا المشروع ستربط البصرة ببغداد، والمرحلة الثانية ستربط بغداد بالحدود التركية، ومن المتوقع أن يستغرق إنجازها حوالي 20 عاما. سيتم توسيع ميناء الفاو الكبير في البصرة لجعله أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط. وستنقل سكة حديدية مزدوجة الطريق (1,200 كيلومتر) البضائع والركاب على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء مناطق حرة ومناطق تخزين ومراكز إنتاج في المدن العراقية على طول الطريق، حيث سيتم استخدام طرق سريعة كبيرة للنقل بالشاحنات والنقل البري.

ستكون لمشروع طريق التنمية آثار استراتيجية كما يمكن أن يعزز موقف العراق الجيوسياسي. لأن الأنشطة الاقتصادية التي ستحدث يمكن أن توفر للعراق دخلاً مالياً كبيراً. كما أنه مهم لأنه يأتي في وقت تتزايد فيه الحروب التجارية والبحث عن بديل لمشروع الحزام والطريق الصيني. وتهتم جهات فاعلة مثل تركيا ودول الخليج والصين والاتحاد الأوروبي بهذا المشروع. سيكون مهمًا من حيث الشركاء الذين سيختارهم العراق وكذلك الخطوط التي سيتنافس معها. وعلى الرغم من أنه ليس بديلاً لقناة السويس، التي تحتل مكانة مهمة في التجارة العالمية، إلا أنه سيأخذ جزءًا من عبء حركة البضائع.

ومع ذلك، يواجه هذا المشروع صعوبات مختلفة. كما أن التكلفة العالية للمشروع، والعقبات البيروقراطية ستؤدي إلى إبطاء العملية. من ناحية أخرى، أعطى سقوط نظام الأسد في سوريا فرصة للعراق للتعاون الإقليمي. وتدعم تركيا هذا المشروع، لأنه يعزز علاقاتها مع الخليج والشرق. كما أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية في تركيا، الة بأوروبا، جاهزة بالفعل. وعند ربط المشروع بالخطوط التركية، سيتعزز الاتصال البري بين الخليج وأوروبا بشكل كبير.

تدعم قطر والإمارات العربية المتحدة هذا المشروع أيضا. وقد حضر وزراء هذه الدول الأربع القمة في بغداد في أكتوبر 2024. وقد أعرب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن دعمه لمشروع طريق التنمية خلال زيارته إلى العراق. كما أكد المسؤولون الأتراك والعراقيون على التعاون على أعلى مستوى خلال زياراتهم المتبادلة. سيؤدي هذا المشروع إلى تنويع الاقتصاد العراقي وخلق فرص عمل لمئات الآلاف من الأشخاص ودعم الزراعة والصناعة المحلية. ويوفر التراث الثقافي الغني للبلاد وموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية أساساً قوياً للنمو. وإذا ما تم إنجاز المشروع، فإن العراق سيحقق الاستقرار وسيعزز التعاون الإقليمي وسيصبح العراق لاعباً مهماً في التجارة العالمية.

شاركها.