عزل رؤساء بلديات في تركيا بتهم الإرهاب.. قراءة في الأبعاد
اخبار تركيا
تناول مقال تحليلي للخبير والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، أبعاد القرار الذي اتخذته السلطات التركية بشأن عزل رؤساء عدد من البلديات بتهم الإرهاب.
وأشار ياشا في بداية مقاله بصحيفة “عربي21” إلى توقيف قوات الأمن التركية، قبل أسبوع، رئيس بلدية أسنيورت في محافظة إسطنبول، أحمد أوزر، بناء على تحقيق أجراه الادعاء العام في حقه بشبهة الانتماء إلى حزبالعمال الكردستانيوالتورط في أنشطة المنظمةالإرهابيةالانفصالية.
وقال إنه بعد صدور قرار من المحكمة لاعتقال أوزر، قامت وزارة الداخلية بتعيين نائب محافظ إسطنبول جان أقصوي، وصيا على بلدية أسنيورت. وجاء بعد ذلك عزل رؤساء ثلاث بلديات أخرى، وهي بلديات مدينتي ماردين وباتمان وقضاء هالفتي التابع لمحافظة شانلي أورفا، بتهم تتعلق بالإرهاب، وتعيين أوصياء على تلك البلديات.
ويرى الكاتب أن هذه التطورات جاءت بعد المبادرة التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي قبل أسبوعين. وكان بهتشلي دعا إلى إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، ليلقي كلمة في البرلمان التركي أمام نواب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب (ديم)، يعلن فيها حل المنظمة الإرهابية. وجدد بهتشلي تلك الدعوة، مؤكدا في كلمته يوم الثلاثاء أمام نواب حزبه، أنه وراء مبادرته، كما دعا “حزب ديم” الموالي لحزب العمال الكردستاني إلى نبذ العنف والإرهاب.
وتابع المقال:
رئيس بلدية أسنيورت المقال خاض الانتخابات المحلية الأخيرة كمرشح حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه في الحقيقة ينتمي إلى “حزب ديم”. وكان ذاك الترشيح ثمرة التنسيق بين الحزبين في إطار التحالف المسمى “توافق المدينة”، وفي مقابل دعم “حزب ديم” لمرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، ليفوز برئاسة بلدية إسطنبول لفترة ثانية. كما أن الرؤساء الثلاثة الآخرين الذين تم عزلهم ينتمون إلى “حزب ديم”.
التطورات التي أعقبت إعلان بهتشلي عن مبادرته لتعزيز الجبهة الداخلية من أجل مواجهة التحديات الخارجية المحدقة، أثبتت أن الهدف من المبادرة هو وضع “حزب ديم” أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما: التمسك بارتباطه بحزب العمال الكردستاني أو التخلي عنه، والطلب منه أن يختار إما السلاح وإما السياسة، لأنه من غير المقبول أن يبقى الحزب كالجناح السياسي للمنظمة الإرهابية المسلحة التي تستهدف أمن البلاد واستقرارها ووحدة ترابها، في الوقت الذي تستعدتركياللقضاء على خطر تلك المنظمة الانفصالية نهائيا سواء داخل أراضيها أو خارج حدودها.
وزارة الداخلية التركية قامت في آب/ أغسطس 2019 بعزل رؤساء بلديات مدن ديار بكر وماردين ووان، بناء على تحقيقات أجريت في حقهم بشبه متعلقة بالإرهاب، كما عيَّنت أوصياء على تلك البلديات. وكان الرؤساء الثلاثة ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب الشعب الجمهوري، وهو حزب يعتبر “حزب ديم” امتدادا له. وطالت عملية العزل فيما بعد رؤساء بلديات أخرى ينتمون إلى ذات الحزب، وفي غضون ذلك أطلق الجيش التركي عملية نبع السلام في شمالسوريالإبعاد الإرهابيين عن الحدود التركية. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: “هل عزل رؤساء البلديات الأخير مؤشر يشير إلى قرب عملية عسكرية جديدة لتحرير مناطق أخرى من سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني؟”.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في كلمته التي ألقاها قبل أسبوع أمام نواب حزب العدالة والتنمية وأعلن فيها عن دعمه لمبادرة بهتشلي، ذكر أنه ستكون لديهم بشائر جديدة في المرحلة القادمة تضمن أمن حدود تركيا الجنوبية بأكملها، كما تضمن حماية أرواح المواطنين وأموالهم. وأشار الكاتب التركي الشهير عبد القادر سيلفي في مقاله المنشور، أمس الثلاثاء بصحيفة “حرِّييت”، إلى أن إحدى تلك البشائر قد تكون العملية العسكرية المرتقبة في شمال سوريا، كما توقع أن تطال عملية العزل رؤساء بلديات أخرى في الأيام القادمة، وأن الرأي العام التركي سيناقش الأسبوع القادم مواضيع مختلفة عما يناقشه الآن، مشيرا إلى أن التوازنات السياسية في تركيا بدأت تتغير.
حزب العمال الكردستاني تدعمه الولايات المتحدة، إلا أن روسيا هي الأخرى تحميه وتنسق معه لابتزاز تركيا، وتسعى موسكو إلى إشغال أنقرة بمباحثات عبثية مع النظام السوري. وذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حديثه لصحفية تركية على هامش قمة بريكس التي عقدت في مدينة قازان عاصمة جمهورية تترستان في روسيا، أن سبب توقف الحوار بين تركيا وسوريا هو الوجود العسكري التركي في الأراضي السورية. ورد عليه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في حديثه لذات الصحفية خلال زيارته للعاصمة البريطانية لندن، قائلا إن بشار الأسد وشركاءه غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة والتطبيع مع أنقرة، وأشار إلى ضرورة توصل الأسد إلى اتفاق مع معارضيه لتوفير بيئة آمنة ومستقرة للشعب السوري.
محاولات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق في الظروف الراهنة أشبه ما تكون بطحن الماء، كما أن الاعتقاد بأن بشار الأسد يمكن أن يقضي على خطر حزب العمال الكردستاني بالتعاون مع تركيا ضرب من الخيال وحلم لا يمت للواقع بصلة.ومن المؤكد أن تركيا تواجه صعوبات في إطلاق عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، في ظل الحماية الأمريكية الروسية التي يتمتع بها حزب العمال الكردستاني، إلا أنها مضطرة للقيام بها، عاجلا أم آجلا، من أجل حماية أمنها القومي والحفاظ على وحدة ترابها.