عيد الجمهورية.. 101 عاماً على النضال التركي ضد قوى الاستعمار الغربي
اخبار تركيا
احتفلت تركيا، الثلاثاء، بالذكرى الـ101 لتأسيس الجمهورية، التي تمثل نقطة تحول تاريخية في نضال الشعب التركي ضد قوى الاستعمار الغربي. في 29 أكتوبر 1923، أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية، مما أطلق مسيرة جديدة نحو الاستقلال والتحديث. يأتي هذا الاحتفال لتجديد الفخر بتضحيات الأجيال السابقة لتحقيق السيادة وبناء دولة حديثة.
قبل نحو 101 عام، رفض الأتراك جميع أشكال الوصاية المفروضة من دول الغرب الاستعمارية وقدموا الغالي والنفيس من أجل حريتهم واستقلالهم وبناء دولتهم. ويجري الاحتفال بيوم الجمهورية كل عام بأنشطة مختلفة تعم جميع أنحاء البلاد، بحسب تقرير لـ “TRT عربي”.
الحرب العالمية الأولى وحقبة الاحتلال
بعد الهزيمة التي لحقت بالدولة العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى جرى التوقيع في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1918 على هدنة موندروس بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء لإنهاء الصراع العسكري. وقّع وزير البحرية رؤوف بك، بالنيابة عن الدولة العثمانية، على المعاهدة في البارجة أجاممنون الراسية في ميناء موندروس في جزيرة ليمني الواقعة في الشمال الشرقي من بحر إيجه التي أخذت اسمها منه.
دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1918، وتحتوي على 25 مادة قصيرة غاية في الأهمية حددت شروط وقف إطلاق النار بين الطرفين ووصفت بأنها “شروط قاسية”. ومن أهم شروط المعاهدة ما جاء في المادة السابعة، إذ تنص على أنه “يحق لقوى الحلفاء احتلال أي منطقة استراتيجية في حال حدوث أي شيء يهدد أمن هذه الدول”، وتكشف هذه الفقرة بشكل واضح وصريح عن نية دول الحلفاء احتلال وتقسيم الدولة العثمانية.
وما إن جرى التوقيع على هدنة موندروس حتى بدأت دول الاستعمار الغربي بالانقضاض على أراضي الدولة العثمانية من الجهات الأربع وتقسيمها في ما بينها. وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 رست سفن دول الحلفاء (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان) في إسطنبول وأنزلت قواتها على الأرض، معلنةً بذلك بدء الاحتلال الغربي للأراضي التركية.
وبعد إعلان الهدنة بأيام قليلة احتلت بريطانيا المناطق في جنوب شرقي تركيا بهدف ربطها بالعراق الخاضع للاحتلال البريطاني آنذاك، واحتلت فرنسا المناطق والمدن الواقعة في جنوب غربي تركيا ومن أهمها أنطاكيا ومرسين وأضنة، واحتلت إيطاليا الشريط الساحلي الغربي وصولاً إلى عمق الأناضول، ومن أهم المدن التي استولت عليها مدينتا أنطاليا وموغلا، واحتلت أرمينيا الجزء الشرقي ضمن ولاية قارص بهدف توسيع مناطقها، واحتلت اليونان إزمير في الغرب والمدن الواقعة في شمال غربي بحر مرمرة المتمثلة في إقليم تراقيا. وجرى فرض مزيد من الشروط “القاسية”في ما تُعرف بـ”معاهدة سيفر” في 10 أغسطس/آب 1920.
النضال الشعبي وحرب الاستقلال
بعد مشاهدة بلاده تتفكك وتنهشها قوى الاستعمار الغربي، قدَّم مصطفى كمال أتاتورك استقالته من منصبه قائداً في الجيش في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وتوجه بالقطار من مدينة أضنة إلى إسطنبول، وكل همّه العمل على تحرير البلاد من الاحتلال.
ركب أتاتورك سفينة بندرما في 16 مايو/أيار 1919 متوجهاً من إسطنبول إلى مدينة صامصون، شمال تركيا على شاطئ البحر الأسود، وما إن وصل إلى هناك في 19 من الشهر نفسه حتى بدأ بحشد الشعب وبقايا الجيش التركي المتفكك حينها لمواجهة قوى الاستعمار الغربي، وكانت خطبته في صامصون هي الشعلة لبداية معارك التحرير والاستقلال، وتجسدت بعبارته الشهيرة “إما الاستقلال وإما الموت”، واستمرت حرب الاستقلال ما يقرب من أربع سنوات تكللت بتحرير البلاد وإعلان الجمهورية التركية الحديثة.
زار أتاتورك أهم مدن ومناطق الأناضول مثل أرضروم و سيواس، وعقد فيها مؤتمرات واجتماعات شعبية لتحشيد وتشجيع الشعب على المشاركة في حرب التحرير والاستقلال، وبعد وصوله إلى أنقرة أنشأ أول مجلس نواب وطني في 23 أبريل/نيسان 1920، وجرى انتخابه رئيساً للمجلس، معلناً أن أنقره هي العاصمة الجديدة وأن الحكومة التي شكَّلها المجلس في أنقرة هي الممثل الوحيد للشعب التركي.
بعد التضحية الكبيرة التي قدمها الشعب والجيش معاً في معركة صقاريا الملحمية التي انتهت بهزيمة الجيش اليوناني المحتل في 13 سبتمبر/أيلول 1921، اضطر اليونانيون إلى الانسحاب باتجاه مدينة إزمير غرباً، وبعدها بعام واحد فقط جرى خلاله إعادة هيكلة الجيش وتحضيره لحرب التحرير النهائية جرى الانتصار على اليونانيين ودحرهم في البحر، وبذلك أعلن تحرير إزمير في 9 سبتمبر/أيلول 1922.
وما إن وضعت حرب تحرير إزمير أوزارها حتى جرى التوقيع على هدنة مودانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1922 بين الجمهورية التركية ودول الحلفاء، وبذلك تكون قد انتهت حرب التحرير والاستقلال فعلياً، وفي 24 يوليو/تموز 1923 جرى التوقيع على معاهدة لوزان التي اعترفت بالجمهورية التركية وسيادتها.
تأسيس الجمهورية التركية
بعد التوقيع على معاهدة لوزان والاعتراف باستقلال تركيا وسيادتها كان لا بد من تحديد صيغة وطبيعة الحكم في الجمهورية الجديدة، وبتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923 أُعلن تأسيس الجمهورية التركية الحديثة واختيار النظام الجمهوري الديمقراطي صيغةً للحكم، وبعد ذلك انتُخب مصطفى كمال أتاتورك رئيساً للدولة من أعضاء مجلس الشعب في أنقرة، وبدوره عيَّن أتاتورك عصمت إينونو رئيساً للوزراء، معلنين بذلك أول حكومة تركية في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1923.
أوْلت الجمهورية التركية الحديثة مجالات التعليم والزراعة والصناعة أهمية خاصة في مرحلة بناء الجمهورية، إذ بُنيت المدارس والمصانع في أنحاء البلاد كافة، ولم يفرَّق بين ذكر وأنثى في الحقوق والواجبات، بل على العكس أُعطيت المرأة التركية حق الترشح والانتخاب بدايةً من الانتخابات المحلية عام 1930، ومن ثم توسَّعت لتشمل الانتخابات كافة في عام 1934، أي قبل أن تحصل المرأة الفرنسية على حقوقها بعشر سنوات. كما سمح النظام الديمقراطي لجميع أفراد الشعب من مختلف الطبقات الاجتماعية ومن مختلف الأعراق والديانات بأن يكونوا جزءاً فعالاً في بناء الجمهورية.