اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، عودة النزعة الإمبريالية في النظام العالمي المعاصر، من خلال أدوار بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، مع الإشارة إلى أن هذه القوى تسعى لإعادة إنتاج تجربة شبيهة بمؤتمر برلين (18841885) الذي دشّن ذروة الاستعمار الأوروبي.
يوضح تورك يلماز في تقريره بصحيفة يني شفق كيف أن التاريخ الاستعماري جرى تهميشه في المناهج والرؤى الرسمية، ما أدى إلى رؤية أوروبيةمركزية مشوّهة للتاريخ.
كما يربط بين ما يجري اليوم في فلسطين وغزة وبين محاولات الغرب لإرساء نظام إمبريالي جديد، يظهر فيه التفوق الأنجلوسكسوني ويتجاهل أصوات الشعوب المعارضة حتى داخل هذه الدول نفسها، في حين تسعى دول أخرى مثل إيطاليا إلى حجز موقع في هذا الترتيب العالمي الجديد.
وفيما يلي نص التقرير:
تسعى بريطانيا والولايات المتحدة، بمشاركة ألمانيا، إلى فرض نظام إمبريالي جديد يواجه العالم بأسره. إن تقييم ألمانيا انطلاقًا من الحربين العالميتين قادنا إلى استنتاجات خاطئة. فمنذ سبعينيات القرن التاسع عشر، انخرطت ألمانيا في المنافسة الاستعمارية بشكل يمكن ملاحظته بوضوح عند الخروج عن السياق التقليدي. فقبل ذلك التاريخ، شارك مئات الآلاف من سكان دول شمال أوروبا في محاولات غزو المستعمرات، خاصة في أمريكا الشمالية. ومنذ ذلك الحين، انخرطت الدولة الألمانية مباشرة في المنافسة الاستعمارية. وفي عامي 18841885، ناقشت الدول الأوروبية في مؤتمر برلين، ولمدة أربعة أشهر، تقسيم القارة الإفريقية. وكان مؤتمر برلين ذروة الاستعمار الأوروبي.
وهنا أود التوقف قليلا، للأسف في مناهجنا الدراسية المتعلقة بتاريخ أوروبا، لم يُمنح مؤتمر برلين سوى ما يستحقه من اهتمام. ولا أنوي الخوض في الماضي، لكن تاريخ أوروبا في تصورنا اقتصر على عصر التنوير وعهد العقلانية والحداثة والثورة الفرنسية والعلوم والتكنولوجيا وأشكال الحكم وما إلى ذلك. وهذا دون شك يعكس فهمًا أوروبيًا مركزيًا للتاريخ. يا للمثقف التركي المسكين، لقد تبنى رؤية تاريخية صيغت حسبما تريد ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ونقلته إلى ملايين الأجيال الجديدة على مر السنين. وورثت الأجيال الإعجاب بأوروبا كإرث متداول. لقد أسفر مؤتمر برلين عن إلقاء مئات الآلاف من الأفارقة والآسيويين في فوضى استمرت عقوداً، وتعرضت بلدانهم للاحتلال. وللأسف، فقد خصصت المطبوعات التركية مساحة قليلة جدًا للتمدد الاستعماري لبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على القوقاز، وشبه جزيرة القرم، وتركستان. وما أقصده بقولي ” لا أنوي الخوض في الماضي” التأكيد على ضرورة إيلاء الأهمية للمستقبل. فمن الواضح جداً أن بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة تبحث عن مسار مختلف من جديد، تماماً كما حدث في مؤتمر برلين 18841885.
يجب إعادة النقاش حول مفاهيم الاستعمار والإمبريالية من منظور جديد. أما تحليل الأحداث التي تحيط بنا اليوم في شكل دائرة نارية من خلال مناورات الدول أو الشركات التكتيكية والاستراتيجية، فلا أظن أنه يحمل دلالة كبيرة للأجيال الجديدة. يجب علينا أن نسلم بأننا نعيش في عالم مختلف عن عالم أجيال اليوم. أتصور أن نطاق النقاشات بينهم محدود جدًا. ومن الظلم تحميل اللوم فقط على البرامج التلفزيونية. ومع ذلك، علينا أن نقرّ أن الأجيال الشابة أيضًا تركز على موضوعات محدودة جدًا كما فعل السابقون. ويمكن القول إن مدارسنا محكومة بإطار جامد. وللأسف، تعاني المنظمات المدنية أيضًا من أجندة محدودة. ولكن قضية غزة وفلسطين تُظهر أن منظور المرحلة الجديدة الذي تتبناه بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا على مستوى العالم بالغ الاتساع والشمول.
لقد حاول العالم بأسره إيصال رسالة ما إلى هذه الدول الثلاث التي ذكرناها. فانتفضت الشوارع، وامتلأت الساحات في بريطانيا وألمانيا أيضاً. وكانت المظاهرات الاحتجاجية في الولايات المتحدة تتركز في الجامعات. ورغم ذلك، لم يتمكن حتى شعوب هذه الدول الثلاث من إيصال آرائهم بشأن ما يحدث في غزة إلى نخبهم الحاكمة. يبدو أنهم صمّ وعُمي، لكن لديهم لسان يتحدث. يقولون إنهم يفضلون إسرائيل واليهود الصهاينة على كل شيء. وهذا انعكاس مباشر للتفوق الأنجلوساكسوني.وليس هناك جدوى من تحميل المسؤولية للعرب أو لغيرهم بدافع البحث عن الخطأ في أنفسنا، حتى في هذا الوضع. كما أنه من العبث إضاعة الوقت مع من يستخلصون من هذه الجملة أنني أحاول حماية العرب. جب إعطاء الأولوية للنقاش حول الإمبريالية الجديدة للدول التي ذكرناها. فبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، وحتى فرنسا، لا تهتم بما يحدث من إبادة في غزة. وهذه الملاحظة بالغة الأهمية، لأنها تظهر أنهم لا يهتمون أيضًا بآراء الدول الداعمة لفلسطين.
وفي إيطاليا، خرجت عشرات المدن إلى الشوارع تعبيرًا عن قلقها إزاء ما يحدث فلسطين، لكن رئيس الوزراء الإيطالي أشار إلى أن أسطول الصمود العالمي يعرّض مسار مفاوضات السلام للخطر. والرسالة واضحة: ترغب إيطاليا في الحصول على موضع في نظام الإمبريالية الجديدة. ومن المعروف أن إيطاليا فشلت في السيطرة على الأراضي المخصصة لها بعد مؤتمر برلين، إذ استُغلت من قبل بريطانيا وفرنسا. ومع ذلك، أرادت إيطاليا أن تُظهر استعدادها للانتقال مرة أخرى من العالم اللاتيني إلى الحكم الأنجلوسكسوني. وسيُفسر البعض هذا الموقف على أنه نتيجة للنفوذ اليهودي، لكن التحليل الواقعي يشير إلى أن الدول التي تسعى لإعادة تقسيم العالم هي ألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة. وبالتالي، يجب أن تُناقش الإمبريالية الجديدة في ضوء هذه المعطيات.