اخبار تركيا

تناول مقال تحليلي للكاتب والخبير في الشؤون الدولية علي باكير، بصحيفة “عربي21″، تصاعد التهديدات الإسرائيلية التي طالت تركيا بعد المواجهة الخاطفة مع إيران، وما رافقها من دعوات في إسرائيل لعزل أنقرة إقليميًا وحتى التلويح بقبرص.

يركز الكاتب على رسائل الردع التركية التي تجلّت في معرض الصناعات الدفاعية الدولي بإسطنبول (IDEF 2025)، حيث كشفت أنقرة عن منظومات استراتيجية مثل صاروخ طيفون (بلوك4) بعيد المدى، وقنبلة غضب الحرارية، إضافة إلى منظومة الدفاع الجوي القبة الفولاذية.

ويوضح الكاتب أن تركيا تسعى عبر هذه القدرات إلى ترسيخ استقلاليتها الدفاعية وإعادة التوازن الإقليمي في مواجهة إسرائيل وحلفائها، مع الإشارة إلى أن استمرار هذا المسار قد يفتح الباب لمحاولات إعاقة أو عرقلة من الداخل والخارج. وفيما يلي نص المقال:

في أعقاب المواجهة السريعة بين إسرائيل وإيران والتي أحدثت أضراراً بالغة في طهران وأذرعها الإقليمية في لبنان والعراق واليمن، سادت حالة من النشوة لدى بعض المسؤولين الإسرائيليين والمحلّلين والإعلاميين الإسرائيليين، وبدؤوا بالتهديد والوعيد لتركيا مشيرين الى انّ أنقرة يجب أن تكون الهدف القادم لإسرائيل. ذهب بعضهم الى إقتراح عقد تحالفات إقليمية لعزل أنقرة تتضمن اليونان وقبرص، لا بل أنّ البعض اقترح احتلال شمال قبرص ل”تحريره” وضمّه الى النفوذ اليوناني.

تركيا لم تكن بعيدة عن هذا الاستعراض الإسرائيلي للقوّة، إذ قام الرئيس التركي بإرسال رسائل مباشرة أكّد فيه على ضرورة استعداد تركيا لمواجهة أي احتمال وذلك بالاعتماد على قدراتها العسكرية. وسرعان ما استغل الجانب التركي معرض الصناعات الدفاعية الدولي الذي أقيم في إسطنبول لإرسال رسائل ردع واضحة للدول المعنيّة، مع التركيز بشكل خاص على إسرائيل واليونان. لم تكن الأسلحة العسكرية المعروضة في معرض IDEF 2025 مجرد عرض للإنجازات التكنولوجية، بل رسائل مدروسة تشير إلى تنامي الإستقلالية الدفاعية لأنقرة واستعدادها لإعادة الإعتبار لتوازن القوى الإقليمي بعد أن قامت إسرائيل بتغييره لصالحها لاسيما في مواجهة إيران والعرب.

في مقدمة رسائل الردع كان الكشف عن صاروخ طيفون (بلوك4) فائق السرعة. أدخل هذا الصاروخ تركيا الى مجموعة حصرية من الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا التي تتيح تنفيذ ضربات دقيقة وساحقة في عمق العدو دون القدرة على اعتراضها لاسيما اذا ما تم اغراق منظومة الدفاع الجوي بالصواريخ المماثلة. مدى هذا الصاروخ يتجاوز على ما قيل 1500 كلم، وهذا بحد ذاته رسالة مفادها أنّ من يهدد تركيا ليس خارج مدى أو نطاق قدرتها على استهداف عمقه سواء من الجنوب أو الغرب.

الفارق بين وضع تركيا ووضع إيران جوهري، فعدا عن كونها تمتلك أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر تركيا أكبر مشغّل لمقاتلات اف16 في العالم بعد أمريكا. وفي غضون سنوات قليلة، ستمتلك مقاتلتها المحلية الصنع من الجيل الخامس مزوّدة بأحدث التكنولوجيا، الامر الذي يعطيها استقلالية دفاعية متقدمة بعيدا عن الاعتماد الكلّي على الغرب أو الشرق. إمتلاك انقرة لطيفون، سيجعل إسرائيل تفكر مرتين قبل أن تتّخذ الخطوة الأولى تجاه تركيا.

تم تعزيز رسالة الردع هذه من خلال إستعراض الدمار الشامل الذي تسببه قنبلة “غضب” الحرارية. توصف هذه القنبلة بأنّها أقوى سلاح غير نووي على الإطلاق في ترسانة الأسلحة التركية بالنظر الى قوتها التدميرية الساحقة.

هذه القنبلة مصممة لإحداث ضرر هائل على أكبر قدر من المساحة التي تصيبها، وباستطاعتها تحييد الأهداف المحصنة والجوفية. هذه القدرة ترسل إشارة مباشرة للخصوم والاعداء المحتملين ممّن يراهنون على بقاء مراكز القيادة والتحكم والسيطرة محصّنة أثناء قيامهم بالاعتداء على الآخرين. رسالة مفادها أن مثل هذه الدفاعات لم تعد منيعة، وأن سقوط قنبلة واحدة من هذا النوع سيجلب معه دماراً ليس كبيراً فحسب وإنما دقيقاً أيضاً.

رسائل تركيا لا تقتصر على الأسلحة الهجومية وإنما أيضا على منظومته الدفاعية محلّية الصنع المبتكرة تحت اسم القبّة الفولاذية. بعيد الحرب الخاطفة الإسرائيلية ـ الإيرانية، أعطت السلطات التركية الأمر بتسريع المنظومات الاستراتيجية، ومن بينها بطبيعة الحال هذه المنظومة التي تسعى لأن تكون أكثر من مجرّد رسالة إلى الخصوم أو الأعداء وإنما إلى الأصدقاء والشركاء. الرسالة إلى الأعداء أنّ تركيا ستعتمد على نفسها في الدفاع عن نفسها وأنّ منظومتها الدفاعية ستكون متعددة الطبقات بحيث تثبط أي عدو عن التفكير بالانتصار السريع عليها وبالتالي تنزع عنصر الإغراء الناجم عن الضعف الدفاعي والذي يغذي عادة النزعة الإسرائيلية في التعدّي على الآخرين.

وتعد هذه المنظومة المصممة للدفاع ضد طيف واسع من التهديدات، من الصواريخ قصيرة المدى إلى الصواريخ الباليستية أو المقاتلات، رسالة أيضاً الى الشركاء والأصدقاء مفادها انّ تركيا مستعدة كذلك لنقلها إليهم من خلال شراكات تتيح نقل التكنولوجيا أو من خلال صفقات عسكرية غير مقرونة بقيود جيوسياسية أو بعمليات ابتزاز غالباً ما تلجأ إليها الدول المنتجة للسلاح لمنع الدول المستخدمة لها من الاستفادة من قدراتها بشكل كامل، أو للمساومة على مواضيع أخرى غير ة بها.

هناك الكثير من رسائل الردع التي تمّ ارسالها أيضاً خلال الشهر الماضي والتي تتعدى ما تمّ الإشارة إليها أعلاه. قد لا يلتفت البعض الى هذه الرسائل أو يقلل من أهميّتها، لكن الخصم يعلم تمام العلم أنّ الرسالة وصلت، وأنّ مضي تركيا في هذا الطريق سيكون له انعكاسات ليس على العلاقات الثنائية وإنما على طريقة تعاطي دول المنطقة مع هذا الملف. لذلك، فالسؤال المحوري هنا، هل سيتم السماح لتركيا بالمضي قدما في هذا الطريق أم انّ محاولات عرقلته وتخريبه داخلياً أو خارجياً ستزداد خلال السنوات القليلة المقبلة والحاسمة في هذا الإطار؟

شاركها.