اخبار تركيا

قراءة تركية.. لماذا تصاعدت الخلافات بين الجزائر وفرنسا؟

اخبار تركيا

قال الأكاديمي والخبير التركي أحمد أويصال، إن الخلافات بين الجزائر وفرنسا تتجلى في كيفية التعامل مع إرث الحقبة الاستعمارية.

وأكد أويصال في مقال نشرته صحيفة الشرق القطرية، أن فرنسا تحاول إعادة صياغة تلك الفترة، وكأنها كانت خدمة للشعب الجزائري، بينما يرى الجزائريون أنها حقبة استغلال وظلم ممنهج.

وأوضح أن الجزائريين يطالبون اليوم باعتراف صريح بالانتهاكات التي وقعت خلال تلك الفترة، لكن هذه المطالب تقابل برفض فرنسي، حيث يصنفها الإعلام والساسة في فرنسا على أنها تدخل في الشؤون الداخلية والاستفزاز.

و في ما يلي نص المقال:

رغم الآمال بتهدئة العلاقات بين الجزائر وفرنسا مع بداية العام الجديد، إلا أن التوترات الدبلوماسية بين البلدين استمرت بالتصاعد. يعود أصل الأزمة إلى تمسك فرنسا بعقلية الحقبة الاستعمارية، إلى جانب تنامي نفوذ اليمين المتطرف الذي عزز موجة الإسلاموفوبيا ومعاداة العرب. وقد اختارت حكومة ماكرون الاستسلام لليمين المتطرف بدلاً من مواجهته، مما أدى إلى زيادة الضغوط على المسلمين. هذه السياسات تثير استياء الجالية الجزائرية، التي تُعد الأكبر بين المسلمين في فرنسا، وتؤجج غضب الجزائر أيضاً. إن أهم أسباب التوتر بين الجزائر وفرنسا هو الإرث الاستعماري. فخلال 132 عامًا من الهيمنة الفرنسية، عاشت الجزائر واحدة من أسوأ التجارب الاستعمارية تحت الهيمنة الفرنسية، ولم يقتصر الأمر على تجريد الجزائريين من أراضيهم فحسب، بل تعرضوا أيضًا للإبادة الجماعية والقمع الثقافي. ثار الشعب الجزائري من أجل الاستقلال عدة مرات، ولكن تم قمعه بعنف. واليوم، يطالب الشعب الجزائري وحكومته بالاعتذار والتعويض عن الإبادة الجماعية لأكثر من مليون شخص قُتلوا في سبيل الاستقلال.

تتجلى الخلافات بين الجزائر وفرنسا في كيفية التعامل مع إرث الحقبة الاستعمارية. تحاول فرنسا إعادة صياغة تلك الفترة وكأنها كانت خدمة للشعب الجزائري، بينما يرى الجزائريون أنها حقبة استغلال وظلم ممنهج. وعقب انتهاء الاستعمار، استولت فرنسا على الأرشيف الجزائري الذي يمثل ذاكرة الأمة وتاريخها الجماعي. يطالب الجزائريون اليوم باعتراف صريح بالانتهاكات التي وقعت خلال تلك الفترة، لكن هذه المطالب تقابل برفض فرنسي، حيث يصنفها الإعلام والساسة في فرنسا على أنها تدخل في الشؤون الداخلية والاستفزاز. ومع تصاعد نفوذ اليمين المتطرف، تبدو فرص التفاهم أو تحقيق أي تقدم في هذا الملف أكثر تعقيداً وبُعداً. على الرغم من أن فرنسا اعترفت جزئياً بأن ما حدث في الماضي كان كارثة، إلا أنها لم تعترف رسمياً بجرائم الإبادة الجماعية، كما أنها ترفض اتخاذ أي خطوات فيما يتعلق بالاعتذار أو التعويض. أصبحت حكومة تبون، التي جاءت إلى السلطة بعد حراك الشعب الجزائري، تتبنى موقفاً أكثر قوة تجاه فرنسا، خاصة بعد أن ازدادت أهمية الجزائر كمصدر الغاز الطبيعي إلى أوروبا في أعقاب حرب أوكرانيا. من جهة أخرى، ورغم استمرار العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين، فإن سعي الجزائر لتنويع شراكاتها الاقتصادية مع دول مثل الصين وتركيا وروسيا يثير قلق فرنسا.

خلال فترة الاستعمار، هاجر عدد كبير من الجزائريين إلى فرنسا، ويُقدّر عددهم بحوالي 4 5 ملايين شخص، وما زالت مشاكل اندماجهم مستمرة، إذ يتم تهميشهم بسبب كونهم عرباً ومسلمين. هذه الجالية الجزائرية الكبيرة تواجه صعوبات اجتماعية واقتصادية، مما يزيد من حدة النقاشات حول قضايا الهجرة والاندماج والعنصرية في فرنسا. كما أن صعود اليمين المتطرف الفرنسي جعل من الصعب على الجزائريين المسلمين، بما فيهم ذوو الأصول الجزائرية، الاندماج بشكل كامل. علاوة على ذلك، تقوم فرنسا بفرض ضغوط إضافية على المسلمين في التعليم من خلال مشروع «الإسلام الفرنسي».

تثير أنشطة فرنسا في منطقة الصحراء الكبرى (الساحل) قلق الجزائر، خاصة اهتمامها بليبيا ووقوفها الأقرب إلى المغرب، بالإضافة إلى دعمها الصريح لإسرائيل. يتعارض هذا مع موقف الجزائر الثابت في دعم القضية الفلسطينية ورفضها التدخل في شؤون الدول الأخرى. كما أن فرنسا تستغل قيود التأشيرات المقدمة للجزائريين كوسيلة الضغط، حيث تلجأ إلى فرض هذه القيود بعد كل حالة توتر بين البلدين.

في صيف 2024، تصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا بسبب دعم فرنسا للمغرب في نزاع الصحراء الغربية، مما أدى إلى إلغاء الرئيس تبون لزيارته إلى فرنسا. وفي ديسمبر 2024، بلغ الخلاف ذروته عندما اتهمت الجزائر دبلوماسيًا فرنسيًا بالانخراط في أنشطة معادية (تجسس) ضدها. ومع بداية 2025، تفجر نزاع جديد بعد أن قامت فرنسا باعتقال مؤثرين من أصل جزائري وطلبت ترحيلهم إلى الجزائر. من بينهم كان بو علام نعمان، الذي اعتقل بتهمة التحريض على العنف، وأرادت فرنسا إعادته إلى الجزائر. إلا أن الجزائر رفضت هذه العملية بسبب ما اعتبرته إجراءات غير قانونية، مما أدى إلى موجة من الانتقادات الحادة من وسائل الإعلام والسياسيين الفرنسيين ضد الجزائر. وفي بيان لها، رفضت وزارة الخارجية الجزائرية اتهامات التصعيد والإذلال. يبدو أن الجزائر دخلت مرحلة جديدة في علاقاتها مع فرنسا، حيث أصبحت قادرة على التعامل معها بشكل أكثر استقلالية، حان الوقت لفرنسا أن تتكيف مع الوضع الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *