اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التطورات الأخيرة المتعلقة بملف ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ضوء فشل محاولاتها تسويق اتفاق وهمي مع دمشق، ويكشف أبعاد المناورة الإعلامية التي انتهجها التنظيم لفرض أمر واقع سياسي وأمني.
في مقاله بصحيفة يني شفق، يسلّط بستان الضوء على الموقف الحاسم للحكومة السورية الرافض لأي صيغة فيدرالية أو لامركزية تهدد وحدة البلاد، وعلى التفاهمات الإقليمية والدولية التي باتت تميل بوضوح إلى إنهاء ملف “قسد” عسكرياً أو سياسياً.
ويربط بين التحركات التركية السورية، والدور الأميركي المتراجع، ومحاولات إسرائيل إعادة توظيف “داعش” و”قسد” لعرقلة استقرار سوريا. ويخلص إلى أن دمشق تتجه نحو فرض سيادتها شرق الفرات، وأن الخيارات أمام “قسد” تضيق سريعاً.
وفيما يلي نص المقال:
أعلنت منصات “قسد” عن التوصل إلى اتفاق مع دمشق، وروجت لأن “مظلوم عبدي” في طريقه إلى دمشق لتوقيع الاتفاق النهائي. بل ذهبت حسابات مقربة من التنظيم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبعد من ذلك، حيث بثت صوراً ومقاطع (زائفة) تُظهر عبدي وهو يغادر منزله متوجهاً إلى دمشق ضمن موكب كبير وبصحبته قادة أمريكيون. وقد وقع البعض في فخ هذه الأكاذيب بتبني رواية التنظيم، فهذه التنظيمات تقتات على “التضليل الإعلامي” وتلجأ للكذب بسهولة لتحقيق مكاسب آنية قصيرة المدى.
بيد أن الرد جاء حاسماً من وزارة الخارجية السورية، التي أعلنت أن المباحثات مع “قسد” لم تسفر عن نتائج ملموسة. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مسؤول في الخارجية نفيه القاطع لتصريحات عبدي حول “الاتفاق”، مؤكداً أن “مقترح اللامركزية يهدد وحدة الدولة”. ومن جانبها، أعلنت وزارة الإعلام السورية تعليق الاتصالات مع “قسد”، مشيرة إلى أن الرد النهائي سيكون في 28 ديسمبر. وأمام هذا النفي الرسمي، اضطرت “قسد” لإعلان تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق. والآن، وقد تجاوزنا تاريخ 28 ديسمبر، أعتقد أن الرد النهائي قد سُلِّم بالفعل لـ “قسد”. فما هي التفاصيل؟ قبل ذلك، لا بد من رسم الإطار العام للمشهد:
يجب إغلاق ملف قوات سوريا الديمقراطية على وجه السرعة
أولًا: إن دمج “قسد” ضمن بنية الدولة في دمشق يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوحدة الأراضي السورية، وهذه الوحدة هي حجر الزاوية لاستقرار المنطقة والأمن القومي التركي. من جهة أخرى، يجب أن يتم هذا الاندماج على أسس كريمة وعادلة؛ فلا تركيا ولا أي طرف آخر سيقبل بوضع يكون فيه الكرد “مواطنين من الدرجة الثانية”. دمشق تدرك هذه الديناميكيات في “سوريا الجديدة” وتعرض على الأكراد “المواطنة المتساوية”، وهي فرصة تاريخية لتحقيق الاستقرار والرفاه الإقليمي. لذا، يجب على “قسد” ألا تفوت هذه الفرصة وألا ترهن مستقبل الأكراد والعرب في مناطقها لأجندات خارجية.
ثانياً: إن محاولات التمرد ومطالب الفيدرالية في الجنوب (من قِبل بعض المجموعات الدرزية المدعومة من إسرائيل) وفي الغرب (من قِبل كتل تحركها فلول النظام البائد)، تكشف بوضوح عن مدى إلحاح حل قضية “قسد”. فهاتان المجموعتان لا تملكان القدرات العسكرية التي تمتلكها “قسد”، وبمجرد حسم قضية “قسد” سيكون من الصعب عليهما التحرك. لذا، يجب إغلاق ملف “قسد” نهائياً قبل أن تتحول الملفات الأخرى إلى “غرغرينا” يصعب علاجها في جسد الدولة السورية.
خيوط “داعش” بيد إسرائيل
ثالثاً: مثّل الاجتماع الثلاثي (الأمريكيالسوريالتركي) الذي عُقد في البيت الأبيض خلال شهر نوفمبر، بحضور ترامب والشرع، نقطة تحول مفصلية؛ حيث تم التأكيد فيه على أنه في حال لم تُقدِم قسد على اتخاذ خطوات ملموسة فلا سبيل سوى “الخيار العسكري”. وقد اتفقت العواصم الثلاث على الخطوات التي ستُتخذ ميدانيًا. ويمكن تلخيص هذه التفاهمات في أربعة محاور رئيسية: مشاركة دمشق في مكافحة “داعش”، ودمج “قسد” في هيكلية الدولة السورية، وتفعيل الاتفاقية الأمنية (التركيةالسورية) ميدانياً، ورفع العقوبات عن سوريا بالكامل. وبالفعل، رفعت الولايات المتحدة عقوبات “قيصر” في 18 كانون الأول/ديسمبر. غير أننا نلاحظ، في المقابل، محاولات إعادة تنشيط تنظيم داعش خلال هذه العملية؛ إذ شنّ هجمات على جنود أمريكيين كانوا يسيّرون دوريات مشتركة مع الجيش السوري، كما استهدف أمس الشرطة التركية في يالوفا. إن خيوط تنظيم داعش بيد إسرائيل.
اهتمام “الموساد” بالرادارات التركية
رابعاً: تعد الزيارة التي قام بها الوزيران فيدان وغولر ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن إلى دمشق في 22 ديسمبر محطة فارقة أخرى، وتكتسب هذه الزيارة أهميتها لسببين: 1ـ يبدو أنه جرى بحث متطلبات الاتفاقية الأمنية المشتركة بين تركيا وسوريا. ومن اللافت ما نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” نقلاً عن “مصادر استخباراتية غربية” (ويُقرأ ذلك بوضوح على أنه الموساد)، حول مساعٍ لنشر رادارات تركية داخل الأراضي السورية.
2ـ يُعتقد أن الوفد السوري أطلع نظيره التركي على رد “قسد” الذي تلقّاه في اليوم السابق بخصوص شروط الاندماج؛ حيث يطالب التنظيم بنموذج “اتحادي” (فيدرالي) مشابه لشمال العراق، بجيش وإدارة وبرلمان خاص، مع منع مؤسسات وجيش الحكومة المركزية من دخول المنطقة. والتعليق السائد خلف الكواليس هو: “قسد لا تريد الاندماج في دمشق، بل تريد دمج دمشق فيها”. ويُقال إن الأمريكيين يمارسون ضغوطًا هائلة على التنظيم للقبول بالاندماج، إلا أنها لم تثمر بعد، مما دفع فيدان للقول: “نرى أن قسد لا تنوي إحراز تقدم حقيقي”، بينما حسم الشيباني الموقف بقوله: “الدولة السورية ستكون موجودة هناك”، رافضاً مقترح التنظيم جملةً وتفصيلاً.
الجيش السوري سيتجه شرق الفرات
هذا هو المشهد الراهن… فما هو رد دمشق النهائي على “قسد”؟
أولًا: دخول الجيش السوري وانتشاره شرق نهر الفرات.
ثانيًا: تسليم المعابر الجمركية إلى إدارة دمشق.
ثالثًا: عودة جميع موارد الطاقة لعهدة الدولة السورية.
رابعًا: وضع المناطق ذات الغالبية العربية تحت سيطرة دمشق بشكل تدريجي.
غير أن “قسد” لا تبدي أي تجاوب مع هذه البنود. وذلك رغم الرسالة المباشرة التي وُجّهت إليها من إمرالي، بحسب ما نقلته زبيدة يالشن في صحيفة صباح
