اخبار تركيا
سبعة أشهر بعد اتفاق 10 مارس/ آذار بين الحكومة السورية وميليشيات “قسد”، لا تزال بنوده عالقة بسبب المماطلة، فيما تترقب دمشق خطوات عملية لتأكيد سيادتها على شمال وشرق البلاد.
وفي مقال له على موقع “الجزيرة نت”، قال الكاتب والباحث السوري عمر كوش إنه لا يلوح في الأفق القريب ما يؤشر إلى تنفيذ اتفاق 10 مارس على الأرض، وذلك على الرغم من تشكيل لجان مشتركة لتنفيذ كافة بنود الاتفاق، الذي نصّ على “دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في منطقة شمال وشرق سوريا”، مع ضمان حقوق الأكراد دستوريا، وعودة المهجّرين، ومشاركة كافة السوريين في العملية الانتقالية.
وأضاف أنه إلى جانب بنود أخرى تتعلق برفض دعوات التقسيم، وتسليم حقول النفط والغاز والمعابر الحدودية. إضافة إلى أن الاتفاق نفسه حدد فترة تنفيذه بما لا يتجاوز نهاية العام الجاري.
وجاء في المقال:
عزز اتفاق 10 مارس/آذار الأمل لدى كثير من السوريين بإمكانية الوصول إلى توافقات وطنية ترضي جميع القوى، لكن عدم تنفيذه تحول إلى عامل إحباط في الداخل السوري، إضافة إلى قلق في الخارج، خاصة لدى تركيا التي تراقب الوضع في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تعرف باسم الجزيرة السورية.
وتعتبر أنه يشكل تهديدا لأمنها القومي، بالنظر إلى سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا على أهم المفاصل في تلك المناطق عبر مخرجاته المدنية (الإدارة الذاتية) والعسكرية (وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل القوة الأساسية في “قسد”).
استدعى القلق الدولي، والإجماع على ضرورة استقرار الوضع في سوريا، الطرف الأميركي للتحرك؛ بغية دفع عجلة المفاوضات، لذلك تكثفت في الآونة الأخيرة الجهود الأميركية من أجل الدفع باتجاه تنفيذ الاتفاق، أو على الأقل التفاهم على خطوات عملية لتنفيذ الاندماج تدريجيا.
وجرت في هذا السياق عدة اتصالات ولقاءات بين مسؤولين في الحكومة السورية ووفود من القوى المسيطرة على الجزيرة السورية، وكان أهمها الاجتماع الأخير الذي عقد بين الرئيس أحمد الشرع، ومظلوم عبدي، بحضور المبعوث الأميركي الخاص توم باراك، وقائد القيادة المركزية الأميركية الأدميرال براد كوبر.
يشي تكثيف الاتصالات بأن اتفاق 10 مارس/آذار الماضي، ما يزال ينظر إليه بوصفه اللبنة الأساسية المتفق عليها من أجل بسط سيادة الدولة السورية الجديدة على كل الأراضي السورية، وإعادة توحيد البلاد، وبما ينهي حالة الانقسامات التي فرضت في السنوات السابقة.
وتحدثت بعض التقارير الإعلامية أن التفاهمات الناتجة عن الاجتماع الأخير، تضمنت دمج عناصر “قسد” ضمن صفوف الجيش السوريعبر إنشاء ثلاث فرق وعدة ألوية عسكرية، موزعة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، لتصبح جميعها تحت قيادة وزارة الدفاع السورية.
كما نصّت التفاهمات على أن تُدمج قوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية، والمعروفة بـ”الأسايش”، في وزارة الداخلية السورية، وتعمل تحت مظلة أجهزة الأمن فيها، الأمر الذي يشير إلى أن الدمج الذي يجري بشكل تدريجي، وضمن إطار مؤسسي، يهدف إلى بسط السيادة الإدارية والعسكرية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، والإدارة الذاتية، مع الحفاظ على ترتيبات محلية؛ بغية ضمان الاستقرار فيها.
كما تضمنت التفاهمات أيضا موافقة الحكومة السورية على منح أبناء المنطقة مناصب إدارية ضمن التشكيلات الجديدة، وبما يسهم في تجسيد معادلة التوازن المحلي مع صون سيادة الدولة، وتعزيز استقرارها.
أقرّ مظلوم عبدي في تصريحات إعلامية بأن الاجتماعات الأخيرة أفضت إلى “تنسيق شفهي” بشأن دمج “قسد” في صفوف الجيش السوري، وتحدث عن وجود تفاهم مبدئي حول “مبدأ اللامركزية”، وعودة المهجّرين إلى مناطقهم.
إضافة إلى “توافق مبدئي على تشكيل وحدات عسكرية مشتركة لمحاربة تنظيم “الدولة”، بناء على مقترح المبعوث الأميركي”. ولم يتحدث عن خطوات اندماج تدريجية، بل استدرك بأن “الخلاف يتركز على تفسير المصطلحات”.
تكمن المشكلة في أن التفاهمات “الشفهية” لم تترافق بأي خطوات تنفيذية على الأرض، ما يعطي مؤشرا على أن التنفيذ ما يزال بعيد المنال في المدى المنظور، وأن طريق المماطلة ما تزال مفتوحة.
أسباب المماطلة:
لا تختلف الرعاية الأميركية للاجتماعات الأخيرة بين ممثلين عن الحكومة السورية ووفد “قسد”، عن رعايتها لاجتماعات مماثلة سابقة، كونها لم تغادر إطار رعاية الوسيط، الذي يقف على نفس المسافة من الطرفين، أي أن الرعاية شكلية، ولا تقتضي أي ضمانات تنفيذية، كما لا تستوجب أي التزام سياسي حيال تنفيذ ما يتمخض عنها، وبالتالي لم تأخذ التفاهمات والاتفاقات التي نتجت عنها طريقها إلى التنفيذ المتدرج، بالنظر إلى مماطلة القيادات النافذة في مناطق شمال شرقي سوريا، وترددها حيال عملية الاندماج.
لا شك في أن أسبابا عديدة تقف وراء مماطلتها في تنفيذ الاتفاق، أهمها:
1 تنظر قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، المهيمنة على الإدارة الذاتية وعلى “قسد” أيضا، إلى عملية الدمج بوصفها تهديدا وجوديا لها، وتربطه بالقضية الكردية وحقوق الأكراد، لكي تحافظ على المكاسب الضيقة التي حققتها خلال السنوات السابقة على كافة المستويات.
2 لا تنظر قيادة هذا الحزب إلى الاتفاق بوصفه فرصة للاندماج في الجسد السوري، كونها تراهن على إمكانية حصول مناطق سيطرتها على كيان مستقل، أو على الأقل الحصول على حكم ذاتي، يضمن استمرار سيطرتها وهيمنتها على تلك المناطق الغنية بالموارد الطبيعية.
3 تتخذ المماطلة بوصفها إستراتيجية حيوية بالنسبة إليها، فيما التفاوض مع الحكومة السورية ليس أكثر من وسيلة لكسب الوقت، ولتخفيف الضغوط التركية عليها، وانتظار تغير المعطيات المحلية والدولية.
4 تسعى تلك القيادة إلى اندماج شكلاني، تحافظ فيه “قسد” على هيكليتها القيادية العسكرية المستقلة، وتبسط فيه سطوتها على مناطق نفوذها، التي تريد أن تبقى تحت إدارة أجهزة الإدارة الذاتية، ولا مانع لديها من أن يتم ذلك تحت راية الحكومة السورية، كونه يرفع عن كاهلها ضغوطات الطرف التركي، ويخفف في الوقت نفسه من الاحتقان الشعبي ضدها في مناطق سيطرتها.
لكن هذا المسعى لا يلقى أي قبول من طرف السلطة السورية الجديدة، وترفضه أنقرة بشدة.
الآفاق والسيناريوهات:
لم تدفع اللقاءات نحو اتخاذ خطوات تنفيذية ملموسة، وبقي اتفاق 10 مارس/آذار في انتظار تنفيذه على الأرض، بما في ذلك وقف إطلاق النار، حيث شهدت الفترة الماضية العديد من الخروقات الأمنية، وخاصة على خط المواجهة في محيط سد تشرين، والقرى والبلدات المجاورة له، إلى جانب الاشتباكات ما بين قوى الأمن السورية ووحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على حيي الأشرفية والشيخ مقصود داخل مدينة حلب.
يمثل بقاء مناطق الجزيرة السورية خارج الجسد السوري، أكبر تحدّ يواجه الإدارة السورية الجديدة، ويقف في وجه سعيها للسيطرة على كامل التراب السوري، لكنها مع ذلك فضلت خيار التفاوض واللجوء إلى الحوار لاعتبارات داخلية وخارجية، وبما يتسق مع رغبة عموم السوريين في تجنّب الانخراط في معارك جديدة بعد سقوط الأسد.
ولم تنجح اللقاءات والاجتماعات العديدة مع وفود “قسد” والإدارة الذاتية في تأسيس إطار فعّال للتفاوض، أو بناء أرضية مشتركة للحوار معها.
لا يطرح واقع الحال في سوريا خيارات عديدة أمام الحكومة السورية وقيادات “قسد” والإدارة الذاتية، حيث إن الحوار هو الطريق الأسلم للتوصل إلى خطوات تنفيذية تدريجية لاتفاق 10 مارس/آذار.
ولن ينفع شراء المزيد من الوقت عبر المماطلة، أو حتى اتباع إستراتيجية تأزيم الموقف الميداني عبر تكرار الاحتكاكات والاشتباكات، واتخاذها ذريعة للاستقواء بقوى المجتمع الدولي، واستخدام سردية المظلومية؛ بغية المطالبة بالحكم الذاتي والنظام الفدرالي؛ لأن التغول في استخدام مثل هذه الأساليب قد لا يفضي إلى سيناريو رابح لقوى الأمر الواقع المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، ويدخلها في مأزق تاريخي، يصعب الخروج منه. والأجدى هو انتهاز هذه الفرصة التاريخية من أجل المشاركة في رسم مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد.
تدرك القوى النافذة في شمال شرقي سوريا والحكومة السورية أوراق القوة والضعف لدى كل منهما، فالحكومة ترفع ورقة حق الدولة السورية، وسعيها لبسط سيادتها على كامل الأراضي السورية، إلى جانب دعم دولي وإقليمي لهذا المسعى.
والأهم هو أن غالبية سكان مناطق شمال شرقي سوريا يرغبون في العودة إلى حضن الدولة، ويؤمنون بوحدة الجسد السوري.
بالمقابل، تريد القوى المهيمنة على الجزيرة السورية، التمسك بمناطق سيطرتها، وتتذرع باللامركزية وبالضمان الدستوري لحقوق الأكراد التي لا تنكرها الحكومة السورية. وتسعى جاهدة للحفاظ على أجهزة الإدارة الذاتية، وعلى الهيكلية العسكرية لقوات “قسد”، حتى في حال اندماجها بالجيش السوري.
وهذا لا يعطي مجالا للتوصل إلى حلول وسطية، لأن سيناريو الاندماج يتطلب تغليب المصلحة الوطنية، وعدم النظر إلى مسألة الاندماج وفق حسابات الربح والخسارة؛ لأنها مسألة بناء مشترك لمستقبل سوريا.
والأجدى لكل السوريين التمسك بمبدأ التشاركية في الحكم، والحق في المواطنة المتساوية، واعتبارهما حقا دستوريا لهم جميعا في كافة المناطق.
