google_ad_client = “capub7395716914924734”;
google_ad_slot = “5416840538”;
google_ad_width = 300;
google_ad_height = 250;

طه كلينتش يني شفق

حكى لنا صديقٌ شديد التأثر بجراح العالم الإسلامي النازفة، وعلى رأسها فلسطين، كيف أن والده في تسعينيات القرن الماضي أزال المذياع والتلفاز من المنزل، بسبب شعوره بالعجز إزاء الأخبار المؤلمة القادمة من أراضٍ بعيدة. إن متابعة الأخبار باستمرار دون القدرة على فعل أي شيء قد أنهكت الرجل المسكين، إلى حد جعله يجد الحل في استبعاد مصادر الأخبار من حياته. وقد اشتكى صديقنا الذي كان شعوره أعمق بكثير من والده، من عجزه عن فعل ما فعله والده. في الماضي، كنا نستطيع أن ننعزل إلى حد كبير عن الأجندة الإخبارية بإخراج المذياع والتلفاز من بيوتنا، أما اليوم، فإن هذا العزل أصبح مستحيلاً.

وعند مشاهدة ما يُمارسه الاحتلال الإسرائيلي في غزة من إبادة متعددة الأبعاد، فإن المشاعر التي تنتابنا جميعًا متشابهة إلى حد كبير: شعور بالعجز، والغضب والحزن، وإعجاب بحياة الأبطال الذين يسارعون نحو الشهادة كالأسود؛ وشجاعتهم مقابل شعورنا بالقصور والضعف وعدم الكفاءة حين ننظر إلى أنفسنا.

لا شك أن كل هذه المشاعر هي مشاعر إنسانية للغاية. فالدموع هي أقوى إشارة وأكثرها تفاؤلاً على أن قلوبنا لا تزال حية. ورغم ذلك، فإن الإسلام الذي وضع معايير لكل جانب من جوانب حياتنا، يرسم أيضًا حدودًا وإطارًا لعالمنا العاطفي.

فمثلا، يجدر بنا أن نتأمل مليًا سبب تضمين عبارة «أعوذ بك من الهم والحزن » في الأدعية اليومية التي كان النبي ﷺ يرددها دائما. فلماذا كان النبي، الذي كانت حياته مليئة بالمعاناة والألم والضيق، يلجأ إلى ربه للتخلص من الحزن؟ ربما تكون أوجز إجابة على هذا السؤال هي: لأننا بحاجة إلى المعنويات والمقاومة لمواصلة الحياة. فالحزن والهم يزلزلان الإنسان أولاً، ثم يضغطان على كتفيه، ويُسقطانه أرضاً، وأخيرًا يدفعانه إلى اليأس والخمول. إن القدرة على مواصلة السير، والنهوض، والبدء من جديد، لا يمكن أن تتحقق إلا بروح قوية وصلبة.

في أوقات الأزمات، يكون التحلي بالاعتدال والدعوة إليه أمرًا بالغ الصعوبة. ومن بين الاختبارات التي نواجهها اليوم في سياق غزة، القدرة على النظر إلى الأحداث من منظور إسلامي. فمن السهل إطلاق الشعارات الغاضبة والعاطفية، أما التفكير بهدوء والحفاظ على الرقة في القلوب دون تعطيل العقل، والموازنة بين المثالية والواقع، والتركيز على خطط طويلة المدى، والعمل بلا كلل، وأن نتذكر أن لليوم غداً، والحفاظ على الأمل، ومقاومة اليأس حتى الموت، فالقدرة الحقيقية تكمن في القدرة على القيام بكل ذلك.

(وبالمناسبة، تقع على عاتقنا مسؤولية إدارة الغضب المشروع والمعقول، الذي يشعر به شبابنا المخلصون على وجه الخصوص. فحال بعض الأوساط في تركيا التي تعبر عن غضبها من قضية فلسطين يشبه حال أولئك الذين أخفوا كراهيتهم لسيدنا عليّ كرم الله وجهه وراء ستار المطالبة بالثأر لدم سيدنا عثمان رضي الله عنه. نحن نشهد مظاهر غريبة يتم فيها توجيه الكراهية التي يجب أن تُصبّ على الصهاينة نحو المسلمين. مع العلم أن ممارسة العمل السياسي بشكل علني أو تأسيس حزب في تركيا ليس ممنوعًا. فمن الممكن الانخراط في المعارضة السياسية مباشرة دون الخلط بينها وبين قضية غزة. لكن فلسطين للأسف، تُعد وسيلة هجوم ملفتة للأنظار. والاختباء وراء هذا الستار سهل جدًا وغير مُكلِف).

وهناك آية في القرآن تفتح أمامنا آفاقاً لفهم كيفية التصرف إذا أمعنا فيها: “وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” (التوبة: 122).

وكما يدرك أهل الاختصاص، فإن الكلمة المختارة في الآية ليست “القتال” الذي يقصد به الحرب، بل “النَّفِير” (الخروج في سبيل الله)، وهي كلمة عامة تشمل العديد من الأمور، بما في ذلك “القتال”. وفي ظروف اليوم، فإن أي نوع من الكفاح لرفع الظلم وإقامة العدل يقع ضمن تعريف “النفير”. وتحث الآية فئات معينة من المسلمين على البقاء خلف الصفوف للتركيز على طلب العلم والتفقه في الدين، والتفكير في الجانب النظري للأمور، بهدف تحذير الذين يعودون من “النفير”. والسبب في ذلك هو أن الوجود في الميدان يشتت القلب والعقل. ولذلك يجب على البعض الاستعداد فكرياً لإعادة لمّ ما تشتت.

وقد يفسر البعض هذا المقال على أنه دعوة إلى السلمية السلبية، ولكن طالما أني أقول ما يمليه علي ضميري فلا بأس بذلك. وكما ذكرت آنفا، أصعب ما في أوقات الأزمات هو الحفاظ على الاعتدال.

شاركها.