حسناء جوخدار اخبار تركيا

وسط رائحة البحر وصدى العصور الغابرة، يقف متحف سيدا الأثري شامخًا في قلب مدينة كانت يومًا ملتقى للحضارات. إنه ليس مجرد متحف، بل مبنى روماني تنفّس قرونًا من الحياة قبل أن يتحوّل إلى معبد للذاكرة.

هنا، بين تماثيل الآلهة، وأوزان التجار، ونقوش اللغة السيداوية النادرة، يتقاطع الزمن مع المكان، في سردية مذهلة لمدينة لم تنسَ كيف كانت، ولا تريد أن تُنسى.زيارة متحف سيدا ليست نزهة في معرض، بل عبور حقيقي إلى عصور كانت الأسطورة فيها واقعًا، والحجارة كُتبًا مفتوحة على الماضي.

يعد متحف سيدا الأثري، الواقع في قلب مدينة أثرية عريقة تعود جذورها إلى القرن الثامن قبل الميلاد في حي سيدا بمنطقة مانافغات في أنطاليا، محطة استثنائية تلتقي فيها الزوار مع الماضي. هذا ليس متحفاً عادياً، بل هو مبني داخل حمام قديم (حمام أغورا) تم تشييده في العصر الروماني وتشكل على مر القرون بإضافات متتالية. هذا المبنى الذي كان يستخدم لأغراض عامة في الماضي، يحافظ اليوم على نسيجه التاريخي ليصبح أشبه بنفق زمني.

تم اكتشاف الحمام في الخمسينيات من القرن الماضي خلال أعمال التنقيب، وهو محاط بمبانٍ مهمة مثل المسرح والأغورا ونصب فسباسيان التذكاري. بين عامي 1959 و1961، تم إغلاق ثلاثة أجزاء منه وترميمه جزئياً. ثم في عام 1962، تم تحويله إلى متحف وافتتح للزوار في حفل شارك فيه رائدا التنقيبات الأثرية في سيدا: عارف مفيد مانسيل وجالة إينان.

تشكل القطع الأثرية التي تم اكتشافها خلال عمليات التنقيب المستمرة منذ عام 1947 أساس المتحف. وقد أثريت المجموعة في السنوات الأخيرة باكتشافات جديدة وقطع لم تُعرض من قبل، وهي تعرض الآن للزوار في مساحات عرض متجددة ضمن مشروع وزارة الثقافة والسياحة “إرث للمستقبل”. بفضل هذه الأعمال التجديدية، أصبح بالإمكان رؤية نقوش لغة سيدا الفريدة مجتمعة لأول مرة.

في الأقسام المغلقة من المتحف، تُعرض العديد من القطع الأثرية التي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر وصولاً إلى العصرين الروماني والبيزنطي في واجهات عرض موضوعية. من أبرز المعروضات في هذه الأقسام: تماثيل طينية من مراحل الاستيطان المبكرة، موازين وأثقال تظهر الماضي التجاري لسيدا، تماثيل الآلهة من المباني العامة المهمة في المدينة، أفاريز تصور موضوع “ثياسوس البحر”، وأجزاء معمارية منحوتة تصور مشهد ميلاد أفروديت.

كما يُعرض للزوار تماثيل من اكتشافات الرواق الجنوبي الجمنازيوم وقاعة الإمبراطور، بالإضافة إلى العملات المعدنية، والحلي، والأمفورات، وتمثال هيرميس، ونواويس مزينة بصور إيروس، وتماثيل برونزية ورخامية صغيرة.

سيدا ليست مجرد مستوطنة ساحلية سياحية، بل كانت مركزاً ثقافياً وتجارياً مهماً عبر التاريخ بفضل لغتها ذات الأصول اللوفية، ونظام كتابتها الفريد، وهندستها المعمارية الضخمة، ومينائها المطل على البحر المتوسط.

تكشف البيانات الأثرية أن المدينة كانت مأهولة منذ القرن الثامن قبل الميلاد، لكن بعض المكتشفات من المنطقة تعود إلى فترات أقدم، حتى العصر البرونزي المتأخر. هذا التاريخ الطبقي واضح للعيان في مجموعة المتحف.

يتجاوز متحف سيدا الأثري عرض الحجارة والقطع الأثرية ليروي قصة. كل قطعة تحمل آثار حياة عمرها آلاف السنين، تنقل هوية مدينة الميناء القديمة، ومعتقداتها، وحياتها اليومية إلى الحاضر. لسماع هذه القصة في مكانها وللتواصل المباشر مع الماضي، عليكم زيارة متحف سيدا الأثري.

المصدر: إدارة متحف سيدا الأثري

عن الكاتب


شاركها.