اخبار تركيا

في عالم يشهد سباق تسلح غير مسبوق وتزايدا في التهديدات الجوية من صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة هجومية، كشفت تركيا عن مشروع “القبة الفولاذية”، الذي تمثل منظومة الدفاع الجوي غير المأهول “غورز” أحد ركائزه.

وفي تقريرين منفصلين لمحررها الأول لشؤون الأمن القومي برندون ويكيرت، تناولت مجلة ناشونال إنترست تفاصيل مشروعالقبة الفولاذية، واصفة إياه بأنه يمثل تحولا محوريا نحو الدفاع الذاتي المعتمد على الذكاء الاصطناعي في عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد.

وعلى عكس القبة الحديدية الإسرائيلية التي تركز أساسا على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى، صُممت القبة الفولاذية التركية لتوفير حماية شاملة، وهي بذلك أشبه بمفهومالقبة الذهبيةالذي طرحته إدارة الرئيس الأميركيدونالد ترامب، بحسب ويكيرت في تقريره بالمجلة.

ويستهدف المشروع حماية البنى التحتية الحيوية، بما في ذلك الموانئ ومنشآت الطاقة ومحطة “أكويو” النووية.

ويُشرف على تنسيقه رئاسة الصناعات الدفاعية (إس إس بي)، بمشاركة شركات رئيسية مثل أسيلسان وروكتسان وتوبيتاك ساجيه و شركة الصناعات الميكانيكية والكيميائية، مع التركيز على الإنتاج المحلي لتقليص الاعتماد على الخارج وتعزيز فرص التصدير لأسواق مثل الخليج وأوروبا الشرقية.

كيف يعمل نظام “غورز”؟

ارتكز تطوير “غورز” على دمجالذكاء الاصطناعيفي عملية اكتشاف التهديدات والتعامل معها، مما يقلل الحاجة لتدخل بشري ويزيد سرعة الاستجابة في بيئات عالية الخطورة.

ويعتمد نظام “غورز” على منصة مجنزرة متوسطة الحجم ذات قدرة عالية على الحركة في التضاريس الوعرة، وصغر حجمه يسمح بنقله جوا عبر مروحيات، مثل مروحية “سي إتش47″، وهو مصمم لمواجهة طيف واسع من التهديدات، بما في ذلك المسيّرات الصغيرة، والذخائر الخاصة، والصواريخ الجوالة، والمروحيات، والأسلحة الموجهة بدقة.

وأوضح التقرير أن هذه المنظومة التي طورتها شركة أسيلسان الرائدة في الإلكترونيات الدفاعية التركية تعتمد على مركبة أرضية مجنزرة غير مأهولة، مما يتيح لها الانتشار السريع في أصعب التضاريس، ويمنحها ميزة على الأنظمة التقليدية.

والمنظومة مجهزة بـ 8 صواريخ طراز “سونغور”، ومدفع دوار عيار 30 ملم، إضافة إلى رادارات متقدمة وأنظمة استشعار كهروبصرية، لتكون قادرة على التعامل مع طيف واسع من تهديدات الطائرات المسيّرة الصغيرة والذخائر المتسكعة إلى الصواريخ الجوالة والمروحيات.

وجاء الكشف عنها خلال معرض الصناعات الدفاعية الدولي (IDEF 2025) فيإسطنبول.

ورغم التحديات الة بموثوقية الذكاء الاصطناعي في بيئات الحرب الإلكترونية، يتمتع “غورز” بتصميم معياري يتيح تحديثه بتكلفة منخفضة، مما يزيد قدرته على مواكبة التطورات التكنولوجية.

ويرى مراقبون أن إدخال “غورز” إلى الخدمة سيمنح تركيا ميزة إستراتيجية في النزاعات غير المتكافئة، حيث تبرز المسيّرات كسلاح رئيسي. في المقابل، يثير النظام تساؤلات أخلاقية حول مستقبل الأسلحة الذاتية التشغيل بالكامل، وهو ما دفع البعض لتشبيهه بالتكنولوجيا “المدمرة”.

وتعود جذور مشروع القبة الفولاذية بحسب المجلة إلى مساعي تركيا الطويلة لتحديث قدراتها الدفاعية الجوية، بعد أن ظلت تعتمد تاريخيا على مزيج من الأنظمة الأجنبية، بما في ذلك “إس400” الروسية، ومنظومة “إم آي إم23 هوك” الأميركية للدفاع الصاروخي متوسطة المدى من نوع أرضجو، وأصول تابعةلحلف شمال الأطلسي(الناتو).

ومن العوامل التي حدت بتركيا لتحديث قدراتها الدفاعية طبقا لويكيرت “التوتر الملحوظ” في علاقاتها العسكرية في 2013 مع الولايات المتحدة “بسبب رغبة أنقرة في شراء بطاريات صواريخباتريوت”.

ومن بينها أيضا، أن التدخل الروسي في سوريا كان قد بلغ آنذاك ذروته، الأمر الذي اعتبرته تركيا تهديدا لسلامة أراضيها، بالإضافة إلى قلق أنقرة من مشكلة تنظيمات كردية مسلحة.

طبقات وتحديات

ويرتكز مشروع القبة الفولاذية على 3 طبقات مترابطة:

1. الطبقة قصيرة المدى المنخفضة الارتفاع: تشمل أنظمة مثل مدافع “كورتوك” عيار 35 ملم وصواريخ “سونغور” المحمولة على الكتف للتعامل مع المسيّرات والطائرات ذات الطيران المنخفض.

2. الطبقة المتوسطة المدى: تتمثل في صواريخ “هيسار” بأنواعها البرية والبحرية.

3. الطبقة البعيدة المدى العالية الارتفاع: تعتمد على منظومة “سيبر” المطورة لاعتراضالصواريخ الباليستيةوالطائرات على ارتفاعات عالية.

وتشير المجلة إلى أن هذه الطبقات مدعومة برادارات متقدمة مثل “إيرالب” للمراقبة بعيدة المدى، وشبكة “رادنت”، إضافة إلى أدوات حرب إلكترونية كمنظومة الرادار المتنقل “كورال 200″، وأجهزة التشويش المضادة للطائرات المسيّرة.

أما نظام القيادة والسيطرة “حكيم”، فيدمج الذكاء الاصطناعي ليتيح رصدا فوريا وصورة جوية موحدة تعزز سرعة الاستجابة.

ورغم هذه الطموحات الكبيرة، فإن محرر شؤون الأمن القومي بالمجلة الأميركية يقول في تقريره إن تركيا تواجه تحديات جدية، تتمثل في اتساع الرقعة الجغرافية مما يجعل تغطية الأجواء بالكامل مهمة باهظة ومعقدة، كما أن مساحة تركيا الشاسعة تجعل من الصعب توفير تغطية محكمة.

هذا إلى جانب أن التكنولوجيا اللازمة للتصدي للتهديدات الفرطصوتية لا تزال قاصرة. ثم إن الاعتماد الجزئي على التعاون الخارجي، مثل الانفتاح على فرنسا للحصول على منظومة “سامبتي” يكشف أن بلوغ الاكتفاء الذاتي الكامل لم يتحقق بعد، وفقا للمجلة الأميركية.

ويختتم ويكيرت تقريره قائلا إن هذه “الدرع الفولاذيي” ستمنح تركيا قريبا الحماية التي تتطلع إليها قيادتها، لكونها دولة تقع عند مفترق 3 قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا.

شاركها.