مراكش.. المدينة الحمراء
طه كلينتش يني شفق (6/11/2024)
تُعد مدينة مراكش من أبرز الأماكن التي تتجلى فيها التناقضات بشكل صارخ بين صخب الشوارع وهدوء المساجد والأضرحة في مدن الإسلام التاريخية. فعند زيارتك لمقامات “سبعة رجال” التي تُذكر عادة في النصوص الترويجية لهذه المدينة العريقة، ستجد نفسك بين الحين والآخر تنتقل بين الماضي والحاضر، بل إن هذه التنقلات قد تشعرك بالدوار وترهقك من جميع الجوانب.
أما “الرجال السبعة” في مراكش فهم:
ــ أبو الفضل عياض بن موسى (ت 1149)
المعروف في العالم الإسلامي وفي بلادنا بـ “القاضي عياض”، واشتهر بكتابه الخالد “الشفا” الذي تناول سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكان قاضياً مالكياً قوياً وحازماً ومحدثًا وفقيهًا ولغويًا.
ــ أبو القاسم عبد الرحمن السهيلي (ت 1185)
سمي بذلك نسبة إلى مدينة سهيل (فوينخيرولا حاليًا) الواقعة في جنوب الأندلس. وكان من أعظم علماء السيرة النبوية في عصره.
ــ يوسف بن علي الصنهاجي (ت 1196)
كان ابناً لعائلة من أصل يمني. لقد تعرض لأمراض جلدية مختلفة منذ شبابه وقضى حياته بشكل عام منعزلاً. وقد شبهت معاناته وما تعرض له من ابتلاء، بابتلاء النبي أيوب عليه السلام.
ــ أبو العباس السبتي (ت 1204)
ينحدر من قبيلة خزرج في المدينة المنورة. ويُعتبر من أهم تلامذة القاضي عياض، وقد واشتهر بشكل خاص في الفقه والحديث.
ــ أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي (ت 1465)
صوفي وعالم وشاعر من أصل بربري. بعد أن أمضى نحو أربعين عامًا في مكة والمدينة والقدس في فترة شبابه، عاد إلى المغرب. وبعد انتسابه إلى الطريقة الشاذلية، كتب كتابه الشهير في الأذكار “دلائل الخيرات” الذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة وموثوقية في العالم الإسلامي.
ــ عبد العزيز بن عبد الحق التباع (ت 1508)
وكان من أبرز تلاميذ الإمام الجزولي وأتباعه. أسس أول زاوية في مراكش باسم شيخه وتولى إدارتها.
ــ أبو محمد عبد الله الغزواني (ت 1528)
وكان من أبرز تلامذة عبد العزيز التبَّاع. درَّس في مراكش وفقًا للطريقتين الجزولية والشاذلية. وكان معروفًا أيضًا بأنه مهندس معماري ماهر.
تُعرف مراكش بـ”المدينة الحمراء” نسبة إلى الطين الأحمر الذي بنيت منه أبنيتها. وبينما تتجول في أزقتها المتلاصقة كمتاهة، تزور هذه الأضرحة والزوايا، عليك أن تتحلى بالصبر وتحافظ على هدوئك وسط الازدحام الشديد، وألا تستسلم لإلحاح المتسولين والأطفال المتنكرين في زي “مرشدين”، وأن تتجنب الوقوع في شباك بعض المهنيين الذين يميزون هذه المدينة مثل لاعبي الأفاعي والسحرة. عليك أن تستمتع بلذة الضياع في هذه المدينة التاريخية العريقة وأنت تسير بلا توقف، مُتعمقًا قدر الإمكان في أغوار التاريخ.
في كل مرة أزور فيها مراكش، أجد نفسي أضيع في أحضان هذه المدينة الاستثنائية المليئة بالتناقضات الحادة. فبينما أسعى لتذوق روحانيتها، ألقي بنظري إلى “قلب مراكش”؛ ساحة جامع الفنا الشهيرة التي تشبه سيركًا كبيرًا. وعلى جانب الساحة يطل مسجد الكتبية الشامخ بوقاره، بينما يقابله المسجد الجديد مكتظًا بحشود الناس، في مشهد يوحي بتناقض غريب، أشبه بصراع لا ينتهي بين القديم والجديد.
وأنتم تقرؤون هذه السطور، سأكون قد غادرت مراكش في طريقي لاستكشاف شوارع الدار البيضاء والرباط، ثم العبور إلى فاس وطنجة قبل متابعة الرحلة نحو الأندلس. وسأكون معكم يوم الأربعاء في هذه الزاوية نفسها لنعبر مضيق جبل طارق بالعبارة، لنخطو معًا على أرض الأندلس.