مرحلة جديدة في العلاقات التركية ــ العمانية
د. أحمد أويصال الشرق القطرية
عند دراسة شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة الأناضول كموقعين جغرافيين مترابطين، يتبين أن تركيا وسلطنة عمان تقعان في أطراف متقابلة، تحمل كل منهما أهمية استراتيجية كبيرة. تحتل تركيا موقعًا استراتيجيًا يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى موقعها الحيوي بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط في شمال غرب المنطقة. أما العلاقات التاريخية بين السلاجقة والعمانيين، فقد تميزت بالتعاون الوثيق الذي يعود إلى أكثر من ألف عام. كما شهدت العصور اللاحقة تعاونًا مثمرًا بين الدولتين العثمانية والعمانية، لا سيما في التصدي للبرتغاليين وطردهم من منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي.
بعد سقوط الأندلس، تصاعدت تهديدات البرتغال للبحر الأحمر والخليج العربي. وقامت الدولة العثمانية بدعم شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك عمان، لمساعدتها في التصدي للغزاة وإبعادهم عن الأراضي العربية. وعملت الدولة العثمانية على تأمين المحيط الهندي بالتنسيق مع الحكام العرب والدولة البابرية التركية في الهند. وعلى الرغم من هذا التعاون، لم تسعَ الدولة العثمانية إلى السيطرة المباشرة على عمان، ربما بسبب استقرارها النسبي وبعدها عن العاصمة إسطنبول. ومع ذلك، وبعد فترة سلام امتدت لحوالي قرنين، استغلت بريطانيا ضعف الدولة العثمانية لتغزو عمان وتحول مسقط إلى قاعدة عسكرية بهدف بسط نفوذها على الخليج العربي والتحكم في طرق التجارة.
بدأت العلاقات الرسمية بين تركيا الحديثة وسلطنة عمان في عام 1973، عقب استقلال سلطنة عمان في عام 1970. وترتكز هذه العلاقات على أسس من حسن النية، والسلام الإقليمي، والمصالح المتبادلة. افتتحت تركيا سفارتها في مسقط عام 1983، بينما افتتحت سلطنة عمان سفارتها في أنقرة عام 2012. ورغم أن العلاقات كانت إيجابية دائماً، إلا أنها بقيت محدودة التأثير حتى وقت قريب. ومع ذلك، تشهد العلاقات في الفترة الحالية تطوراً ملحوظاً. ففي الأسبوع الماضي، قام السلطان العماني هيثم بن طارق بأول زيارة رسمية له إلى تركيا كرئيس للدولة منذ استقلال السلطنة. وخلال الزيارة، أشاد بمواقف تركيا الداعمة للقضايا العربية والإقليمية.
تتزايد العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث يقترب حجم التبادل التجاري بين البلدين من ملياري دولار أمريكي، إلا أنهما وضعا هدفاً للوصول إلى خمس مليارات دولار. وتستورد عمان مواد البناء والمنسوجات والأثاث والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات من تركيا. ومن ناحية أخرى، تستورد تركيا النفط والمواد البتروكيماوية وبعض المواد الغذائية. وتتولى شركات المقاولات التركية تنفيذ مشاريع كبرى في عُمان لبناء الطرق والمباني. ويزور السياح العمانيون تركيا بأعداد كبيرة، كما تستثمر شركاتهم في قطاعات السياحة والعقارات.
وخلال الزيارة الأخيرة، اتفقا على أن تشتري تركيا الغاز الطبيعي المسال من عُمان لمدة 10 سنوات. كما تدرس عُمان أيضاً ربط خط الغاز الخاص بها مع أوروبا عبر تركيا. كما يناقش الجانبان اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدين. ووقعا مذكرة تفاهم في مجال الزراعة وتربية الحيوانات والثروة السمكية. واتفقا على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتعاون بين البنوك المركزية. كما اتفقا على تحسين التعاون في مجالات التعليم والسياحة وتدريب الدبلوماسيين.
وعلى غرار قطر، لا ترغب كل من تركيا وسلطنة عمان في الوقوع في الاستقطاب الطائفي في المنطقة وتفضلان التعاون الإقليمي. ويشكو كلا البلدين من الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط. بل تحاولان التوسط بين الدول للحد من التوترات في المنطقة والعالم. فتركيا لديها سياسة خارجية نشطة للغاية وحاولت التوسط بين روسيا وأوكرانيا وقبل ذلك في فلسطين والصومال والبلقان. وبالمثل، تفضل سلطنة عمان سياسة خارجية بعيدة عن الأضواء، ولكنها فعالة وتتوسط في العديد من التوترات الاقليمية.
تتمتع تركيا وسلطنة عمان بتعاون متنامٍ في مجالات الدفاع والأمن، حيث تشتري عمان المعدات العسكرية والدفاعية من تركيا. وخلال الزيارة الأخيرة للسلطان، تم التباحث حول تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة واتفاقات لتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يعكس تطورًا إيجابيًا في علاقاتهما.
على الصعيد الثقافي، شهد التعاون الثقافي بين البلدين زيادة كبيرة مع افتتاح المركز الثقافي التركي في عمان العام الماضي. تحظى المسلسلات التركية بشعبية واسعة بين العمانيين، مما يعزز الاهتمام بالثقافة واللغة التركية. كما أن المنح الدراسية التركية مفتوحة للطلاب العمانيين، مما يشكل جسرًا ثقافيًا وتعليميًا بين الجانبين. بشكل عام، تشير الزيارة الأخيرة على أعلى المستويات إلى اتجاه قوي نحو تعزيز العلاقات التركيةالعربية.