اخبار تركيا
تُعرف منطقة مرمرة بأنها البوابة التي تربط بين قارتي آسيا وأوروبا، وبأنها قلب تركيا الاقتصادي والتاريخي. غير أن هذه المنطقة لا تتميز فقط بمدنها الكبرى مثل إسطنبول وبورصة وأدرنة، بل تحتضن أيضًا شبكة غنية من الأنهار التي تضفي على طبيعتها تنوعًا وسحراً خاصاً.
تتيح تضاريس مرمرة المتنوعة وطقسها المعتدل على مدار العام للزوار فرصة الانغماس في الطبيعة، وممارسة أنشطة ممتعة، بدءاً من النزهات النهرية وحتى استكشاف الجسور التاريخية التي لا تزال شاهدة على حضارات متعاقبة.
وتُهيمن على المنطقة خمسة أنهار رئيسية، أبرزها نهر مَريتش (Meriç Nehri) الذي يفصل بين تركيا واليونان، إلى جانب نهر سقاريا (Sakarya Nehri) ثالث أطول أنهار البلاد. في ما يلي جولة شاملة للتعرف على أهم هذه الأنهار، وما تحمله من جمال طبيعي وقيمة تاريخية.
نهر مَريتش: حدٌ طبيعي بين الحضارات
يُعد نهر مَريتش من أبرز أنهار منطقة مرمرة وأكثرها شهرة. يبلغ طوله 490 كم، منها 211 كم داخل الأراضي التركية. ينبع من بلغاريا، ويشكّل الحدود بين تركيا واليونان قبل أن يصب في بحر إيجه عند خليج ساروس.
روافده الرئيسية هي أنهار أرجنا وأرضا وتونجا، التي ترفده بالمياه وتزيد من اتساعه. على ضفافه تقع مدينة أدرنة التاريخية، التي كانت عاصمة الإمبراطورية العثمانية قبل فتح إسطنبول. في القرن الثامن عشر، كانت أدرنة واحدة من أكبر سبع مدن أوروبية، ولا تزال تحتفظ بسحرها عبر مساجدها وأسواقها القديمة.
يمر نهر مَريتش بجوار أشجار الحور الخضراء، ويلتقي مع نهر تونجا في مشهد طبيعي يأسر الزائر. وتزين المنطقة جسور عثمانية قديمة على ضفتي النهرين، أبرزها جسر أوزون كوبرو (Uzunköprü) الذي يمتد بطول 1392 متراً ويتكون من 174 قوساً، وقد بناه السلطان مراد الثاني عام 1444. لا يزال الجسر مستخدماً حتى اليوم، ويمثل تحفة معمارية عثمانية نادرة.
نهر سقاريا: ثالث أطول أنهار تركيا
يحتل نهر سقاريا مكانة مميزة كأحد أطول أنهار تركيا، بعد نهر قيزيل إرماك والفرات. يبلغ طوله 824 كم، ويغطي حوضه مساحة 58,160 كم²، أي ما يعادل 7.5% من إجمالي مساحة تركيا.
ينبع النهر من هضاب شمال شرق ولاية أفيون، ويمر عبر بولاتلي وأضا بازار، لينضم إلى روافده العديدة قبل أن يصب في البحر الأسود.
خصائص النهر وحوضه
معدل الأمطار السنوي: 524.7 ملم.
متوسط الحرارة: 14.5 درجة مئوية.
عرض النهر: يتراوح بين 60 و150 متراً.
الاستخدامات: 43.8% من الأراضي المحيطة زراعية، و28.7% غابات، بينما تشغل المراعي 19.6%.
كما يضم النهر محطتين مهمتين لتوليد الطاقة الكهرومائية: ساري يار (19501956) وغوكجه قايا (19671972).
أهمية تاريخية
يمنح النهر اسمه إلى مدينة سقاريا المطلة على البحر الأسود، والتي تُعرف بجمالها الطبيعي وأهميتها التاريخية. وعلى ضفافه بُنيت معالم بارزة، مثل:
جسر جستنيان: بطول 429 متراً، بُني عام 553 في العهد البيزنطي عندما كان النهر يُعرف باسم “سانغاريوس”. لا يزال قائماً بعد أكثر من 14 قرناً.
جسر علي فؤاد باشا: أنشأه السلطان بيازيد الثاني عام 1495، ولا يزال يُعرف اليوم باسم “جسر سقاريا”.
إلى جانب أهميته الاقتصادية، يشكل النهر وجهة سياحية مميزة لمن يبحثون عن الهدوء والجمال الطبيعي.
نهر بورصوك: جولة رومانسية في أسكي شهير
يُعد نهر بورصوك أحد روافد نهر سقاريا، لكنه يحظى بشهرة خاصة في مدينة أسكي شهير. هنا، يمكن للزوار القيام بجولات نهرية ممتعة على متن قوارب صغيرة، أو الجلوس في المقاهي المطلة على ضفافه.
أجواء النهر في أسكي شهير تُذكر بمدن أوروبية مثل أمستردام أو فينيسيا، حيث تمتزج الجسور الحجرية مع المباني العصرية والحدائق الجميلة، ما يجعل النهر وجهة رومانسية وسياحية مفضلة.
نهر قره صو: شريان الحياة في بيلاجيك
في قلب منطقة بيلاجيك، التي يبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف نسمة، يتدفق نهر قره صو، وهو أحد روافد نهر سقاريا. يقع النهر وسط وادٍ خصب تحيط به هضاب طبيعية خلابة، ما يجعله وجهة محببة لعشاق الرحلات والطبيعة.
تعتبر بيلاجيك من المدن الصغيرة الغنية بجمالها الطبيعي، حيث يمكن للزائر الجمع بين زيارة النهر واستكشاف المناطق الجبلية المحيطة.
الخاتمة: مرمرة.. منطقة الأنهار والجسور التاريخية
تُظهر أنهار منطقة مرمرة كيف تمتزج الطبيعة بالتاريخ في قلب تركيا. فمن نهر مَريتش الذي كان شاهداً على التقاء حضارات البلقان بالأناضول، إلى نهر سقاريا الذي حمل على ضفافه معالم بيزنطية وعثمانية، وصولاً إلى بورصوك الذي أضفى أجواء أوروبية على أسكي شهير، وقره صو الذي يغذي بيلاجيك، فإن هذه الأنهار ليست مجرد مجارٍ مائية، بل هي شواهد حية على مسيرة حضارية تمتد عبر القرون.
زيارة أنهار مرمرة ليست فقط رحلة في الطبيعة، بل هي أيضاً رحلة في التاريخ والجغرافيا، حيث يمكن للزائر أن يستمتع بجمال المناظر، وأن يتأمل في إرثٍ إنساني لا يزال نابضاً بالحياة.
المصدر: موقع Go Türkiye الترويجي التركي الرسمي