شعبان عبد الرحمن خاص اخبار تركيا

يتوزع مسلمو الصين وتركستان( الشرقية والغربية) في الأراضي الصينية والسوفييتية قبل انفكاك الاتحاد السوفييتي ،وفي المناطق المتاخمة لها والقريبة منها ، في مكونات وتجمعات سكانية متعددة تمثل في مجملها ثقلا جغرافيا وديموجرافيا واقتصاديا واجتماعيا إسلاميا مهما ، يبلغ قوامه أكثر من 138 مليون نسمة وفقة لتعداد 2022م ، ولو بقيت تركستان موحدة دون تقسيم لباتت قوة كبري ذات نفوذ كبير في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي ولجعلت من المسلمين في العالم قوة كبري تناظر الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي القديم والصين الحالية لكن الاتحاد السوفييتي والصين الشيوعيتين اختطفا هذه القوة وقاما باقتسامها بعد أن اتحدا عليها وقاما بشن حملات استعمارية متتالية علي أراضيها أسفرت عن اقتسام الصين والاتحاد السوفييتي قبل الانفكاك لهذه الأراضي المسلمة بعد تمزيقها إلي قسمين : تركستان الشرقية التي وقعت في قبضة الصين ، وتركستان الغربية التي احتلها الاتحاد السوفييتي وقام بتمزيقها إلى خمس دول هي :كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وهي المسماة حاليا بدول آسيا الوسطي ، ويضاف اليها المناطق المتاخمة لها وهي هونج كونج وتايوان ..) .

وهكذا تمكنت الامبراطورية الشيوعية ممثلة في الصين والاتحاد السوفييتي من التهام هذ الأراضي الإسلامية منذ القدم بما فيها من ثروات ضخمة واقتصاد قوي وكتلة سكانية كبيرة وجعلوا منها وقودا لبناء امراطوريتهم الجديدة ، ومارسوا علي شعوبها حملات شرسة ومتواصلة من القهر والقتل والتفتيت والتذويت والتشريد داخل الامبراطورية السوفييتية وداخل الاراضي الصينية بغية اضعافهم وجعلهم صالحين فقط للتخديم علي بناء الدولة الصنينية والامبراطورية السوفيتية دون تمكينهم من بناء أي قوة ذاتية أو دولة موحدة مستقلة ترعي مصالحهم وتنهض بهم بل حولوهم إلي أقلية مهيضة الجناح ، تم حشرها في أعمال السخرة بعد حرمانها من التعليم ومن امتلاك اقتصاد وأي أدوات لبناء دولة .

وسوف أتناول بالتحليل أوضاع هؤلاء المسلمين المنسيين في هذه البلاد ، وأتناول في هذا المقال شئونهم وأوضاعهم داخل الأراضي الصينية وفي تركستان الشرقية الواقعة تحت الاحتلال الصيني .

وفي مقال قادم إن شاء الله نتناول بالتحليل أوضاع المسلمين في تركستان الغربية ( دول آسيا الوسطي).

تركستان الشرقية …

بالنظر إلى خريطة الصين وفي داخل الأراضي الصينية نجد أن هناك مكونا مسلما كبيرا يصل تعداده إلي ثمانية ملايين نسمة ..ولد ونشأ داخل الصين ويحمل جنسيتها ،.

وقد لفت الإعلامي الكبير الدكتور عبدالقادر طاش يرحمه الله مؤسس قناة إقرأ ورئيس تحرير صحيفة “المسلمون” الأسبق انتباهنا إلى أن الملف الذي خصّصته مجلة «السياسة الدولية» الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية عدد (أبريل 1998م)، بعنوان: «الصين: إشكالات الانتقال وتداعيات الإصلاح»،تناول محورا متكاملا عن الأقليات الدينية في الصين، وبخاصة ما يتعلق بواقع المسلمين ومستقبلهم، وقد ضم هذا المحور مقالين، أحدهما للأستاذ أحمد منيسي، تحدث فيه عن محاولات إعادة البحث عن الهوية بين الأقليات الدينية في داخل الصين، قائلا :”إن المسلمين في الصين، ينتمون إلى ثلاثة أجناس: جنس فيه الدم العربي، وجنس آخر يجري في عروقه دم الأواغرة، وجنس ثالث يجري فيه دم المغول، وهذه الأجناس تضم عشر قوميات.

وينتمي المسلمون الصينيون الذين نشأوا داخل الصين وعاشوا على أرضها إلى “قومية الهاو ” أو «الخوي» وهم من العرق الصيني، ويقدر عددهم بأكثر من ثمانية ملايين، وهؤلاء قاوموا بشدة حركة الانصهار أو بالأحرى ” حركة الصهر” بالقوة في الدولة الوطنية الصينية تمسكاً بدينهم وخصوصيتهم الحضارية، وكانوا دائماً يميزون أنفسهم كمسلمين عن غيرهم من بني جلدتهم.

وهناك تجمع ثاني من المسلمين الذين تم ضم بلادهم بالقوة إلى الصين وهم شعب “تركستان الشرقية ” والشعوب المسلمة الاخرى الذين تم احتلال بلادهم وضمها بالقوة للخريطة الصينية “

وصول الاسلام

،وأشار أ. منيسي إلى أن الإسلام وصل إلى الصين عن طريق محورين، أولهما: بريّ جاء إليها من الغرب، وتمثل في فتح التركستان الشرقية المتاخمة لحدود الصين الغربية، وثانيهما: بحري، نقل الإسلام إلى شرقي الصين عبر رحلات التجار المسلمين.

وقال : إن أول مبعوث مسلم وصل إلى الصين كان في عام 31هـ، ، في عهد الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، ثم توالت البعثات الإسلامية إليها، حتى بلغ عددها ثمانياً وعشرين بعثة خلال 53 عاما ، في الفترة بين عامي 31 و 184هـ.

ومنذ وصول الإسلام إلى الصين عام 651م، تعرض لموجات من الصعود والهبوط في عصر أسرة ” تانج “، ثم أخذ ينتشر رويداً رويداً في عصر أسرة “سونج “، التي انقرضت عام 1267م، ثم قوي الإسلام وازدهر في عصر أسرة “يوان”، أو ما يسمى بعصر حكم المغول، وذلك في الفترة من 1277م إلى 1367م، ويكفي أن نعلم أن بعض المصادر الوثيقة، مثل كتاب “جامع التواريخ ” لرشيد الدين فضل الله، ذكر أن ثماني ولايات من اثنتي عشرة ولاية في الصين في ذلك العهد، كان عليها حكام مسلمون، وهذا بخلاف وزير المالية الذي كان يسمى شمس الدين الملقب بالسيد الآجل، ووزير الحربية علي يحيى الأويجوري.

ولكن النهضة التي شهدها الإسلام في ذلك العصر، تبدد الكثير من ثمارها في العصر التالي، عصر المانشو، ومع قيام الثورة الوطنية عام 1911م، وتأسيس الصين الحديثة تمتع المسلمون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وشاركوا في الحرب من أجل توحيد الصين، ولكن مع بداية الحكم الشيوعي، تعرّض المسلمون لموجات جديدة من الاضطهاد بسبب موقف الشيوعية المعروف من الدين، واستمرت حالة الكبت هذه حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي تقريباً، ثم بدأ عهد الانفتاح، فتنفس المسلمون الصعداء.

أول مسجد في الصين
وقد تم تأسيس أول مسجد للمسلمين هناك عام 742م، في مدينة “جانج ـ آن” عاصمة الصين حينئذ وتزايد عدد المساجد حتي بلغ اليوم نحو 23 ألف مسجد، منها 55 مسجداً في العاصمة بكين .
وتطرق أحمد منيسي إلى أوضاع المسلمين في المناطق المجاوروة للصين فتناول الأقلية المسلمة في كل من تايوان وهونج كونج، قائلا : إن الإسلام وصل تايوان حديثاً، عندما هاجر إليها 20 ألف مسلم من الصين الشيوعية عام 1949م، وازداد عدد المسلمين بها حتى وصل إلى أكثر من 50 ألفاً، وقد تمتع مسلمو تايوان بوضع أفضل، مقارنة بإخوانهم في الصين، وساهموا في إدارة الحياة السياسية في تايوان من خلال عضوية المجالس التشريعية، ومجلس الوزراء والجيش.
وهناك تجمع ثالث للمسلمين في هذه المنطقة في جزيرة هونج كونج، التي عادت إلى السيادة الصينية ،والتي وصلها الإسلام مبكراً في القرن الأول الهجري عن طريق التواصل مع المكونات الإسلامية المجاورة ، وتوالت هجرة المسلمين إلى المنطقة، فهاجر إليها مسلمون من جزر الهند الشرقية ومن الملايو.
وكانت هونج كونج أيضاً، ملجأ للمسلمين الصينيين الذين فروا إليها من البطش الشيوعي، ويبلغ عدد مسلمي الجزيرة حوالي 35 ألف نسمة، ويرعى شئونهم عدد من الجمعيات الإسلامية.
ولا يقتصر الوجود الإسلامي في الصين على القومية الصينية، فهناك قوميات أخرى لا تنتمي عرقياً إلى الجنس الصيني، تقطن في منطقة تركستان الشرقية، التي تم ضمّها عنوة للدولة الصينية، ويسكن فيها قوميات تركية عديدة، يأتي على رأسها قومية الأويغور، ثم القازاق، والقيرغيز، والأوزبك، والطاجيك، والتتار.
تركستان الغربية
وهناك تجمع آخر للمسلمين الترك تركز في تركستان الغربية والتي أصبح اسمها آسيا الوسطي .
وقد خصصت مجلة «السياسة الدولية» في نفس الملف مقالا متميزا ضمن ملفها للحديث عن «الصراع الصيني التركستاني ومستقبل تركستان الشرقية»، كتبه البروفيسور دكتور محمد حرب أستاذ الدراسات التركية في الجامعات التركية وهو باحث متخصص في هذا المجال ،ويؤكد فيه أن تركستان الشرقية هي «دولة تركية احتلتها الصين الشعبية في القرن الثامن عشر الميلادي وأطلقت عليها قسراً اسم سنكيانج، وهي كلمة صينية تعني المستعمرة الجديدة ، وذلك بموجب مرسوم رسمي قضى بتحويلها إلى مقاطعة صينية في 14 نوفمبر عام 1884م.”
ويتناول الدكتور حرب بالتحليل قضية الصراع بين الصين وتركستان منذ أول غزو صيني للأراضي التركستانية عام 1759م الذي دام حوالي قرن كامل، إلى أن استطاع الشعب التركستاني الظفر باستقلال بلاده عام 1865م، وبعد عشر سنوات، عادت الصين واحتلت تركستان الشرقية، ولكن التركستانيين تمكنوا مرة أخرى من طرد القوات الصينية من بلادهم في عام 1933م، إلا أن مطامع الجارة الكبيرة روسيا ( زمن الاتحاد السوفييتي: (19171991 أدت إلى سقوط تركستان تحت الاحتلال الروسي بعد عام واحد من الاستقلال.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، ضعفت روسيا، فانتهزت الصين الفرصة، واحتلت تركستان مرة أخرى، وقامت في عام 1944م ثورة عارمة، انتهت بإعلان الاستقلال، ثم تحالفت روسيا والصين، ذواتا التوجه والأيديولوجية الشيوعية فأسقطتا حكومة الاستقلال، وفي عام 1949م، اجتاحت القوات الصينية الشيوعية أراضي تركستان الشرقية ، ومازالت تلك الأراضي في قبضتها حتي اليوم .
وتوقف الدكتور محمد حرب أمام مخطط «التصيين» الرهيب الذي تنفذه الصين هناك ، وتهدف من ورائه إلى توطين عشرات الملايين من الصينيين في منطقة تركستان الشرقية لمحو هويتها الإسلامية وتحويلها إلى مقاطعة صينية بالقوة.
حملات القمع والاعتقال
وإذا كان مسلمو الصين الذين يعيشون علي أراضيها ينعمون اليوم بشيء من الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية، فإن مسلمي تركستان الشرقية يعانون من الاضطهاد الذي اشتد أواره تحت الحكم الشيوعي في السنوات الأخيرة، بسبب مخاوف الصين من تنامي النزعة الاستقلالية لدى المسلمين عموما هناك، ولذا تفرض سلطات الحكم الشيوعي الصيني علي تركستان الشرقية طوقا حديديا ،وفي داخل هذا الطوق الكبير تشن حملات قمع واعتقال واسعة ضد المسلمين هناك، لتعيد للذاكرة ، وفقا لما يقوله الباحث محمـد عـوض في مقال له عن “جذور الاضطهاد الصيني لمسلمي تركستان الشرقية” تاريخا مريرا عاشه ومازال هذا الإقليم الذي تقطنه الأغلبية المسلمة ويرزح تحت الاحتلال الصيني.
وكان رفض النظام الصيني السماح للمسلمين بإقامة شعائرهم الدينية يوم عيدهم من أوضح صور الاضطهاد، وعندما حاول المسلمون اقامة شعائر عيد الاضحي ردت عليهم السلطات الصينية باستخدام القوة لمنعهم وقتلت منهم أكثر من ثلاثمائة من المسلمين ـ حسب التقديرات المحلية ـ واعتقلت الآلاف منهم، واقتادتهم إلى أماكن مجهولة، وقطعت الاتصالات الهاتفية بين تركستان الشرقية والعالم الخارجي، وضربت حصاراً كاملاً على مدينة بينيين الرئيسية، كما فرضت حظر تجوال على عدة مدن أخرى.
وقد جذبت هذه الممارسات الوحشية المتكررة من السلطات الصينية ضد المسلمين أنظار العالم وتم فتح ملف صفحــات مـطــوية من كفاح مسلمي هذه البلاد من أجل الاستقلال والذي استمر ستة وسبعين عاما منذ اجتياح القوات الصينية الشيوعية لبلادهم عام 1949م ،عانى خلالها الشعب التركستاني المسلم ومازال الاضطهاد البشع على أيدي َل السلطات الصينية ، واستشهد خلاله مئات الآلاف من المواطنين واقتلاع مثلهم من قراهم ومدنهم بالقوة، حيث تم توطينهم قسراً في معسكرات أشبه بمعسكرات اعتقال موزعة على المحافظات الصينية المتفرقة ، ولعل ما يؤكد وجود حالة حرب فعلية دائمة في تركستان الشرقية استمرار السلطات الصينية في نشر نحو 400 ألف جندي في هذا الإقليم حتى اليوم .
وتعد تركستان الشرقية التي دخلها الاسلام في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان (86هـ ـ 705م)، ثم دخل الأتراك في الإسلام فرادى وجماعات في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، تعد أكبر مقاطعات الصين إذ تبلغ مساحتها مليون وسبعمائة ألف كيلو متر مربع تقريبا، وهي بذلك تبلغ ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا، وأكبر من مساحة تركيا بمقدار مرتين ونصف، وأكبر من مساحة إندونيسيا بمقدار مرتين، وتبلغ خمس مساحة الصين ومستعمراتها، ويبلغ عدد سكانها نحو 50 مليون، 60% منهم من المسلمين وينتمي معظمهم إلى قبيلة الإيغور ذات الأصل التركي، وقد أطلق عليها المحتل الصيني اسم «سنكيانغ» بمعنى المستعمرة الجديدة.
وتركستان الشرقية بلد غني بموقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، فاحتياطي البترول ينافس دول الشرق الأوسط ، وأجود أنواع اليورانيوم في العالم يستخرج من ست مناجم في تركستان، وتمثل عصب اقتصاد الصين الشعبية، وعصب صناعاتها الثقيلة والحربية.
وقد رفع هذا الثراء الملحوظ من الثروات الطبيعية من حدة التنافس الصيني الروسي سعيا من الدولتين لاحتلال هذا الاقليم المسلم .
تصيين تركستان الشرقية
وقد احتلت الصين تركستان الشرقية عام 1759م، وقتلت القوات الصينية وقتها حوالي مليون مسلم، ومنذ ذلك التاريخ اتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية تعرف بسياسة «تصيين تركستان الشرقية»، وقامت حروب تحريرية إسلامية عديدة أدت إلى استقلال البلاد عام 1865م، ولكنها لم تحظ باعتراف دولي، مما دفع الصين إلى احتلالها مرة ثانية عام 1875م، واستمرت الحروب التحريرية حتى أعلن عن استقلال تركستان عام 1933م، لكن سرعان ما أسقطت روسيا هذه الجمهورية الإسلامية بعد عام واحد من قيامها، باحتلتها عام 1934م، ونتيجة لتقدم الألمان في الأراضي السوفييتية أثناء الحرب العالمية الثانية تبدل الاحتلال الروسي للبلاد باحتلال صيني مرة أخرى، ثم قامت ثورة تحرير بقيادة عالم الدين «علي خان» عام 1944م، الذي أعلن استقلال تركستان الشرقية، فتحالفت روسيا والصين لإحباط هذا الاستقلال، وقام الروس وعملائهم باختطاف قائد هذه الثورة الإسلامية، وأرغمت كل من الصين وروسيا الوطنيين من التركستانيين على قبول صلح مع الصين مقابل الاعتراف بحقوقهم في إقامة حكومة من الوطنيين، لكن الصين انقلبت علي وعودها ونقضت العهد وشنت حملات اضطهادة علي شعب تركستان الشرقية .
ثم اجتاحت القوات الصينية الشيوعية تركستان الشرقية عام 1949م واحتلتها بعد مذابح رهيبة، وقد كان قدر مسلمي تركستان الشرقية أنهم وقعوا بين قوتين كبيرتين (روسيا والصين)، مما أدى إلى معاناة دامت قرنين من الزمان لينتهي الصراع باحتلال أرضه ومحاولة إذابة شخصيته الإسلامية في محيط بشري يحاول ابتلاعه، مما حدا بمئات الألوف من مسلمي تركستان الشرقية إلى الهجرة لتركيا والسعودية ودول إسلامية أخرى هرباً من الاضطهاد الشيوعي البشع.
وقد بدأت الصين عقب احتلالها الأخير لتركستان باستقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة وتوطينهم فيها حتى يصبح شعب تركستان الشرقية أقلية وهو صاحب الأرض وسط أكثرية صينية شيوعية غريبة ووافدة عليه، واسترق الصينيون الشعب المسلم، وألغوا الملكية الفردية والمؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها واتخذوا من المساجد أندية ومقاهٍ لجنود الاحتلال، كما استخدموا بعضها دوراً للسينما والمسرح، وأجبروا المسلمين على تربية الخنازير، والتزاوج مع الصينيين، وألغوا تدريس اللغة العربية والتاريخ الإسلامي من مناهج المدارس والمعاهد العليا، واستبدلوا بها تاريخ الصين واللغة الصينية بهدف قتل روح الإسلام في النفوس، ويمكن القول أن الثورة الثقافية في الصين إنما قامت لتحطيم كل ما يخالف الثقافة الشيوعية في النفوس، وإعلان أن الإسلام خارج على القانون ويعاقب كل متلبس به ، وذلك جـزء من مخطط إلحادي واسع لفـرض الشـيوعية فرضـاً خبيثاً.
ورغم ذلك فإن الثورات التي قام بها المسلمون في تركستان الشرقية وحرب الدفاع عن النفس والدين والهوية التي شنها شعب تركستان الشرقية من الجبال ضد القوات الصينية إنما قامت باسم الإسلام، كما ان الشهداء الذين سقطوا برصاص القوات الشيوعية إنما سقطوا وهم يُكبِّرون.
إن انتفاضات شعب تركستان الشرقية كثيرة ومتعددة، قدم خلالها هذا الشعب المسلم آلاف الشهداء سنويا بالرغم من أن الصين تعمل على إخفاء أنباء هذه الانتفاضات عن العالم.
الاضطهاد الديني للمسلمين
ومن أهم مظاهر اضطهاد السلطات الصينية لمسلمي تركستان حظر التعليم الإسلامي في المساجد تماما، فقد اتخذت السلطات الشيوعية الصينية تعهدات خطية مشددة من أئمة المساجد بعدم تجميع أطفال المسلمين وتعليمهم علوم الإسلام في المساجد، كما لا توجد مدرسة إسلامية واحدة لتعليم البنات علوم الإسلام في كل تركستان الشرقية التي يتواجد فيها حوالي 30 مليون مسلم، وتمنع الحكومة الصينية بناء المساجد أو رفع الأذان من مكبرات الصوت، كما أن طبع الكتب الإسلامية وإدخالها إلى تركستان الشرقية محظور، وكذلك نشر المقالات الإسلامية في الصحف أو إذاعتها في الراديو والتليفزيون ، علاوة على أن المسلمين لا يملكون جريدة أو مجلة إسلامية تعبر عنهم .
أرض المسلمين للتجارب النووية
وتستخدم السلطات الصينية كافة الإجراءات الوحشية التي لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية لمحاربة تزايد عدد المسلمين مثل وأد الأجنّة وقتل الأمهات، وتتعرض الأسرة التي لا تلتزم بنظام تحديد النسـل للعقوبات التي وقعها الرئيـس تيمور ـ رئيس تركستان الشرقية ـ في إبريل عام 1992م، وتقضي بدفع غرامة مالية تعادل ما بين (200 ـ 2000 دولار) سنويا، وفي الوقت نفسه فإن السلطات الصينية تسعى لتوطين مائتي مليون صيني في تركستان الشرقية خلال الأعوام القادمة.
وتجري حكومة الصين تجاربها النووية على اختلاف أشكالها ولأكثر من ثلاثة قرون في تركستان الشرقية بالرغم من النداءات التي وجهتها دول ومنظمات عالمية لإيقاف هذه التفجيرات، فمنذ أكتوبر عام 1964م تجري الصين تجاربها النوويية في منطقة «لوب نور» التي تبعد بحوالي 800 كيلو متر عن أورمجي عاصمة تركستان الشرقية، وكانت الصين قد بدأت تفجيراتها النووية في الجو ثم توقفت بعد أن بلغ عدد هذه التفجيرات 22 تفجيراً جوياً في أكتوبر عام 1980م، ثم تحولت إلى إجراء التفجيرات النووية تحت الأرض وقامت بما يزيد على 25 تفجيراً حتى الآن، رغم ما تسببه هذه التفـجــيرات النووية في نشر التلوث النووي الذي يضر بالإنسان والحيوان والبيئة على نطاق كبير ولزمن أطول.
وقد أدت هذه التفجيرات إلى إصابة عدد كبير من الشعب بالأمراض السرطانية مثل سرطان الكبد والرئة والجلد، ورغم تعهدات الحكومة الصينية بالالتزام بالإجراءات الوقائية التي تتبعها غيرها من الدول النووية في تجاربها، فإن تقريراً سرياً قدم إلى رئيس حكومة تركستان الشرقية «تيمور دوامت» عام 1988م أكد ولادة عشرين ألف طفل مشوه، وأن معظم الأمراض هي نتيجة مباشرة لغبار الإشعاع النووي.
كما نسبت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 1988م موت 3961 شخصاً إلى مرض مجهول في بعض مدن تركستان الشرقية، وتفيد التقارير المحلية تفشي مرض غريب بين الأطفال أدى إلى موت مئات منهم عام 1993م.
التصيين الثقافي والاجتماعي
ولم يترك الحكم الشيوعي الصيني زاوية من زوايا الفكر والثقافة إلا وعمل على توجيهها لخدمة أهدافه الاستعمارية ومبادئه الشيوعية والإلحادية الهادفة الي تذويب الهوية الاسلامية ، فالمقالات والكتب تمتدح رموز الحكومة الصينية مهما كانت مواقفها واستبدادها لمسلمي تركستان الشرقية، وتركز أجهزة الإعلام على دعوة المسلمين لممارسة التقاليد الصينية البوذية الاجتماعية، مثل المشاركة في احتساء الخمور، وتناول لحم الخنزير، والاختلاط بدعوى صداقة الشعوب واتفاقها واتحادها، وتشجيع الزواج المختلط بين المسلمين والبوذيات، والمسلمات مع البوذيين، وتقديم مكافاءات مالية ووظيفية لهما، واعتبار أي انتقاد لمثل هذا الزواج ـ بالرغم من تحريم الإســلام له ـ موقف عدائــي نحو الصينيين، ويدعو لإثارة الفتنة والاضطراب ضد الحكم الصيني، ومن يقف ضد هذا الزواج فمصيره السجن أياً كان.
انتشار الجهل والبطالة والفقــر
وفي الوقت الذي رفعت حكومة الصين الشعبية شعار تحديث اقتصاد تركستان الشرقية بهدف استغلال ثرواتها الطبيعية لغير مصلحة أبنائها المسلمين، تقوم بتهجير آلاف الشباب الصينيين تحت مسمى خبراء وفنيين لإحلالهم في كل الأعمال والأشغال، بل إن الحكومة أخذت تمارس القوة والإكراه لتسريح الشباب المسلم من أعمالهم ليحل محلهم صينيون، وهكذا غدت وسائل الإنتاج في أيدي الصينيين.
ولاشك ان الحرمان المتعمد للمسلمين من العمل والإنتاج ، أدي إلى تزايد الفقر بين المسلمين، حيث لا يتجاوز دخل الفرد المسلم ما يعادل 128 دولارًا في السنة، بينما يصل متوسط دخل الفرد الصيني إلى ما يعادل 470 دولاراً.
وقد ازداد الوضع سوءًا بسيطرة الصينيين على مراكز الحكم والإدارة في تركستان الشرقية، وأصبح المواطنون التركستانيون لا يملكون من شؤون بلادهم ومجتمعهم شـيئاً، فالصيني المهجر إليها أياً كانت صفته هو الذي يتولى تصريف الأمور.
ولعل كل تلك الإجراءات تؤكد أن مقولة الحكم الذاتي الذي يتمتع به المسلمون الإيغور في تركستان الشرقية هو ادعاء كاذب ، والحقيقة أن الصينيين البوذيين المهجرين هم الذين يسيطرون على كافة أنحاء تركستان الشرقية، وما تخطط له الحكومة الصينية لتهجير مائتي مليون صيني إلى تركستان الشرقية كما جاء على لسان هوياوبانــغ ـ سكرتير الحزب الشيوعي الصيني الأسبق ـ يؤكد على مدى رغبتها في السيطرة الكاملة على تركستان الشرقية ومحو أي أثر إسلامي فيها. بل إن السياسة الصينية تستهدف محو وطمس الأسماء التركستانية بالتحريف أو إطلاق أسماء صينية عليها كي تحل هذه الأسماء الصينية بالتدريج، وتختفي الأسماء التركستانية.
وكذلك تغيير أسماء الشوارع والأحياء والميادين إلى أسماء صينية، وحظر استعمال كلمة تركستان مطلقاً ويعاقب كل من يتفوه بها بالسجن، لأن الحكم الصيني الشيوعي يدعي بأن تركستان الشرقية لم يكن لها اسم سوى (شي) يعني بلاد الغرب ، والتأكيد علي استخدام اسم و(سنكيانغ) وتعني البلاد الجديدة ، بينما يعتبره التركستانيون اسم ” تركستان” رمزاً وطنياً واسماً قومياً لبلادهم ، وأن ما تفرضه عليهم هو اسم استعماري صيني.

ورغم ما يعانيه المسلمون في تركستان بشقيها من عنت واضطهاد وحرمان من الحقوق إلا أنهم قدموا للأمة علماء للأمة والعالم اجمع علماء أفذاذ في كل المجالات قل نظيرهم أمثال : البخاري والترمذي والبيهقي والفارابي وابن سينا ومحمد بن موسى الخوارزمي وأبو الريحان البيروني والزمخشري وأبو الليث السمرقندي وأبو منصور الماتريدي ومحمد بن الحسين الفارقي المشهور بابن نباتة والإمام الداعية أحمد اليسوي والامام الزاهد المحدث عبد الله بن مبارك ومواطنه الفضيل بن عياض والإمام المحدث سفيان الثوري واخرين لاحصر لهم خدموا الحضارة الإسلامية واصبحوا من أعلامها الكبار.

والغريب ورغم كل هذا الاضطهاد الذي تمارسه الصين ضد مسلمي تركستان الشرقية مازالت كثير من دول العالم الاسلامي تقيم علاقات جيدة مع الصين دون انتباه لما يجري في تركستان الشرقية وتصدق الرواية الصينية فيما يتعلق باضطهاد المسلمين ، ولا حول ولا قوة الا بالله .

عن الكاتب


شاركها.