اخبار تركيا
استعرض تقرير للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، التحوّلات السريعة في المشهد الإقليمي خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تراجعت المشاريع الإسرائيلية التوسعية بعد اجتماع نيويورك بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب، وظهور مؤشرات على تغيّر موازين القوى في المنطقة.
ويسلّط الكاتب الضوء على استمرار محاولات إسرائيل التدخل في الملفين السوري واللبناني، وسعيها لاستمالة “قسد” ضمن ترتيبات أمنية جديدة. ويعرض تفاصيل المفاوضات الجارية بين دمشق و”قسد”، والموقف الأمريكي الذي يمنح مهلة لإنجاز الاندماج قبل نهاية العام، إلى جانب رؤية أنقرة الداعمة لوحدة الأراضي السورية.
كما يتناول تطورات عملية “تركيا الخالية من الإرهاب” وانسحاب تنظيم “بي كي كي” من الأراضي التركية بعد تسليم أسلحته، في خطوة تعكس مرحلة جديدة في المسار الأمني والسياسي الداخلي، وسط تحذيرات من استمرار “آليات المؤامرات” ومحاولات استهداف الاستقرار الإقليمي.
وفيما يلي نص التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق:
لو تأملنا النقاشات التي تشغل المنطقة اليوم، لأدركنا مدى تغيّر المشهد خلال أسابيع قليلة. فقبل شهرين فقط، كنا نناقش أهداف إسرائيل المتعلقة بلبنان وسوريا وعن مشروعها التوسعي المسمّى بـ”إسرائيل الكبرى”، وكان المناخ العام سلبيًا. أما الآن، فقد تبدّل الخطاب جذريًا، إذ بات الجدل الدائر حتى بين الإسرائيليين يتمحور حول سؤال لافت: هل ينبغي أن يدخل الجيش التركي غزة أم لا؟
وأعتقد أن موازين القوى تغيّرت عقب اجتماع 8+1 الذي عقد في نيويورك بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما تلاه من الكشف عن خطة ترامب المؤلفة من 20 بندًا. أصف هذا الوضع بأنه تراجع إسرائيلي. فحتى ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، قال: “مشروع إسرائيل الكبرى انهار”. وهناك من يعلّق على المسألة بالقول “لقد أُبطل سحر إسرائيل وفقدت جاذبيتها”.
هذا هو المشهد الحالي. فالنظام الإقليمي لم يُؤسس بعد، ولم يُبنَ نظام راسخ متماسك قائم على أسس متينة. لذلك لا تزال موازين القوى غير ثابتة. وقد نجد أنفسنا بعد شهرين أمام مشهد مختلف تماماً
لا تزال تلك الكتلة نشطة داخل قسد
في الواقع تواصل إسرائيل محاولاتها. لقد خرقت وقف إطلاق النار في غزة، وتشن هجمات (يدعي ترامب أن “وقف إطلاق النار لا زال مستمرا وأن إسرائيل ترد على هجوم حماس). كما أنها لم تفقد اهتمامها بسوريا. فمن جهة، تواصل التفاوض مع دمشق بخصوص اتفاقية أمن الحدود (نقل مسؤول إسرائيلي لقناة “الحدث” أن: الاتفاق السوري المرتقب ينص على وجود إسرائيلي أمريكي سوري مشترك على جبل الشيخ). ومن جهة أخرى، تحاول استمالة قسد إلى صفّها.
تُعدّ المفاوضات السورية الإسرائيلية، ومباحثات دمشق مع قسد، وعملية “تركيا خالية من الإرهاب”، تطورات تؤثر ببعضها البعض بشكل مباشر. فقسد تنتظر نتائج المحادثات الإسرائيلية السورية (خاصة في مسألة السويداء) من أجل الاندماج، كما أن تنظيم “بي كي كي” الإرهابي ينتظر وضوح الصورة في سوريا لإلقاء السلاح. والحقيقة هي أن المماطلة في مثل هذه القضايا الحساسة تفتح الباب أمام الاستفزازات. ولهذا فإن تصريح زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الذي قال فيه “إن آلية المؤامرات لا تزال نشطة”، لم يكن مفاجئًا. ولكننا سنتناول هذا الموضوع لاحقًا بالتفصيل. فلنواصل الحديث عن قسد.
لا تزال المحادثات بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية جارية، وهناك كتل تحاول إفشال هذه المحادثات. وقد كنتم أول من اطّلع على تفاصيل جماعة “باهوز أردال” الإرهابية في مقالي بتاريخ 4 أغسطس. ولا يزال ذلك التوجه المؤيد لحزب البعث داخل التنظيم الإرهابي نشطاً. كما أن جهات فاعلة محددة داخل الكيان الإسرائيلي تحاول استمالة قسد، وفي بعض الأحيان، تعمل إيران أو فرنسا على تشتيت أفكار التنظيم. بدورها، ترفض قسد التخلي عن مكاسبها في سوريا.
الولايات المتحدة تُمهل إسرائيل وقسد حتى نهاية العام
تراجعت قسد في المفاوضات عن مطلبها بالاندماج ككتلة واحدة، وأعلنت أنها يمكن أن تندمج على مستوى الفرق العسكرية. لكنّ المسألة لم تُحسم بعد. كما أنّ قسد لم تنفذ التزاماتها بالكامل، إذ لم تُسلِّم بعد المعابر الحدودية إلى دمشق، ولم تنسحب من دير الزور التي يقطنها عدد كبير من السكان العرب، وتوجد فيها حقول النفط (وتُعدّ دير الزور ذات أهمية كبيرة لإسرائيل في ما يُعرف بـ“ممر داود”).
أما الولايات المتحدة، فهي تتبنى موقفًا قريبًا من موقف تركيا بخصوص سوريا. فقد أوصى توماس باراك قسد سابقا بـ “الاندماج مع دمشق”. واللافت أن التحذير جاء هذه المرة من القيادة المركزية الأمريكية التي قالت لقسد: “أكملوا الاندماج بحلول نهاية العام، لن نبقى هنا إلى الأبد”. (ويُقال إن الولايات المتحدة وجهت رسالة مماثلة لإسرائيل، قائلة: “أغلقوا الملف السوري حتى نهاية العام”). إن موقف أنقرة واضح: فهي تفضّل أن تتوصل دمشق وقسد إلى نموذج حكم واقعي يضمن وحدة الأراضي السورية وتماسكها السياسي وتعدديتها. أما مسألة الفيدرالية فهي خارج نطاق النقاش، فجغرافية سوريا وتركيبتها الديموغرافية لا تتناسب مع ذلك.
لماذا انسحب التنظيم من تركيا؟
لننتقل إلى عملية “تركيا الخالية من الإرهاب”. لقد سادت قناعة بأن العملية تباطأت لبعض الوقت. والسبب هو أن تنظيم “بي كي كي” الإرهابي يطالب بتسريع عمل اللجنة البرلمانية في البرلمان، ووضع ضمانات قانونية تمنع الملاحقة القضائية. كما يطالب بلقاء أعضاء اللجنة مع أوجلان في إمرالي. وبالطبع، ينتظر أن يتضح المشهد في سوريا.
كلما طال أمد العملية، أصبحت عرضة للاستفزازات. فبعد بعض التصريحات والمظاهرات في البرلمان وديار بكر، وجه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، رسالة مثيرة للاهتمام، قال فيها: “إن آلية المؤامرات لا تزال نشطة”. ورفض “المطالب المتطرفة”. كما وجه الرئيس أردوغان رسالة مفادها: “سأناقش هذه المواضيع مع حزب “DEM”. وفي أعقاب هذه التطورات، نرى أن العملية بدأت تستعيد زخمها”
أعلنت قيادة التنظيم الإرهابي في 26 أكتوبر/تشرين الأول أن عناصره قد غادرت تركيا. وانسحب التنظيم من تركيا بعد تسليم أسلحته الثقيلة. وبهذه الخطوة، يكون التنظيم قد أكد التزامه بالعملية. ويمكن القول أيضاً إنها خطوة اتُخذت لتسريع أعمال اللجنة البرلمانية.
ويقال إن رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية، إبراهيم قالن، سيُطلع اللجنة البرلمانية في الأيام المقبلة على تفاصيل العملية. وأعتقد أن هذا التطور سيكون نقطة تحول مهمة. وقد صرح رئيس البرلمان التركي قورتولموش سابقًا بأن اللجنة ستنتظر تقريرًا إيجابيًا من جهاز الاستخبارات حول عملية تسليم الأسلحة قبل أن تتخذ أي خطوات. وبعد هذا الإحاطة، سنتمكن من معرفة ما إذا كانت خطوات التنظيم قد وصلت إلى مستوى يُرضي أنقرة أم لا.
 
									 
					