اخبار تركيا
يمكن وصف التطور الزراعي في بلاد الرافدين بتركيا بأنه الثورة الأولى في تاريخ البشرية، إذ بدأ منذ نحو عشرة إلى اثني عشر ألف عام، عندما انتقل الإنسان من حياة الصيد والتجوال إلى حياة الاستقرار والزراعة. وقد لعب القمح، رمز هذا التحول، دوراً محورياً في مطبخ المنطقة، الذي يجمع بين المأكولات التقليدية والتوابل المحلية والأعشاب العطرية، ليصبح إرثاً غنياً يعكس الحضارات التي مرت على هذه الأراضي.
القمح الفريد: من قرجة داغ إلى العالم
بدأت زراعة القمح القاسي (Triticum durum) في منطقة قرجة داغ على الحدود بين شانلي أورفة وديار بكر، ومن هناك انتشر في جميع أنحاء العالم. لا يزال بالإمكان مشاهدة قمح السيز (Einkorn wheat)، السلف البري للقمح، في هذه المنطقة التي تشتهر أيضاً بزراعة الحمص.
في مدينة بيرجك بولاية شانلي أورفة، يُعد الإفطار مثالاً حيّاً على تراث هذه الأرض: لفائف الحمص المطهي والمخبوز في خبز رقيق، مع إضافة الفلفل الحار والفلفل الأسود والملح، تبرز الروابط بين الغذاء والثقافة منذ آلاف السنين.
الطبخ على نار الحطب: أصالة مستمرة
لا تزال الأفران التي تعمل بالحطب منتشرة في شانلي أورفة وغازي عنتاب وأدي يمان وديار بكر، حيث تُخبز العديد من الأطباق التقليدية مثل الخبز المسطح والبسكويت والكعك. ويحتفظ السكان المحليون بالكلمة السومرية القديمة للخبز: “نان”، كعلامة على استمرارية التراث الزراعي والمطبخي.
أطعمة الهلال الخصيب: مزيج الثقافات
التربة الخصبة والهجرات البشرية عبر الهلال الخصيب أسهمت في تنوع المأكولات المحلية. أبرز النكهات والأطباق تشمل:
البقلاوة عنتاب وفستق عنتاب
بطيخ ديار بكر وجبنة الضفائر
الكبة الماردينية (إكْبَبَت، إيملَبَس، كابورغا دولماسي، كيبة، سمبوسك)
زيت الزيتون النيزيبي وعسل سيرت بيرواري
الكباب بأنواعه: كملي تيكة، يني دنيا، الباذنجان، بالزبادي، البوريان، علي نازيك
تزرع الأعشاب الموسمية مثل جرجير الماء وشوك الجمل، وتدخل في إعداد العديد من الأطباق، لتعكس روح الطبيعة في المطبخ المحلي.
غازي عنتاب: عاصمة المأكولات الإقليمية
تُعرف غازي عنتاب بـ391 صنفاً من الأطعمة الإقليمية المسجلة، بما في ذلك الكباب والبقلاوة وصفائح اللحم، ما يجعلها واحدة من أهم وجهات الطهي في تركيا والعالم. تأسس فيها متحف أمينة غوغوش للطهي عام 2008، وهو أول متحف للطهي في تركيا، ويتيح للزوار تعلم تقنيات الطهي الإقليمية وحضور ورش الطبخ التفاعلية.
الكباب واللحوم: أساس المائدة
يشكل الكباب حجر الزاوية في مطبخ الهلال الخصيب، حيث يتم تتبيل اللحم بشتى أنواع التوابل وشويه على الفحم. تشمل الأطباق الأخرى:
صفائح اللحم أو اللحم بالعجين
الباجة وكفتة الباشا وكليس طوى
كما تعتبر شوربات اللبن الزبادي، مثل اللبنية وألاجا وأزوغلين وشيويديز، جزءاً أساسياً من المائدة المحلية.
الحلويات: جنة الذواقة
يتميز الهلال الخصيب بالحلويات الفريدة المصنوعة من الفواكه المحلية والعسل:
البقلاوة وأنواعها
العوامة والحلاوة الطحينية
حلويات الحليب: التنة، العسل، نيشة، شيلّيك، شعيبيات، عش البلبل، المبرومة، قطايف بالجوز والقشدة
يمكن للزائر مشاهدة صناعة البقلاوة في خان عنتاب التاريخي، من فرد العجين وحتى إخراجها من الفرن، لتصبح تجربة تعليمية وسياحية ممتعة.
القهوة المرة: متعة المذاق المحلي
القهوة المرة، المحمصة بعناية، تُقدّم في فناجين صغيرة وتعتبر جزءاً من ثقافة الشرب في شانلي أورفة وماردين، لتعكس الأصالة التركية القديمة.
تنوع الأطباق الإقليمية
أدي يمان وباتمان
أدي يمان: الكبة النيئة، بصالّا، دوْمَج، جيلبير، فطائر العدس، رقائق الفاكهة، يبيشترما، هطاب
باتمان: كوتولك، محشي كرشة، تيرشيك، المومبار، البوريك الشامي، خبز تيفيك وكيجيل، عسل ساسون
كليس
الأطباق الرئيسية: طور، أوبروك، كبة مشوية، أطباق زيت الزيتون
الشوربات: أكشيلي مالتيهة، شيخ المحشي
ديار بكر
أطباق اللحوم والخضار: لحم بالصاج، مفتونة، بورلزال، محشي الضلوع، محشي الكرش، كباب الباذنجان والكبدة، صفائح اللحم
الحلويات: قطايف، الكبة النيئة، الألوسية، حلوى القهوة المرة، النبيذ الآشوري
سيرت وشانلي أورفة
سيرت: بوريان، بردة بلاوي، شوربة الزعتر، أكشيلي كورو دولمة
شانلي أورفة: جيغ كفتة، كباب أورفة، كباب الباذنجان، البوراني، سلطة البستانا، شوربة تيريت، إيسوت
خلاصة
مطبخ بلاد الرافدين التركية ليس مجرد طعام، بل هو رحلة عبر الزمن، تحكي قصة القمح، والحبوب، واللحوم، والعسل، والتوابل، والمهارات البشرية التي تعايشت مع الطبيعة والحضارات المختلفة. من شانلي أورفة وغازي عنتاب إلى ديار بكر وماردين وباتمان، يمتزج التراث الزراعي القديم مع ثقافة الطهي الإقليمية ليصبح كل طبق نافذة إلى تاريخ هذه المنطقة العريقة.