اخبار تركيا

تناول تقرير بصحيفة يني شفق التركية للكاتب والمحلل السياسي يحيى بستان، التحولات الجارية على الساحة الدولية بشأن القضية الفلسطينية، في ظل تصاعد الضغوط لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، وبروز جهود دبلوماسية واسعة للاعتراف بدولة فلسطين.

يسلط بستان الضوء على محاولات واشنطن وتل أبيب لعرقلة هذه التحركات، من خلال خطوات سياسية وضغوط دبلوماسية وخطط بديلة مثل “خطة ريفييرا”.

كما يستعرض الدور البارز الذي تلعبه أنقرة في قيادة جهود دعم الاعتراف الدولي بفلسطين، خاصة مع اقتراب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وفيما يلي نص التقرير:

ثمة صراع محتدمٌ بين الجبهة الأمريكية الإسرائيلية وبقية العالم بخصوص القضية الفلسطينية. فبينما تستمر الإبادة الجماعية في غزة، هناك جهود حثيثة لوقفها وضمان الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

إن إصرار إسرائيل على مواصلة الإبادة الجماعية، ورفضها المتكرر لكل مبادرات وقف إطلاق النار، دفع حتى الدول التي قدمت لها دعما مطلقا (بل وشاركت في الدفاع عنها ضد إيران في “حرب الأيام الاثني عشر”) إلى التفكير في الاعتراف بفلسطين.

ولا شك أن الاعتراف بفلسطين يُعدّ مسألة بالغة الأهمية؛ إذ تمهد الطريق نحو حلّ الدولتين وتُسقط مشروع “إسرائيل الكبرى”. ولذا فإن التصريحات الصادرة عن دول مثل بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، والتي لمّحت إلى إمكانية الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، قد أثارت قلقاً بالغاً في كل من واشنطن وتل أبيب. وفي هذا السياق، شكّل “مؤتمر حلّ الدولتين” المنعقد في نيويورك أواخر يوليو نقطة تحوّل بارزة، إذ خلص في بيانه الختامي إلى وضع رؤية واضحة وخطة عملية للاعتراف بدولة فلسطين. ويمكن القول إن الرؤية التي دافعت عنها أنقرة منذ السابع من أكتوبر والقائمة على أن “الحل الجذري للأزمة يكمن في إقامة الدولة الفلسطينية” قد بدأت تؤتي ثمارها وتتبلور في إطار مؤسساتي.

ردود واشنطن وتل أبيب

ذكرنا أن هذه التطورات أثارت قلق المحور الأمريكي الإسرائيلي فاندفع الطرفان إلى اتخاذ خطوات مضادة. فمن الجانب الأمريكي، أقدمت إدارة ترامب على إلغاء تأشيرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لمنعه من المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما دعا ترامب إلى اجتماع عاجل طارئ بشأن غزة، جرى فيه بحث ما عُرف بـ “خطة ريفييرا”. وحضر الاجتماع كلٌّ من رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وصهر ترامب جاريد كوشنر. وتشير التسريبات إلى أن الخطة تتضمن تولّي الولايات المتحدة إدارة غزة لعقدٍ كامل، مع تقديم حوافز مالية للفلسطينيين الذين يقبلون بمغادرة القطاع. وفي الوقت ذاته، شرعت واشنطن في ممارسة ضغوط على الدول المؤيدة للاعتراف بفلسطين. إذ شنّ السفير الأمريكي في باريس والد كوشنر هجوماً لاذعاً على الحكومة الفرنسية، ما دفع وزارة الخارجية الفرنسية إلى استدعائه على وجه السرعة وتوجيه تحذير رسمي له.

وأما من الجانب الإسرائيلي، فقد لوحت تل أبيب بورقة الضم الكامل لغزة والضفة الغربية في مواجهة مبادرات الاعتراف. ورفضت حكومة نتنياهو مبادرة وقف إطلاق النار المصرية التي قبلتها حماس، وأقرّت خطة احتلال غزة بالكامل، وبدأت عملياتها البرية. وفي الضفة الغربية، شرعت في تنفيذ مشروع الاستيطان E1، والذي يهدف إلى فصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية. وتخطط الحكومة الإسرائيلية لضم 82% من الضفة الغربية.

فخ نيويورك

إنها معركة أشبه بلعبة شطرنج، فأنقرة تبذل جهوداً دبلوماسية مكثفة لضمان تصدّر القضية الفلسطينية جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، يجري وزير الخارجية التركي هاكان فيدان سلسلة من الاتصالات مع نظرائه، ويمكنني القول إن هناك خطة عمل ثلاثية المحاور، وهناك حديث عن إجراءات ستحدث صدى واسعًا.

أولا: إن قرار إلغاء التأشيرة يهدف إلى تعطيل الاجتماع المقرّر في 22 سبتمبر على مستوى القادة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. والسؤال هنا: هل سيُلغى هذا الاجتماع ؟ حين ألغت واشنطن تأشيرة الرئيس محمود عباس، كان أول ما تبادر إلى الأذهان هو نقل الاجتماع من نيويورك إلى عاصمة أخرى، وعقده في بلد آخر لإعلان الاعتراف بفلسطين. والحقيقة أنني كنتُ من أنصار هذا الطرح في البداية. غير أنّ الأفكار التي تخطر على البال أولاً ليست دائمًا صائبة؛ إذ تبيّن أن هذا الخيار كان في جوهره فخاً أمريكياً إسرائيلياً، هدفه تقليل تأثير الاجتماع، وتشتيت تركيزه، وخلق عقبات لوجستية تعرقله، وبالتالي إضعاف الزخم المتنامي نحو الاعتراف بفلسطين. وقد تم كشف هذا الفخ.

إعلان مرتقب من قادة دوليين بالاعتراف بفلسطين

وفي ظل الجهود الدبلوماسية المكثفة، التي شاركت فيها أنقرة بفاعلية، تم التوصل إلى توافق على عقد الاجتماع المرتقب في نيويورك، بغية الحفاظ على الزخم السياسي. وقد أبدت السلطة الفلسطينية تأييدها الواضح لعقد هذا الاجتماع في نيويورك، وهو ما يتماشى أيضًا مع نهج أنقرة. وبناءً على ذلك، سيُعقد الاجتماع في 22 سبتمبر، ومن المتوقع أن يعلن قادة دول مثل فرنسا، وإنجلترا، وكندا، وأستراليا، وبلجيكا، اعترافهم الرسمي بدولة فلسطين، ما لم تطرأ تطورات استثنائية أو يتراجع أيّ من هذه الدول عن موقفه. وسيمثل فلسطين في الاجتماع مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، بينما سيشارك الرئيس محمود عباس عبر الفيديو.

رسائل مرتقبة من الرئيس أردوغان

ثانيًا: سيلقي الرئيس أردوغان كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيكون من أوائل القادة المتحدثين. وقد صرح أردوغان في طريق عودته من الصين: “صوت فلسطين سيتردد في الجمعية العامة للأمم المتحدة”. ومن المتوقع أن يوجه الرئيس أردوغان رسائل مهمة حول القضية خلال خطابه. كما أن أنقرة ستشارك على أعلى المستويات في جميع الاجتماعات الخاصة بفلسطين التي تُعقد على هامش مداولات الجمعية العامة، وستشجع الأطراف الفاعلة الأخرى على المشاركة أيضًا.

ثالثاً، يجري الحديث عن بعض الإجراءات السرية والمفاجئة التي قد يتم اتخاذها. وقد يستضيف “البيت التركي” بعضها، وهناك لقاءات ومبادرات على مستوى القادة، وربما حتى مواجهة مباشرة مع الرئيس الأمريكي ترامب. هناك الكثير من الخطط قيد الإعداد، إلا أن تفاصيلها لم تُحسم بعد، سنتحدث عنها عند دخولها حيّز التنفيذ.

شاركها.