منتدى أنطاليا الدبلوماسي.. “دافوس” الدبلوماسية والعلاقات الدولية

اخبار تركيا
بات منتدى أنطاليا الدبلوماسي ملتقى دولي هام يعقد سنويا جنوبي تركيا ويجمع فرقاء السياسة من حول العالم عبر دبلوماسية تركية فريدة، لتنال هذه المنصة لقب “دافوس الدبلوماسية والعلاقات الدولية”، كما وصفها بذلك أحد وزراء الخارجية الأفارقة ممن شاركوا في النسخة الأخيرة للمنتدى.
ومنتدى أنطاليا الدبلوماسي منصة دولية تُعقد سنويا فيأنطاليابرعاية الرئيس التركيرجب طيب أردوغان، انطلق لأول مرة عام 2021 بهدف تعزيز الحوار البنّاء بين الدول، عبر مناقشة أبرز التحديات العالمية في مجالات الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا وتغير المناخ، ويُخصص لكل دورة شعار يُجسّد طبيعة التحديات الدولية الراهنة.
ويشكّل المنتدى توجها تركيا جديدا يسعى إلى هندسة دور فاعل ومتوازن لتركيافي النظام العالمي لترسيخ موقعها “قوة دبلوماسية وسطية”، تجمع بين الشرق والغرب، وتطرح نفسها وسيطا محتملا في ملفات شائكة على الساحة الدولية، بحسب تقرير لـ “الجزيرة نت”.
التأسيس
أُطلق منتدى أنطاليا الدبلوماسي عام 2021 بمبادرة من وزارة الخارجية التركية، بهدف طرح حلول للتحديات العالمية عبر الحوار المباشر والشامل وإعادة تشكيل السياسة الخارجية التركية لإعادة تعريف دورها دوليا، من خطاب سياسي أيديولوجي إلى نهج دبلوماسي واقعي.
وجاء تأسيس المنتدى في وقت حساس على المستويين الإقليمي والدولي، قبيل اندلاعالحرب الروسية الأوكرانية، وفي خضم أزمات متلاحقة مثل الحرب فيناغورني قره باغوالحرب الليبية وتوتراتالشرق الأوسط.
خطوات سابقة
لم يكن إطلاق المنتدى خطوة معزولة، بل سبقته سلسلة تحركات دبلوماسية إستراتيجية، أبرزها زيارة أردوغان إلى الإمارات العربية المتحدة، وأعقبها مباشرة زيارة الرئيس الإسرائيليإسحاق هرتسوغإلى أنقرة، في تطور فُسّر على أنه كسر للجمود الإقليمي ومحاولة تركيا إعادة تموضعها خارجيا.
كما شهدت مدينة أنطاليا، عشية انطلاق المنتدى، اجتماعا نادرا بين وزيري خارجيةروسياوأوكرانيا، بهدف بحث سبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
الأهداف
سعى منتدى أنطاليا الدبلوماسي إلى تأسيس منصة حوار سنوية دولية تجمع نخبة من القادة والساسة والمفكرين والدبلوماسيين والأكاديميين ورجال الأعمال، لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية من زاوية إستراتيجية، وطرح مقاربات عملية لحلول فعالة.
وأكد وزير الخارجية التركيمولود جاويش أوغلوفي منتدى الانطلاقة عام 2021 أن المنتدى يشكّل مرحلة جديدة في ممارسات الدبلوماسية العالمية، إذ يوفر فضاء مفتوحا لتلاقي الأفكار والخبرات المتنوعة من مناطق جغرافية مختلفة، مع التركيز على تعزيز الحضور الأفريقي والآسيوي والأوروبي، انسجاما مع التحولات الديناميكية فيالنظام الدولي.
وأشار جاويش أوغلو إلى أن المنتدى يهدف إلى الدمج بين المبادئ الدبلوماسية التقليدية والأساليب المبتكرة، موضحا أن النسخة الأولى منه تضمنت 25 جلسة نقاشية تناولت أبرز التحديات العالمية.
ويهدف المنتدى لإعادة صياغة الخطاب التركي في الساحة الدولية عبر تعزيز الثقة، ودفع دور تركيا وسيطا، وتوسيع آفاق الشراكات، بعيدا عن الاعتماد الحصريّ على التحالفات التقليدية.
وعلى النقيض من الانتقادات السابقة التي وصفت السياسة الخارجية التركية بأنها “عثمانية جديدة” أو “محافظة أيديولوجيًا”، يقدّم المنتدى صورة أكثر تصالحية وبراغماتية لدور تركيا العالمي، في إطار “مبادرة أنطاليا”.
التحديات التي ناقشها
ناقش المنتدى عبر نسخه المتتالية مجموعة من التحديات العالمية المتكررة التي تتصدر الأجندة الدولية، مثل:
تغير المناخ
الأمن الغذائي
الذكاء الاصطناعي
الإرهاب
الهجرة غير النظامية
الاتجار بالبشر
قضايا الصحة العالمية
التنمية المستدامة
وقد أظهر المنتدى مرونة في تناول هذه الملفات من زوايا متعددة، فبينما ركّزت نسخة 2021 على استشراف مقاربات إنسانية جامعة، أولت نسخة 2022 اهتماما بفرص التقارب الإقليمي، في حين عالجت نسخة 2024 تداعيات الأزمات المركبة كالحرب والاضطرابات الرقمية وتآكل الثقة بالنظام الدولي.
أما نسخة 2025، فجاءت في سياق تصاعد النزاعات، مركّزة على إعادة تفعيل الدبلوماسية أداة لمعالجة الانقسامات العالمية وتجاوز حالة الشلل السياسي.
منتدى 2021
انطلقت النسخة الأولى من المنتدى تحت شعار “الدبلوماسية المبتكرة: عصر جديد، مقاربات جديدة”، وجاء ذلك في لحظة إقليمية ودولية دقيقة، ترافقت مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتنامي الاستقطابات الدولية، وانعدام الثقة في النظام العالمي القائم.
أظهر برنامج المنتدى في نسخته الأولى توجّها تركيا مدروسا نحو الابتعاد عن القضايا السياسية الخلافية، خصوصا تلك الة بملفات الشرق الأوسط وآسيا التي طالما شكّلت نقاط توتر مزمنة في العلاقات الدولية.
وبدلا من ذلك، أولى المنتدى اهتماما لقضايا عالمية ذات طابع شمولي وإنساني، يُمكن أن تشكل أرضية مشتركة بين مختلف الدول والفاعلين.
وقد عكست هذه المحاور رغبة تركيا في تقديم المنتدى منصة لا تبحث فقط عن معالجة الأزمات، بل عن استشراف حلول إستراتيجية لبناء عالم أكثر استقرارا وتوازنا.
عبر هذا التوجه، أرادت أنقرة أن تؤسس لمرحلة جديدة من سياستها الخارجية، تُشبه إلى حد كبير ما عُرف بسياسة “بريطانياالعالمية”، عبر تبنّي رؤية أكثر شمولا، إذ خصص المنتدى اهتماما لافتا لمناطق غالبا ما كانت خارج دائرة الاهتمام التركي التقليدي، مثل أميركا اللاتينية وآسيا والمحيط الهادي وأفريقيا، في محاولة لإعادة توزيع الاهتمام السياسي والدبلوماسي التركي عالميا.
منتدى 2022
شكّل حضور وزير خارجية أرمينيا في منتدى أنطاليا 2022 تحت شعار “إعادة برمجة الدبلوماسية” لحظة دبلوماسية فارقة، إذ أعلن رسميا عن بدء تطبيع العلاقات مع تركيا وفتح الحدود بين البلدين، وهو ما اعتُبر أحد أبرز إنجازات السياسة الخارجية التركية حينئذ، في سياق كسر الجليد بعد عقود من القطيعة.
كما شهد المنتدى مشاركة وزير خارجية بنغلاديش في جلسة بعنوان “آسيا الجديدة”، في دلالة واضحة على تحسّن العلاقات الثنائية بعد فترة من الفتور السياسي بين البلدين.
وعكست هذه المشاركة توجّه تركيا نحو استعادة التوازن في علاقاتها الآسيوية، وفتح صفحة جديدة من التعاون الدبلوماسي والاقتصادي.
على غرار نسخة 2021، حافظ منتدى 2022 على الحياد تجاه القضايا الخلافية، وتجنّب الملفات الحساسة التي قد تثير توترا دبلوماسيا مع دول أو أطراف إقليمية، مفضّلا التركيز على قضايا عالمية شاملة يمكن أن تشكل أرضية مشتركة للنقاش والتعاون، كما تناول المحاور نفسها.
وفي إطار دعم التقارب الخليجي التركي، خُصّصت جلسة تحت عنوان “أرضيات مشتركة”، شارك فيها وزراء خارجية البحرين وفلسطينوالجزائر والكويت. وناقشت الجلسة ملامح سياسة إقليمية جديدة تتجاوز مرحلة الاستقطاب، وتؤسس لمسارات تعاون مرن في منطقة الشرق الأوسط.
كما أولى المنتدى اهتماما خاصا مثل نسخته السابقة بمناطق كانت خارج اهتمام السياسة التركية، مثل أميركا اللاتينية وآسيا والمحيط الهادي وأفريقيا، في إشارة إلى سعي أنقرة لتنويع خرائط نفوذها وبناء شراكات متعددة خارج دوائرها الجيوسياسية المعتادة.
منتدى 2024
كان من المقرر أن يُعقد منتدى التعاون الآسيوي لعام 2023 تحت عنوان “الدبلوماسية الفعالة من أجل السلام والنظام”، إلا أن الزلزالين المدمرين اللذين ضربا تركيا في السادس من فبراير/شباط عامئذ، واعتُبرا من أعنف الكوارث الطبيعية في القرن، أدّيا إلى تأجيل أعمال المنتدى.
وانطلقت النسخة المؤجلة عام 2024 بعنوان “تعزيز الدبلوماسية في أزمنة الاضطراب”، وشهدت حضورا لافتا، واستقطبت مشاركين من 147 دولة، بينهم 19 من قادة الدول والحكومات، واحتضنت أكثر من 50 جلسة نقاشية تناولت طيفا واسعا من القضايا السياسية والأمنية والتنموية.
وتمحور موضوع المنتدى حول الحاجة الماسة إلى إعادة التفكير في دور الدبلوماسية وسيلة سلمية للخروج من حالة الاضطراب التي يعيشها العالم، وقد ناقش المشاركون تداعيات الحروب المستمرة والإرهاب والهجرة غير النظامية وتصاعد كراهية الأجانب والإسلاموفوبيا، إضافة إلى التحديات التي نوقشت في النسخ السابقة.
كما لفت المنتدى الانتباه إلى تآكل الثقة بالنظام الدولي القائم، وهو ما يُضعف قدرة الدول على التنبؤ بالتفاعلات الدولية، ويخلق بيئة أكثر هشاشة وقلقا، مما يُبرز الحاجة إلى دبلوماسية أكثر ابتكارا وفاعلية تعيد ضبط العلاقات الدولية على أسس أكثر عدالة واستقرارا.
منتدى 2025
حملت النسخة الرابعة من المنتدى شعار “استعادة الدبلوماسية في عالم مجزأ”، في محاولة لإعادة الزخم للدبلوماسية وسيلة سلمية لمعالجة النزاعات والصراعات المتفاقمة في وقت تبحث فيه العواصم عن مساحات مشتركة للحوار وسط عالم تزداد فيه الانقسامات والتحديات.
وعقد المنتدى على خلفية ملفات دولية ملتهبة، منها استمرار الحرب في أوكرانيا، وتجدد التوتر في الشرق الأوسط، خصوصا الحرب الإسرائيلية علىقطاع غزةواستمرار الإبادة الجماعية في القطاع، كما عقدت جلسة خاصة من أجلسوريالتسليط الضوء على المرحلة الجديدة فيها عقب سقوط نظام الرئيس المخلوعبشار الأسد.
وبحسب مصادر دبلوماسية تركية، شارك في نسخة هذا العام أكثر من 20 رئيس دولة ورئيس وزراء، من بينهم سوريا وجيبوتي وكوسوفووغينيا بيساو وقرغيزستان والمجر والجبل الأسود وروانداوصربيا وأوزبكستان وزامبيا.
كما شارك نحو 50 وزير خارجية، من بينهم وزراء خارجيةمصروقطروالسعودية وفلسطين والعراقوالأردن، إضافة إلى مسؤولين من منظمات إقليمية ودولية، مثل الأمين العام لجامعة الدول العربيةأحمد أبو الغيطوالأمين العام لمنظمة التعاون الإسلاميحسين إبراهيم طه والأمين العام لمجلس التعاون الخليجيجاسم محمد البديوي.
ومن أبرز المشاركين في نسخة هذا العام الرئيس السوريأحمد الشرع، في أول حضور سوري رسمي بعد قطع العلاقات الدبلوماسية التركية السورية زمن النظام السوري السابق.
وعلى هامش المنتدى، تُعقد اجتماعات دبلوماسية رفيعة المستوى، أبرزها اجتماع “مجموعة الاتصال من أجل غزة”، بمشاركة وزراء خارجية من دول عربية وإسلامية، إلى جانب ممثلين عن منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
كما تستضيف أنطاليا اجتماعين إضافيين: الأول لآلية التشاور الثلاثي بين تركيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا، والثاني لآلية الأمن رفيعة المستوى بين تركيا والعراق.