اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي هاني بشر، التحول المتسارع في الدورين التركي والباكستاني في معادلات الأمن الإقليمي، مستعرضا كيفية نجاح الدولتين، رغم ارتباطهما الوثيق بالولايات المتحدة والمنظومة الغربية، في الانتقال من موقع التبعية إلى موقع الندية النسبية، عبر تنويع الشراكات، وتطوير الصناعات العسكرية، والاضطلاع بأدوار وساطة وحلول إقليمية.

ويبيّن الكاتب في مقاله بصحيفة “عربي21″، أن التقارب الاستراتيجي غير المسبوق بين أنقرة وإسلام أباد بات يشكّل عامل قلق لقوى إقليمية كالهند وإسرائيل، وأن هذا المحور الصاعد يسهم فعليًا في إعادة هندسة المشهد الأمني في كل من آسيا وأوروبا، ما يجعله عنصرًا حاسمًا في أي ترتيبات أمنية إقليمية مقبلة. وفيما يلي نص المقال:

لم يصل مستوى تأثير دول إسلامية غير عربية كبرى مثل تركيا وباكستان للمستوى الذي يؤثر في معادلات الأمن الإقليمي، فقد امتلكت كلتا الدولتين أورقا قوية استخدمتها في بعض القضايا من دون أن يصل ذلك لمستوى المساهمة في إعادة صياغة المشهد الأمني أو العسكري على المستوى الإقليمي العام. فما الذي يجمع بين تركيا وباكستان؟ وكيف تعيدان الآن هندسة الأمن الإقليمي في كل من آسيا وأوروبا؟

أولا، كلتا الدولتين ترتبطان بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهي علاقة تتجاوز التعاون العادي إلى التحالف، لدرجة أن تركيا عضو هام ورئيس في حلف شمال الأطلسي الناتو. وهذا يعني أن كلتا الدولتين لم تغردا خارج السرب الغربي ولم تنضما إلى المعسكر المناوئ سواء مع روسيا أو الصين، وبالتالي فهما ليستا في حالة عداء مع الولايات المتحدة.

ثانيا، كلتا الدولتين مؤخرا تحاولان بقوة أن تتجاوزا علاقة التبعية المباشرة مع الولايات المتحدة إلى قدر كبير من الندية، وهو ما يعني أن يكون لهما كلمة مسموعة في الأمن الإقليمي من دون انتظار الإملاءات الأمريكية. فحين اشتد الاستقطاب الدولي حول قضية معينة مثل الحرب في أوكرانيا، حاولت تركيا أن تنأى بنفسها عن الموقف الحاد للمعسكر الغربي وقدمت نفسها كوسيط سلام تحافظ على شعرة العلاقة مع الروس والأوكرانيين. ونجحت في هذا إلى حد بعيد خلال سنوات الحرب الممتدة حتى الآن.

كما خطت تركيا خطوات أوسع من هذا بكثير، إذ قطعت شوطا كبيرا في مجال الصناعات العسكرية الذي أعطاها ميزة كبيرة في مجال تجارة الأسلحة والتدخل في الملفات الإقليمية الشائكة مثل سوريا وليبيا. أما باكستان فقد استطاعت مؤخرا أن تترجم علاقاتها مع الصين إلى حسم عسكري استطاع أن يوقف الهند عند حدها في الهجوم الذي شنته الهند قبل أشهر، الأمر الذي استدعى تدخلا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لردع الهند بعد أن استطاعت باكستان استخدام طائرات جي10 الصينية لإسقاط طائرات مقاتلة أوروبية الصنع تابعة للهند.

ثالثا، كلتا الدولتين تقدمان نفسيهما على أنهما مصدر لحلول المشاكل وليس صناعة المشاكل. فتركيا ترعى وتدعم بقوة النموذج السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع كنقيض لنموذج بشار الأسد المدعوم إيرانيا وروسيا، كما أن باكستان وقعت اتفاقية دفاع مشترك مع المملكة العربية السعودية في أيلول/ سبتمبر 2025 الماضي ووضعت السعودية تحت مظلة الحماية النووية الباكستانية. جاء ذلكبعد أيام من الهجوم غير المسبوق الذي شنته إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة مستهدفا قيادات من حماس، وفي الوقت ذاته تقدم إسلام أباد نفسها على أنها شريك ضروري وحلقة وصل إقليمية في العلاقة مع أفغانستان.

رابعا، وهي النقطة الأهم، أن كلتا الدولتين في حالة تقارب شديد نابع ليس فقط من القواسم الدينية والثقافية المشتركة، ولكن أيضا من حجم التشابهات المهول بين الخيارات الأمنية والاستراتيجية في السنوات الأخيرة، الأمر الذي استدعى قلقا كبيرا في كل من الهند وإسرائيل؛ انعكس على توجه هندي نحو بناء علاقات بينها وبين خصوم تركيا التقليدين مثل قبرص واليونان.

خلاصة القول إن تركيا وباكستان تساهمان بقوة في إعادة هندسة المشهد الأمني الحالي في كل من أوروبا وآسيا عبر علاقات جوار جغرافي متشعبة، وأن العلاقات الباكستانية التركية تشهد صعودا غير مسبوق وصل لدرجة أن تصبح إسلام أباد ثاني أكبر مستورد للسلاح التركي، وهي بذلك تستحوذ على 10 في المئة من إجمالي صادرات تركيا العسكرية. وهذا يعني أنه ينبغي أن نفكر مليا في الدور التركي والباكستاني في أية تحولات أمنية إقليمية جديدة.

شاركها.