اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، عودة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى الواجهة بوصفها جزءًا من استمرارية السياسة الإمبريالية البريطانية التي لم تنقطع منذ غزو العراق عام 2003، مرورًا بديفيد كاميرون وصولًا إلى كير ستارمر.

ويُبرز الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق كيف أن هؤلاء السياسيين الثلاثة، رغم اختلاف مواقعهم الحزبية، يمثلون خطًا واحدًا في خدمة المشروع الاستعماري الغربي، القائم على الكذب السياسي وتبرير الإبادات الجماعية، من العراق إلى فلسطين.

كما يناقش العلاقة بين هذه الاستمرارية والسلوك العدواني الحالي لبريطانيا والولايات المتحدة، موضحًا أن ما يجري ليس انحرافًا طارئًا بل امتدادٌ طبيعي لتاريخ طويل من العنف الممنهج باسم “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان”. وفيما يلي نص التقرير:

برز توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، مجدداً على الساحة. وكما هو معروف، شغل بلير منصب رئيس وزراء بريطانيا من 1997 إلى 2007، وهي الفترة التي شهدت غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق. ولم يكتفِ بلير بدعم سياسة الاحتلال التي انتهجها الرئيس الأمريكي بوش، بل اختلق أيضاً مبرراتٍ تبيّن كذبها لاحقاً. عشر سنوات هي فترة طويلة. ولا يمكن القول إن الشعب البريطاني قدّم رد فعل ملموساً على أكاذيب بلير. فالمفكرون والأدباء والفلاسفة البريطانيون لم يبدوا أي موقف جاد إزاء استناد غزو العراق بأكمله إلى أكاذيب مختلقة من قبل سياسيين مثل بلير. وهذا الشخص، القادر على التأثير في السياسة البريطانية برغم تاريخه الشخصي المشين، يبرز اليوم لمواجهة الفلسطينيين كما فعل مع العراق. يجب علينا تناول المسار الوظيفي لهذا النوع من السياسيين في سياق الإمبريالية والاستعمار.

وقد لعب سياسيون آخرون دوراً مماثلاً لدور توني بلير في السياسة البريطانية في سياق الإمبريالية والاستعمار. فديفيد كاميرون، الذي خلف بلير، شغل أيضاً منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية. ولطالما سمعنا اسم كاميرون بشكل متكرر خاصة بعد 7 أكتوبر 2023. فهذا الشخص الذي شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، اتصل بالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان وهدده. وبينما لم نُعر الأمر اهتمامًا كبيرًا، تدخّل كاميرون لحماية الإسرائيليين الصهاينة الذين يُحاكمون بتهمة الإبادة الجماعية، وسعى علناً إلى تعطيل عمل مؤسسات مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي تمثل دعامة للنظام الأنجلوساكسوني. كان هذا التصرف ذا دلالة كبيرة، لكنه، كما أحاول التوضيح، بقي في تركيا مجرد خبر إعلامي. إن تهديد كاميرون لمدعي عام مرموق مثل كريم خان باسم الصهيونية يعد أمراً في غاية الأهمية.

واليوم نرى أن زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء الحالي كير ستارمر يسير على نفس خطى بلير وكاميرون. فقد أعلن ستارمر صراحةً عن صهيونيته. وبعد هذا الإعلان، من الطبيعي تماماً أن يلجأ إلى كل أنواع الأكاذيب مثل بلير. فقد دعمت حكومة كير ستارمر بكل الطرق جرائم الإبادة الجماعية الاستعمارية التي ترتكبها إسرائيل وأثارت غضب العالم بأسره. ولم يلجأ فقط إلى الأكاذيب الصريحة مثل توني بلير، بل اتخذ أيضاً خطوات لتعطيل المؤسسات الدولية مثل كاميرون. ولم يكتفِ ستارمر بذلك، بل زود إسرائيل بالأسلحة الموجهة ضد أمة بأكملها دون قيد أو شرط، رغم أنه يعلم أن إسرائيل تقتل وتدمر وتنفي وتخضع شعباً بأكمله للتطهير العرقي. ثم ألصق تهمة الإرهاب بحماس عن قصد وعن سابق تصميم. وفي المقابل، قدّم أفكاراً عنصرية قائمة على تفوق البيض، مثل حق اليهود في الحياة والدفاع عن النفس، كإطار أيديولوجي.

وعندما نحاول فهم المسألة عبر شخصيات مثل بلير وكاميرون وستارمر، يمكننا ملاحظة الاستمرارية في السياسة البريطانية. لم أرَ ضرورة لذكر القادة الذين وجهوا السياسة البريطانية في فترة الغزو والاحتلال التي بدأت عام 1991، لأن ذلك كان سيستدعي التطرق إلى أحداث سابقة، نظراً لوجود تواصل بين هذه الأحداث. وسيكون من المفيد جداً دراسة تاريخ فلسطين من منظور الاستمرارية الاستعمارية للسياسة البريطانية. ولا يمكن إنكار فائدة هذه التحليلات، لأن هذه الاستمرارية ستمنحنا مؤشرات على السياسات التي ستتبعها بريطانيا اليوم وفي المستقبل القريب. وبهذا يمكننا تحليل الأحداث المحتملة الناتجة عن تعيين بلير كـ “حاكم مستعمرة” جديد من قبل الولايات المتحدة بشكل أفضل.

ويُركّز التحليل السائد عموماً على تحرك بلير تحت تأثير الولايات المتحدة وترامب، لكنني أرى أن هذا التفسير لا يتوافق مع فكرة الاستمرارية في السياسة البريطانية. فلم يخضع بلير ولا ترامب للقوة اليهودية، بل كانا ينفذان سياسة دولة. ويمكن للمهتمين الرجوع إلى سياسات وأفكار بريطانيا تجاه اليهود ليروا استمراريتها في هذا المجال أيضاً.

إننا نشهد اليوم انهيارًا متسارعًا في منظومة الغرب، لكنّ هذه الرؤية وحدها لا تكفي لتقييم الأحداث. بل يجب أن نحدد كيفَ يقيمون هم حالة الانهيار هذه. وهنا أود أن أقدم مثالاً عبر نتنياهو: ثمة من يظنّ أن نتنياهو وإسرائيل يسعيان لكسْب الوقت عبر أساليب المماطلة. أعتقد أن هذا التقييم خاطئ أيضا. فبعد جرائم بهذا الحجم، آخر ما يحتاجونه هو الوقت، ويبدو جلياً أن نظاماً لا يتحمل حتى الأساطيل المدنية غير المسلحة، متحدياً العالم بأسره، لا يحتاج إلى الوقت بل إلى الترهيب والقتل. ولا يمكننا القول إن بريطانيا والولايات المتحدة تحاولان كسب الوقت أيضاً، إنهما تقتلان من أجل إرهاب الآخرين وإخضاعهم. وهذه الاستمرارية في السلوك تنطبق أيضًا على ما نراه اليوم.

شاركها.