اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار، مسلطًا الضوء على فشل إسرائيل في الالتزام بالهدنة، ومبيّنًا كيف أن منطقها يقوم على الغطرسة ورفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في الحياة.

يناقش الكاتب دور حماس في قبول الهدنة رغم إدراكها للمكر الإسرائيلي، ويبرز غياب المشاركة المباشرة للسعودية والإمارات كأحد المؤشرات على موقفهما المتحفظ والمعادي لحماس، مع الإشارة إلى تأثير ذلك على المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي.

وفيما يلي نص المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق:

إن استئناف الهجمات الإسرائيلية على غزة بعد إعلان الهدنة دفعت إلى التساؤل باستنكار: “أين السلام المزعوم؟” كان واضحا منذ البداية أن إسرائيل لن تفي بوعدها. فالمنطق الصهيوني يقوم تحديداً على هذا الأساس: منطق متغطرس ومتعالٍ يرى نفسه محقاً باستمرار، ويرفض الاعتراف بحق الطرف الآخر في الحياة، ويتخذ من التحريض والابتزاز العاطفي أسلوباً أساسياً له. أما حماس، الطرف الفلسطيني في غزة، فهي بالطبع تُدرك كل هذا أفضل منا جميعًا، فقد اكتسبت على مدى عقود تجارب لا تُحصى حول المكر الصهيوني. ورغم ذلك، قبلت حماس بوقف إطلاق النار، لتكشف للعالم مجددًا حقيقة أن الطرف الذي لا يرغب في السلام هو إسرائيل.

في القاعة التي شهدت توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي كانت تركيا من بين ضامنيه، لم يحضر قادة دولتين عربيتين مهمتين، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بل اكتفتا بإرسال وزيرين كممثلين عنهما. من المؤكد أن هذا لم يكن خياراً ناجماً عن ضغط جدول أعمال القادة. إذ تصرّ إدارتا الرياض وأبو ظبي منذ البداية على موقفهما المتحفظ بل والمعادي لحماس. وتعتبر هاتان الحكومتان، الانتماء أو التأييد أو التعاطف مع حماس “جريمة”، وتلجآن حتى إلى إجراءات رادعة لمنع مواطنيهما من المشاركة في فعاليات جماهيرية كمقاطعة البضائع الإسرائيلية. وهناك أشخاص عوقبوا لمجرد نشرهم منشورات على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى المقاطعة.

وبذلك رسخت قيادتا السعودية والإمارات موقفهما الأيديولوجي الثابت عبر اختيار عدم المشاركة شخصيًا في اجتماع دولي رسمي يعترف بحماس كطرف رسمي ويجعلها جزءًا من المفاوضات.

إن السبب الرئيسي وراء استهداف حماس وتشويه سمعتها يعود إلى خوضها نضالًا مسلّحًا ضدّ إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية. وتمسك الرياض وأبو ظبي بالوضع الراهن، ، وجهودهما لتقديم محمود عباس على أنه”الممثل الشرعي الوحيد لفلسطين”، ومبادراتهما لإعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني بالتنسيق مع إسرائيل، هي كلها امتدادات لهذا الموقف ذاته. فأي انتصارٍ يحقّقه النضال المسلّح ضدّ إسرائيل، وما يولّدهُ ذلك من شعورٍ بالمقاومة في صفوف الشعوب العربية، ليس مرغوبًا لدى هؤلاء بالطبع. إن الأجواء السائدة في السياسة الخليجية لا يُمسّ فيها الوجود الإسرائيلي غير الشرعي، وتُترك فيه الأراضي الإسلامية التاريخية المحتلة لرحمة الصهاينة ومطامعهم، وتُخمد الأصوات المعارضة لهذا الوضع بوسائل شتّى.

ومن منظور حماس، ثمّة نقطتان أساسيتان يجب التأكيد عليهما مرارًا:

أولًا: حماس ليست تنظيماً خارجيا أو غريبَ الجذور، ولا هي بُنية اصطناعية مفروضة على الواقع الفلسطيني. بل نشأت من رحم ظروف الانتفاضة الأولى عام 1987؛ وكانت منظمة ومدربة للغاية، ومستعدة لإصلاح خيبات أمل السياسة الفلسطينية التي قادها ياسر عرفات آنذاك. لقد بثت الطاقة في الأجيال الشابة وكانت قادرة على حشد الجماهير بسرعة. وبهذا فإن أي مقترح حل يُقصي حماس اليوم لن يضمد جراح فلسطين. لا يمكن الوصول إلى أي هدف عبر استبعاد حماس وتشويه صورتها. وقد تعلن الولايات المتحدة أو أوروبا عن نواياها في هذا الاتجاه، لكن هذا يعكس جهلها؛ أما استبعاد الدول الإسلامية القوية لحماس فلن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة.

ثانيًا: حماس ليست تنظيمًا معاديا بشكل قاطع لحكومتي الرياض وأبوظبي. فقد نسجت علاقاتٍ مهمةً في الآونة الأخيرة مع السعودية ودول عربية أخرى، وتلقّت دعمًا من حكومات مختلفة، وساهمت في منح الشرعية لمواقف تلك الأنظمة السياسية، أمام شعوبها. إذا مدّ إخوتها العرب يدهم إليها مجددًا فلنتخذلهم، بل ستولي اهتماماً لكلام إخوتها أكثر من الأطراف الإقليمية الأخرى.

والخلاصة، إن إقصاء حماس إحدى أكثر البنى التنظيمية حيويةً ونشاطًا في المشهد الفلسطيني والشرق أوسطي لا يخدمُ أحدًا؛ بل على العكس، سيؤدي إلى مخاطر جسيمة، حيث يهيئ لاحتقان اجتماعي واسع ينفجر في المستقبل القريب.

شاركها.