اخبار تركيا
تناول مقال تحليلي للأكاديمي والخبير في القانون الدولي والعلاقات الدوليةرائد أبو بدوية، الدور المتصاعد لتركيا في مرحلة ما بعد الحرب الأخيرة على غزة، بوصفها ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية لإعادة الاستقرار إلى القطاع والمنطقة.
يوضح الكاتب في مقاله بصحيفة “عربي21″، كيف تراهن إدارة الرئيس دونالد ترامب على أنقرة كقوة ضامنة تجمع بين النفوذ الإقليمي والشرعية الدبلوماسية، وقادرة على موازنة النفوذ الإسرائيلي وحماية الحقوق الفلسطينية، مع الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة والغرب.
كما يناقشالتحركات التركية الميدانية والإنسانية في غزة، وموقف إسرائيل الرافض لمشاركتها في القوة الدولية، مبينًا أن الوجود التركي لم يعد ظرفيًا، بل يمثل جزءًا من معادلة استراتيجية أوسع تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط.
وفيما يلي نص المقال:
في خضم تصاعد التوترات بعد الحرب الأخيرة على غزة، تتجلى تركيا كعنصر رئيس في الخطط الأمريكية لإعادة الاستقرار إلى القطاع، بل وللمنطقة بأسرها. إذ تراهن إدارة الرئيس دونالد ترامب على أنقرة ليس فقط كوسيط دبلوماسي، بل كقوة إقليمية ضامنة، قادرة على حماية الحقوق الفلسطينية ومواجهة أي محاولات إسرائيلية لتجاوز هذه الحقوق، بينما توازن بين مصالح الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط.
تركيا، بحكم تاريخها كعضو في حلف الناتو وحليف غربي قديم، تمتلك قدرة فريدة على المزج بين القوة الإقليمية والدبلوماسية الدولية. في المقابل، لا توجد دولة عربية حاليا قادرة على موازنة القوة الإسرائيلية بنفس الفاعلية، ما يجعل الدور التركي أكثر أهمية واستراتيجية.
ثقة ترامب بالدور التركي ليست اعتباطية، بل نابعة من عدة اعتبارات عملية واستراتيجية: أولا، تركيا لديها القدرة على التدخل السياسي والميداني لضمان استقرار غزة ومنع أي فراغ أمني يمكن أن تستغله إسرائيل. ثانيا، الدور التركي مقبول من الفلسطينيين وكثير من الدول العربية، ما يمنح أي تسوية أو إدارة لاحقة شرعية محلية وإقليمية، وهو ما يراه ترامب حاسما لضمان تنفيذ خططه دون صدام مباشر مع المجتمع العربي أو الفلسطيني. ثالثا، أنقرة تمتلك خبرة طويلة في إدارة الأزمات الإقليمية، من سوريا إلى ليبيا، بما في ذلك القدرة على حماية مصالح الغرب في ملفات معقدة دون الدخول في مواجهة مباشرة.
ولعل التحركات التركية الأخيرة في غزة تؤكد هذا البعد الضامن: سواء عبر الإشراف على وقف إطلاق النار، وإبداء استعدادها في المشاركة في إعادة الإعمار، وتقديم المساعدات الإنسانية والهندسية والطبية، بالإضافة إلى استعدادها لتسيير دوريات أمنية ومراقبة الحدود. فحضور تركيا لم يعد شكليا، بل هو عنصر ضمان عملي لتنفيذ الخطط الأمريكية على الأرض، مع منع أي محاولات إسرائيلية لتجاوز الحقوق الفلسطينية.
تركيا، عبر تنسيقها مع الفاعلين المحليين، بما في ذلك حماس، تضمن أن تكون الحلول الأمريكية فعالة عمليا، وليس مجرد ورقة سياسية دولية. هذا الدور الضامن يعكس استراتيجية ترامب في جعل تركيا حليفا إقليميا رئيسا قادرا على استيعاب التحديات الإسرائيلية، وموازنة القوى في المنطقة، وحماية مصالح الولايات المتحدة في ملفات الشرق الأوسط الحساسة.
في الوقت ذاته، يوضح رفض إسرائيل لمشاركة تركيا في القوة الدولية المزمع نشرها في غزة، حجم التوتر المستمر بين أنقرة وتل أبيب، لكنه لا يقلل من أهمية الدور التركي. فتركيا ليست لاعبا مرحليا، بل محورا استراتيجيا في أي معادلة استقرار مستقبلية للقطاع والمنطقة، تجمع بين حماية مصالحها، ومصالح الغرب، والمصالح الفلسطينية في آن واحد.
ختاما، حضور تركيا في غزة اليوم ليس عرضيا ولا مؤقتا؛ بل هو جزء أساسي من استراتيجية أمريكية أوسع، تمنح أنقرة دورا قياديا ضامنا في صياغة مستقبل الشرق الأوسط، وفي ضمان استقرار المنطقة أمام التحديات الإسرائيلية والفوضى الإقليمية المحتملة، مع شرعية واسعة من الفلسطينيين والدول العربية، وقدرة على حماية مصالح الولايات المتحدة والغرب على حد سواء.
 
									 
					