اخبار تركيا
تناول تقرير للكاتب والمحلل التركيعبدالله مراد أوغلو، بصحيفة يني شفق، التحولات المتسارعة داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بشأن الموقف من إسرائيل في أعقاب حرب غزة، حيث أصبح “اختبار غزة” قضية سياسية وانتخابية محورية.
يبرز التقرير تزايد ضغوط الديمقراطيين الشباب لرفض نفوذ جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، خاصة “أيباك”، مقابل تمسك القيادة التقليدية بصيغة وسطية تقوم على الفصل بين إسرائيل ونتنياهو.
كما يعرض مواقف عدد من الشخصيات البارزة المتوقع ترشحها لانتخابات الرئاسة عام 2028، مثل بيت بوتيجيج ورو خانا، وكيف باتت قضايا الاعتراف بدولة فلسطين ووقف بيع السلاح لإسرائيل عناوين رئيسية في النقاش الديمقراطي.
ويرصد الكاتب أيضًا مساعي المؤتمر الوطني الديمقراطي لإقرار مقترحات تقلص نفوذ المال السياسي المؤيد لإسرائيل، في مؤشر على تراجع نفوذ اللوبي الإسرائيلي داخل الحزب. وفيما يلي نص التقرير:
كنت قد أشرتُ في مقالي السابق إلى أنّ اتخاذ موقف واضح ضد الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة بدعم أمريكي، يُعد بمثابة اختبار سياسي حاسم للحزب الديمقراطي الحالي. كما تطرقتُ إلى المبادرات التي أطلقها الديمقراطيون الشباب لرفض التبرعات الانتخابية القادمة من “اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (AIPAC)”، وإلى إعلان بعض النواب أنهم لن يقبلوا “أموال أيباك” في الانتخابات التمهيدية لعام 2026.
أما الشخصيات التي يُرجَّح أن تترشح للانتخابات الرئاسية عام 2028، فقد وجدت نفسها مضطرة منذ الآن لإعلان مواقفها تجاه إسرائيل، وذلك بفعل تصاعد الغضب في قاعدة الحزب الديمقراطي ضدها. ووفقًا لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة “غالوب”، فإن 8% فقط من الديمقراطيين يؤيدون الهجمات العسكرية الإسرائيلية على غزة.
يضغط الديمقراطيون الشباب من أجل مواءمة سياسات الحزب تجاه إسرائيل مع ميول الناخبين، لكن القيادة التقليدية الموالية لإسرائيل داخل الحزب وجدت حلًا وسطًا يتمثل في الفصل بين إسرائيل ونتنياهو، عبر معادلة “انتقاد نتنياهو الدفاع عن إسرائيل”. غير أنّ هذه الصيغة لم تُرضِ القاعدة الغاضبة، خصوصًا وأن القيادة ترفض مطالب إنهاء الدعم العسكري لإسرائيل.
ويُجمع الآن على أن الدعم غير المشروط لإسرائيل كلّف الديمقراطيين خسارة البيت الأبيض في انتخابات 2024. فقد اعترفت نائبة الرئيس كامالا هاريس، وشريكها في السباق الانتخابي آنذاك حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، في كلمة علنية: “أخطأنا في قراءة غضب الناخبين من غزة”. وأكد والز أن دعم إسرائيل سيظل قضية إشكالية في انتخابات 2028 أيضًا، وهو ما فُسِّر بأنه بتفكيره في الترشح للرئاسة.
أما بيت بوتيجيج، الذي يُطرح اسمه كأحد المرشحين المحتملين لانتخابات 2028، فقد ظهر مؤخرًا في بودكاست “بود سيف أميركا”. وعندما سُئل عن إرسال السلاح لإسرائيل أو اعتراف واشنطن بدولة فلسطينية، تهرّب من الإجابة، مكتفيًا بالإشارة إلى “الصداقة الأمريكية الإسرائيلية”، وواصفًا مشاهد غزة المروعة بأنها “صور تهز الضمير”. وقد قوبل هذا الموقف بانتقادات واسعة من الديمقراطيين المتحفظين تجاه إسرائيل.
النائب في مجلس النواب رو خانا، وهو أيضًا من المرشحين المحتملين للرئاسة، هاجم بوتيجيج عبر منصة “إكس” قائلًا: “ما نحتاجه ليس التمسك بالوضع الراهن بل وضوحًا أخلاقيًا”. وكان خانا من بين الموقّعين على رسالة في الكونغرس تدعو واشنطن إلى الاعتراف بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. وفي مقابلة مع مجلة “بوليتيكو”، أكد أن غزة وإسرائيل ستكونان من القضايا الحاسمة في انتخابات التجديد النصفي 2026 والرئاسية 2028.
وتحت ضغط الانتقادات، عاد بوتيجيج في مقابلة أخرى مع “بوليتيكو” وتراجع بوضوح عن مواقفه السابقة، مؤكدًا هذه المرة أنه يؤيد وقف بيع السلاح لإسرائيل ويدعم اعتراف واشنطن بدولة فلسطين كجزء من حل الدولتين.
ومع أن عددًا من الشخصيات الطامحة للترشح في انتخابات 2028 لم يتردد في انتقاد إسرائيل علنًا، فإن آخرين فضّلوا حتى الآن التزام الصمت. وبات “اختبار غزة” لا يقتصر على النواب وأعضاء مجلس الشيوخ أو المرشحين للرئاسة، بل يمتد أيضًا إلى المتنافسين على مناصب حكام الولايات.
وسيطرح المؤتمر الوطني الديمقراطي المقرر عقده نهاية الشهر مقترحات تتعلق بفرض حظر على السلاح لإسرائيل، والاعتراف بدولة فلسطين، إضافة إلى مقترحات أخرى تهدف إلى منع تدفق “الأموال الكبيرة” و”الأموال المظلمة” على الانتخابات التمهيدية، بما يحدّ من قدرة “أيباك” وغيرها من جماعات الضغط على تمويل المرشحين المؤيدين لإسرائيل بسخاء. وقد أثارت هذه المقترحات اعتراضًا شديدًا من المجموعات الموالية لإسرائيل داخل الحزب، بينما تُحاول القيادة إيجاد صيغة وسطية.
هذه التطورات تُعتبر مؤشّرًا على أن القواعد الراسخة لدعم إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي تتآكل بسرعة. فما كان يُنظر إليه سابقًا بوصفه ورقة رابحة بات اليوم أشبه بجمرة حارقة. ورغم أن القيادة التقليدية لم تتخلّ بعد عن انحيازها لإسرائيل، إلا أن مسار الأمور يُظهر أن لوبي إسرائيل لن ينعم بعد الآن بالراحة نفسها في الساحة الديمقراطية. أما لوبي إسرائيل نفسه، فيسعى جاهدًا للإبقاء على الحزب في صفه، لكن قدرته على تحقيق ذلك باتت موضع شك.