اخبار تركيا

في مقال نشرته صحيفة الشرق القطرية، تناول الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال، تاريخ الهجرة البشرية وأسبابها المتنوعة، من التنقلات البدائية إلى موجات الهجرة الحديثة الناتجة عن الحروب، الأزمات الاقتصادية، السياسية، والبيئية.

يشرح أويصال أنواع الهجرة المختلفة وتأثيراتها على المجتمعات المرسلة والمستقبلة، مع التركيز على دور الدول مثل تركيا وقطر كمحطات جذب وعبور للمهاجرين.

ويتناول أيضًا التوترات السياسية والاجتماعية التي تثيرها الهجرة في الغرب، ويختم بطرح الحلول المقترحة لإدارة الهجرة بشكل عادل وإنساني، مع الإشارة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وفيما يلي نص المقال:

منذ عهد آدم عليه السلام، والبشر في حركة دائمة. فعندما كانوا يعيشون كقبائل صيادين وجامعي ثمار، كانوا في تنقل مستمر. ومع الانتقال إلى الزراعة، بدأت بعض المجتمعات مثل مصر القديمة والصين بالاستقرار، ورغم أن الحركة قلت جزئيًا، إلا أن تلك المجتمعات لم تسلم من الحروب والغزوات. وعلى مر التاريخ، استمرت حركة البشر (الهجرة) لأسباب متعددة مثل الحروب، والجفاف، والظروف الاقتصادية، والمعتقدات الدينية. وقد بدأت الهجرة الكبرى للإنسانية من إفريقيا، واستمرت على شكل موجات في فترات مختلفة. كما أن غزو القبائل القادمة من الشرق لأوروبا، ومن بعدهم المغول، أدى إلى حركات سكانية واسعة. ظهور الإسلام وامتداد الفتوحات الإسلامية أدّى إلى موجات هجرة نحو الشرق والغرب.

وفي القرون الأخيرة، كان للاستعمار الأوروبي، والحروب، والاحتلالات، والأزمات العنيفة والفقر دور كبير في نشوء حركات هجرة جديدة. وفي القرن العشرين، أسهم انهيار الإمبراطوريات، واحتلال فلسطين، وانقسام ألمانيا والهند، في إجبار ملايين البشر على الهجرة القسرية. أما في الفترات الأخيرة، فإن استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية في إفريقيا والعالم الإسلامي ساهم في استمرار موجات الهجرة أخرى مثل الصومال، وسوريا، والسودان أدّت إلى هجرات غير شرعية بالملايين.

تُصنّف الهجرة من حيث النطاق المكاني إلى داخلية وخارجية (دولية)، ومن حيث الوضع القانوني إلى شرعية وغير شرعية، كما تُقسم من حيث الدافع إلى طوعية وقسرية، ومن حيث المدة إلى مؤقتة ودائمة. وتتعدد الأسباب التي تدفع إلى الهجرة داخل الدولة الواحدة أو خارجها، وتشمل عوامل اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية. من بين الأسباب الاقتصادية، الفقر، والبطالة، وانخفاض مستويات الأجور. كما استخدام الآلات في الزراعة ورغبة إلى الرفاهية يُعدان من العوامل الأساسية التي تدفع سكان الريف إلى الهجرة نحو المدن.

تُعدّ الحروب، وانعدام الاستقرار، والقمع، والتمييز من العوامل السياسية وفي الجانب الاجتماعي، فإن ضعف خدمات التعليم والصحة، إضافة إلى التهميش والصراعات العرقية والثقافية، تُعد من الأسباب التي تدفع الأفراد إلى مغادرة أوطانهم. كما تساهم الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، والتصحر، ونضوب الموارد الطبيعية، في تسريع وتيرة الهجرة. على سبيل المثال، الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في عام 2023 أثّر بشكل مباشر على حياة 14 مليون شخص، وتسبب في أزمة سكن حادة في العديد من المدن التركية. وقد دفعت هذه الأوضاع آلاف الأُسر التركية المقيمة إلى جلب أقاربهم وأطفالهم المتضررين من الزلزال إلى قطر.

هناك عوامل تجذب المهاجرين إلى الجهات المعينة في الداخل أو خارج البلد، مثل توفر فرص عمل أفضل، ورواتب أعلى، وبيئة أكثر أمانًا ورفاهية، إلى جانب فرص تعليمية متميزة للأطفال، وأوضاع سياسية أكثر حرية واستقرارًا. كما تلعب عوامل مثل لمّ شمل الأسرة، والمناخ الملائم، وتوفر الموارد الطبيعية دورًا مهمًا في استقطاب الناس نحو تلك المناطق. وتُعتبر قطر من الدول التي تتميز بعوامل جذب قوية، بفضل استقرارها الاقتصادي والاجتماعي وفرصها الواعدة. أما تركيا، فقد أصبحت اليوم محطة عبور ووجهة نهائية في آن واحد.

تشكل هجرة الأشخاص داخل الوطن وخارجه تأثيرات كبيرة ومتعددة. يعاني القادمون من المناطق الريفية إلى المدن من صعوبات في التكيف، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الخدمات الاجتماعية. يؤثر المهاجرون في الأماكن التي ينتقلون إليها ويتأثرون بظروفها. أما هجرة الكفاءات أو هجرة العقول فتقلل من فرص التنمية في بلدانهم الأصلية. من جهة أخرى، تشكل الأموال التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم في بلدانهم، مثل الهند ومصر، مبالغ ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، مما يساهم بشكل كبير في دعم اقتصاد هذه الدول.

تُسبب ظاهرة الهجرة توترات بين المهاجرين والسكان المحليين، حيث استغلت بعض الأحزاب السياسية في الغرب هذه القضية لتعزيز خطاب معادٍ للمهاجرين، مما جعلها محورًا للنقاشات حول الهوية والسياسة، مؤثرا على نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا، كما حققت الأحزاب اليمينية نجاحات بارزة في انتخابات السويد وفنلندا وألمانيا. يكمن الحل في بناء نظم عادلة على المستويين العالمي والإقليمي للحد من الهجرة، إلى جانب التعامل مع قضايا اللاجئين والمهاجرين بمنهج إنساني رحيم وأسلوب إسلامي يرتكز على العدل. وفيما يتعلق بموجات الهجرة المتزايدة من أفريقيا، فلا بد من تبني رؤية واستراتيجيات جديدة وشاملة تضمن التنمية المحلية. وفي المقال القادم، سنسلط الضوء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي تمثل تحديًا أكبر وأكثر تعقيدًا.

شاركها.