اخبار تركيا
أجاب جودت يلماز، نائب الرئيس التركي، على سؤال حول سبب الزيارة المفاجئة التي أجراها الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى تركيا قبل أيام، حيث التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، في مدينة إسطنبول، على رأس وفد رفيع المستوى، فضلا عن طبيعة العلاقات التركية السورية في الوقت الراهن.
وفي مقابلة مع الإعلامي التركي كمال أوزتورك، نشرها موقع الجزيرة نت، قال يلماز إن سوريا بلد في غاية الأهمية بالنسبة إلينا، فهي جارة وتربطنا بها حدود تتجاوز 900 كيلومتر، ولهذا فإن أي تطور سواء أكان إيجابيا أم سلبيا يقع فيها فإنه يمسنا عن قرب.
لقد شهدت سوريا ثورة بعد أكثر من 60 عاما من الدكتاتورية ومن حكم جائر وظالم، واليوم تدخل سوريا مرحلة جديدة، وأساس موقفنا منها في هذه المرحلة يقوم على بناء الثقة والاستقرار فيها وصون وحدتها وسلامة أراضيها.
وفي هذا السياق، نولي أهمية بالغة لقيام نهج حكم شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري.
ومن جهة أخرى، نحن نتحدث عن بلد مدمَّر، لا على مستوى البنية التحتية المادية فحسب، بل كذلك على مستوى المؤسسات، وهذا البلد بحاجة إلى إعادة بناء شاملة تشمل الإطار القانوني والمؤسساتي، إضافة إلى إعادة تأهيل بنيته التحتية من طرق وشبكات طاقة ومناخ استثماري واقتصادي.
وإزاء هذا الوضع تركيا تبدي أعلى مستويات التضامن مع سوريا في جميع هذه المجالات، وتسعى جاهدة إلى دعم استقرارها السياسي وأمنها، وهي مستعدة لتقاسم خبراتها وتقديم الدعم الكامل في مسيرة إعادة الإعمار.
نحن نؤمن بأن استقرار سوريا وقيامها من جديد كدولة مزدهرة لا يصب في مصلحة الشعب السوري وحده، بل هو أمر حيوي للمنطقة بأسرها، فاستقرار سوريا سيسهم بقدر كبير في استقرار المنطقة ورفاهيتها.
وإذا نظرنا إلى هذا الموضوع من منظور تركي فإن سوريا حين تصبح أكثر أمنا واستقرارا بعد إعادة الإعمار ستعود على تركيا بفوائد جمة في شتى المجالات، وأنا أؤمن بذلك من أعماق قلبي.
تركيا تدعم وحدة سوريا وتعارض تقسيمها، في حين تسعى إسرائيل إلى خلق سوريا مجزأة، هل هناك صراع على النفوذ بين تركيا وإسرائيل في هذا الشأن؟
لقد دفع الشعب السوري ثمنا باهظا جراء الصراعات، ويستحق الآن بيئة مستقرة وآمنة، وكما ذكرت فإن تركيا تبذل قصارى جهدها لتحقيق ذلك، لكن إسرائيل من خلال انتهاكها الحدود تقوم بأعمال تخل بالاستقرار، وتضر بمسار إعادة الإعمار في سوريا، ونحن نرفض مطلقا هذه الأعمال، ونعتقد أن الشعب السوري لا يستحق مثل هذا التعامل.
كنا وما زلنا نتحرك على جميع المنصات الدولية، ونتعاون مع جميع الدول المعنية بالقضية السورية لوقف هذه الانتهاكات التي تعد خرقا للقانون الدولي وحقوق الشعب السوري، ونأمل ألا تمعن إسرائيل في ممارساتها هذه، وللأسف فإنها تُظهر السلوك نفسه في لبنان أيضا.
والواقع أن حكومة نتنياهو تسعى إلى خلق منطقة غير مستقرة، وتحاول استثمار هذه الفوضى لمصالحها، في حين أن الواجب الحقيقي هو بناء بيئة مستقرة في المنطقة بأسرها.
لذا، فإن موقفنا واضح تماما، ولا نقبل بأي شكل من الأشكال هذه الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، ونكرر في كل مناسبة أنها تعد انتهاكا للقانون الدولي، ونستمر في جهودنا لتمكين الحكومة المركزية في سوريا وتعزيز مناخ السلام في المجتمع السوري.
ما مستقبل قضية “وحدات حماية الشعب” في سوريا في ظل استمرار رفضها إلقاء السلاح والانخراط في تسوية سياسية رغم الدعوات الموجهة لعبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني ضمن إطار مشروع “تركيا بلا إرهاب”؟
كما تعلمون، تم التوصل إلى اتفاق بين إدارة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، وتم تحديد خارطة طريق معينة، وما ننتظره هو الالتزام بذلك الاتفاق، فالأصل أن تعود السلطة في جميع المناطق بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية إلى الحكومة المركزية، وهنا نقصد سوريا الشاملة التي تضم جميع مكوناتها، لا نتحدث عن طائفة أو عرق أو مذهب بعينه.
نحن نقصد بسوريا الشاملة ذلك الكيان الذي يجتمع فيه على أساس المواطنة المتساوية السنّة والعلويون والمسلمون والمسيحيون والدروز والأكراد والتركمان والعرب، نريد أن نرى جميع هذه المكونات تلتقي على أرضية المواطنة المتساوية، وهذا لن يتحقق إلا بتمكين الحكومة المركزية.
ننتظر إذن تشكيل بنية حوكمة جديدة في سوريا تشمل تمثيلا واسعا عبر البرلمان والدستور الجديد الجاري العمل عليه وكل ما يلزم من مقومات بناء الدولة، وعندما يتحقق ذلك فإن الأكراد مثلهم مثل غيرهم من الأعراق مواطنون سوريون يشاركون في الحياة السياسية والاقتصادية، وسيكون لهم دور إيجابي في إعادة إعمار سوريا، لا مثار جدل أو تهديد.
أما المسارات الأخرى فإنها تهدد وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وتفتح الباب للتدخلات الخارجية، وهذا لا يخدم لا الأكراد ولا سوريا، ما يجب أن يكون هو أن تتعاون جميع المكونات التي تتقاسم تاريخا وحضارة واحدة منذ قرون في بناء مستقبل مشترك لسوريا.
وفي هذا السياق، أرى أن عملية صياغة الدستور بالغة الأهمية، لذا من الضروري أن تدار هذه العملية بطريقة تشاركية، وأن تنتج إطارا سياسيا شاملا، لكن جوهر القضية يتمثل في تقوية الحكومة المركزية، فعندما تنجح هذه الحكومة في بناء قدراتها المؤسسية وتبسط سلطتها على كامل البلاد فإن كثيرا من المشكلات ستزول من تلقاء نفسها.
ومن غير الصحيح أن ننظر إلى سوريا بعين الماضي أو بعقلية نظام الأسد، نحن الآن بصدد الحديث عن سوريا جديدة يجب أن تتفادى أخطاء الحقبة الماضية، وإن وضع أي مجموعة نفسها في خانة الأقلية لن يجلب لها أي منفعة، بل يجب على الجميع أن يأخذ مكانه في سوريا الجديدة بصفته مواطنا من الدرجة الأولى، وعلى أساس المواطنة المتساوية.
كذلك، فإن رصيد سوريا الحضاري يشكّل في ذاته أساسا صلبا لهذا البناء، فعندما نطالع تاريخ سوريا نرى أنها ليست بلدا عاديا، بل تحمل إرثا حضاريا عظيما، وشعبها يمتلك ثقافة تعايش راسخة، وحتى في زمن النظام القمعي كنت ألاحظ أثناء زياراتي لها وأنا وزير التنمية أن المجتمع السوري كان قادرا على التعايش رغم كل شيء، ترى هذا في الأسواق وفي الشوارع.
وهذا يدل على أن البنية الثقافية والتاريخية اللازمة متوفرة لدى الشعب السوري، ما يجب الآن هو أن تُترجم هذه الإمكانيات إلى إطار قانوني يضمنها، وعندما ينجح الشعب السوري في ذلك فإنه سيتجاوز سريعا أي دعوات انفصالية أو نزعات تؤدي إلى صراعات داخلية.