اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والباحثة المصرية صالحة علام، تصاعد الحديث في الأوساط السياسية والعسكرية التركية عن أهمية تفعيل اتفاق أضنة الموقع مع سوريا عام 1998، في ظل التوترات المتزايدة في شمال سوريا، خصوصًا بعد الاشتباكات الأخيرة بين الجيش السوري وميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة منبج.
ويعرض المقال الذي نشره موقع الجزيرة مباشر مواقف تركيا الرافضة لمشاريع الانفصال الكردية، وتحركاتها لتعزيز التعاون الأمني والعسكري مع دمشق، بما في ذلك احتمال إنشاء قواعد عسكرية تركية داخل سوريا وتوسيع نطاق عملياتها عبر تعديل بنود الاتفاق.
كما يسلط الضوء على تراجع “قسد” عن اتفاق سابق مع الحكومة السورية، وتخوفها من عملية عسكرية مرتقبة، في وقت تصر فيه أنقرة على تنفيذ خطة لـ”تجفيف منابع الإرهاب” وضمان وحدة الأراضي السورية. وفيما يلي نص المقال:
يتصدر الحديث عن أهمية العودة إلى تفعيل اتفاق أضنة، الموقّع بين كل من تركيا وسوريا عام 1998، اهتمامات دوائر صنع القرار التركي، مدعوما بتحليلات سياسية ومتابعات إعلامية للتطورات التي تشهدها الساحة السورية حاليا، نتيجة المواجهات العسكرية الدائرة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والاتهامات المتبادلة بينهما بشأن الجهة المسؤولة عن الهجوم الذي وقع مؤخرا في مدينة منبج بمحافظة حلب.
أسفرت المواجهات عن وقوع سبعة جرحى، أربعة من الجيش وثلاثة مدنيين، وفق بيان وزارة الدفاع، وخمسة من عناصر «قسد» وفق بيان دائرتها الإعلامية، وهو ما ألقى بظلاله على اتفاق مارس/آذار الماضي، الموقّع بين أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذي وُصف بالتاريخي.
يهدف الاتفاق إلى تخلي عناصر «قسد» المسلحة عن أسلحتهاجميعها على غرار ما تقوم به حاليا عناصر حزب العمال الكردستاني في تركيا استعدادا لدمجها ضمن الوحدات القتالية للجيش، في إطار خطة الإدارة السورية الرامية إلى تجميع السلاح من الفصائل والمجموعات المسلحة على اختلاف توجهاتها، وحصره بيد الدولة وحدها.
إلا أن عددا من قادة «قسد» أكدوا في تصريحاتهم الأخيرة أن مسألة تسليم السلاح للدولة، والجلوس لبدء بحث آليات دمج عناصرهم ضمن الجيش السوري، أصبحت أمرا مستحيلا في ظل تطورات الأوضاع الراهنة، ما يُنظر إليه على أنه مماطلة تهدف إلى إضاعة الوقت، انتظارا لحدوث تغييرات في الخريطة السياسية للبلاد قد تؤدي إلى الإطاحة بالإدارة الحالية، بما يفسح المجال أمام تحقيق حلمهم بتشكيل إدارة ذاتية للمناطق ذات الأغلبية الكردية.
واكبت هذه التصريحات تحركات على الأرض استهدفت تعزيز دفاعات «قسد» الميدانية، وتشديد قبضتها الأمنية في مدن الحسكة والرقة ودير الزور، والمناطق ذات الأهمية اللوجستية الخاضعة لسيطرتها في شمال شرق سوريا، خشية قيام الجيش السوري أو الفصائل الموالية لتركيا بعملية عسكرية ضدها.
تركيا، التي تراقب الوضع عن كثب، لم تكتف خلال الفترة الماضية بإيضاح موقفها الثابت من التطورات السورية، وتأكيد رفضها لأي محاولة تستهدف تفتيت وحدة الأراضي السورية أو تمس مركزية الحكم في دمشق، بل سعت إلى التحرك على أكثر من صعيد لإفشال خطط التنظيمات والجماعات العرقية والإثنية الطامحة لاقتطاع أجزاء من الأراضي السورية لصالح مشروعاتها الانفصالية وإقامة مناطق فيدرالية أو كونفيدرالية.
قامت أنقرة بتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاستراتيجي والأمني والعسكري والاستخباراتي مع الإدارة السورية، كما عملت على زيادة الزيارات المتبادلة بين الجانبين، التي أصبحت توصف بـ«المكوكية» بعد أن تحولت إلى “روتين” شبه يومي، سواء بين العسكريين أو المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يوقّع الجانبان التركي والسوري عددا من الاتفاقيات العسكرية، من بينها تولي رئاسة الأركان التركية مهمة إنشاء الجيش السوري الجديد، وتدريبه، وتقديم الدعم الفني اللازم لتعزيز قدراته الدفاعية، كما يُتوقع أن يوافق الجانب السوري على إنشاء ثلاث قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية: الأولى بمدينة حمص، والثانية بريف حلب، والثالثة في تدمر، على أن يُعلَن عن ذلك رسميا بنهاية الشهر الجاري.
تُنتظر هذه الاتفاقيات لتطبيق الخطة العسكرية المشتركة التي وُضعت مؤخرا، بهدف استهداف الفصائل والجماعات المسلحة التي لم تسوِّ أوضاعها بعد، أو لم تبدِ رغبة حقيقية في الاندماج ضمن مكونات الجيش السوري حتى منتصف الشهر الجاري.
في هذا الإطار، حذرت وزارة الدفاع التركية عناصر «قسد» الذين تعدهم أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها كتنظيم إرهابي من التراجع عن التزاماتهم في الاتفاق المبرم مع الحكومة السورية، ومخالفة خطوات نظرائهم من عناصر الكردستاني الذين يواصلون تسليم سلاحهم للدولة التركية استجابة لنداء زعيمهم عبد الله أوجلان.
وفي الوقت ذاته، أعاد المسؤولون الأتراك طرح اتفاقية أضنة مجددا إلى الواجهة، وهي الاتفاقية التي تم توقيعها في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1998 بين الرئيسين السوري حافظ الأسد والتركي سليمان ديميريل، عقب أزمة سياسية كبرى بين البلدين على خلفية إيواء سوريا لعبد الله أوجلان وفتح أراضيها لمعسكرات حزب العمال الكردستاني ودعمه.
وبعد أن قامت تركيا بحشد 10 آلاف جندي مهددة باجتياح سوريا، تدخل وزير الخارجية المصري آنذاك، عمرو موسى، كوسيط بين الجانبين، ما أدى إلى بدء مفاوضات مباشرة في مدينة أضنة التركية، التي حمل الاتفاق اسمها.
تعهدت دمشق حينها بمنع أي نشاط معادٍ لأنقرة ينطلق من أراضيها، وإغلاق مقار الكردستاني ومعسكراتهجميعها، ووقف الدعم له، ومنع عناصره من دخول سوريا، وتصنيفه كمنظمة إرهابية.
نصّت ملاحق الاتفاق على أنه في حال إخفاق الجانب السوري في الالتزام بالتدابير الأمنية المطلوبة، يحق لتركيا اتخاذ الإجراءات المناسبة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلو مترات.
وهذا هو البند الذي تسعى أنقرة اليوم إلى تفعيله، بل وتعديله، بحيث يمتد العمق إلى 35 كيلو مترا، بما يفتح الباب أمام تعاون عسكري واسع النطاق بين البلدين، وتنفيذ عملية عسكرية مشتركة تستهدف ما تسميه الدولتان بـ«المشروع الانفصالي الكردي»، دون أن تواجه تركيا اعتراضا عربيا أو دوليا.
وتسعى أنقرة من خلال هذه الخطوة إلى استكمال مشروعها «تركيا خالية من الإرهاب»، وضمان فرض سيطرة الإدارة السورية على كامل الأراضي، وحصر السلاح بيد الدولة، مع إرسال رسالة واضحة إلى القوى الإقليمية والدولية الداعمة للجماعات العرقية والإثنية في سوريا، بأن أي مخططات تهدد وحدة الأراضي السورية سيتم التصدي لها وإفشالها.