د. نجم الدين أجار كريتيك باكيش

من أكثر النتائج المفاجئة التي واجهناها بعد 7 أكتوبر هي حقيقة التراجع الملحوظ في النشاط السياسي الجماهيري. الأحداث الأخيرة تكشف عن تآكل خطير في الوعي السياسي لدى شعوب المنطقة. بينما في ستينيات القرن الماضي، تدفقت الجماهير إلى الشوارع بحماس تحت تأثير الفكر القومي العربي الاشتراكي، وبعد “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1979، تم تحريكها عبر الخطابات الإسلامية الثورية. وفي العقد الثاني من الألفية (سنوات 2010)، أي خلال فترة الربيع العربي، ملأت مجتمعات الشرق الأوسط الساحات بحماس ربما للمرة الأخيرة دون أي إطار أيديولوجي محدد.

على الرغم من جرائم الحرب الإسرائيلية التي تحولت إلى إبادة جماعية في غزة ثم امتدت إلى كامل الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى الهجمات المكثفة على لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران، اكتفت شعوب الشرق الأوسط بمتابعة الأحداث في صمت عميق. في حين شهدت دول الغرب احتجاجات أعلى في الشوارع، فإن خمود رد الفعل الشعبي في الشرق الأوسط يكاد يكون كاملاً، وهو أمر يستحق الانتباه. تشير هذه التطورات إلى تحول في الوعي الجمعي في المنطقة، وتفتت التوجهات الأيديولوجية، وضعف الوظيفة السياسية للمجال العام.

الموجات الاجتماعية في الشرق الأوسط: دور النشاط الجماهيري على المسرح

بعد الحرب العالمية الأولى، أعيد تشكيل الشرق الأوسط عبر أنظمة الانتداب، ثم تحول بعد الحرب العالمية الثانية إلى جغرافيا تظهر فيها دول جديدة نالت استقلالها إلى حد كبير. في تلك الفترة، سيطرت الأنظمة الملكية على غالبية دول المنطقة. لكن الموجة السياسية التي اكتسبت زخماً في الخمسينيات والستينيات تحت تأثير الأيديولوجيا الاشتراكية العربية، أدت عبر انقلابات عسكرية قادها ضباط شباب إلى إنشاء أنظمة جمهورية في دول مثل مصر والعراق واليمن وليبيا والسودان وسوريا. رغم أن تغيير هذه الأنظمة تم على يد النخب العسكرية، إلا أن النشاط الجماهيري ظل أحد المحركات الأساسية لهذه التحولات.

في تلك الفترة، خاصة تحت قيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الكاريزمية، شهدت المنطقة حركات شعبية واسعة النطاق. تفاعلت الجماهير مع الفكر الاشتراكي ونظّمت مظاهرات كبيرة ضد الغرب وإسرائيل، التي رأوها امتداداً للغرب، وكذلك ضد الملكيات المتحالفة مع الغرب. سواء في الأنظمة الجمهورية أو الملكية، ظهر النشاط الجماهيري كأداة سياسية فعالة. استُخدمت أجهزة الراديو الترانزستور التي بدأت الانتشار حديثا في تلك الفترة، ثم التلفزيون، بشكل فعال في تحريك الجماهير حول أيديولوجيات معينة.

في عموم المنطقة، تبنت الفئات الاجتماعية المهمشة، التي استُبعدت من النظام السياسي وعانت من عدم المساواة الاقتصادية، الاشتراكية كأيديولوجيا تحرر. تحولت الجماهير التي نزلت إلى الشوارع استجابة لدعوات الشخصيات الكاريزمية إلى حاملي التغيير السياسي الأساسيين. لكن بحلول السبعينيات، تراجع التأثير السياسي للاشتراكية العربية، ويعود ذلك إلى أسباب أهمها الهزائم العسكرية المتتالية التي منيت بها القيادات القومية العربية أمام إسرائيل، وفشلها في تحقيق التنمية الاقتصادية التي وعدت بها، وعدم تحقيقها هدف الوحدة السياسية في العالم العربي.

يمكن قراءة التقرير كاملا عبر موقع مجلة كريتيك باكيش

شاركها.