حسناء جوخدار اخبار تركيا

في قلب الأناضول، حيث تروي الصخور حكايات الزمن الغابر، يستيقظ وادي إهلارا كل صباح ليقدم للعالم تحفة فريدة تجمع بين عظمة الخالق وإبداع البشر. هنا، حيث ينحني نهر ميلنديز ليحتضن التاريخ في كل منعطف، يصبح الماضي حاضراً في كل صخرة منحوتة وكل جدارية ملونة.

هذا الوادي الساحر ليس مجرد تشكيل جيولوجي مذهل، بل هو متحف مفتوح يحكي قصة حضارات تعاقبت على هذه الأرض، ترك كل منها بصمته في الصخر والشجر والماء. من الكنائس البيزنطية العتيقة إلى المزارع الخضراء التي تزين قاع الوادي، ومن المنحدرات الصخرية الشاهقة إلى المياه الصافية التي تنساب بينها، يشكل إهلارا لوحة طبيعية لا تكتمل إلا بوجود الزائر الذي يتجول بين جنباتها ليصبح جزءاً من قصتها الخالدة.

أين يقع وادي إهلارا؟
يُعرف وادي إهلارا في المصادر التاريخية باسم “بيريستريما”، وهو من الأماكن النادرة التي تجمع بين الغطاء النباتي والكنائس والمصليات، حيث تلتقي الطبيعة مع التاريخ والفن والثقافة في مشهد آخاذ.
يقع وادي إهلارا ضمن حدود بلدة غوزيل يورت في ولاية آق سراي وسط تركيا، ويحتل مكانة مهمة بين أودية العالم. يتميز هذا الوادي، الذي يبلغ طوله 18 كيلومترًا وعمقه 150 مترًا في المتوسط وعرضه 200 مترًا، باحتوائه على آلاف المساكن القديمة، مما يجعله أكبر وادٍ في العالم سكنه البشر في العصور الماضية، على عكس الأودية الأخرى. ونهر ميلنديز، الذي يشكل الوادي ويمنحه الحياة، هو المصدر الرئيسي للحياة هنا. وقد ساهمت سهولة نحت الصخور المحيطة بالوادي في تشكيل مئات الكنائس والمساكن المنحوتة في الصخر، مما جعله أحد أهم مراكز الحضارة والثقافة في العالم.
تشكل وادي إهلارا نتيجة التآكل الذي أحدثه نهر ميلنديز على مدى آلاف السنين، بعد التصدعات التكتونية وثوران بركان جبل حسن. وقد نحت النهر مجراه بعمق وانحدار شديدين، مخلّفًا وراءه مناظر طبيعية خلابة على طول الوادي. ينبع نهر ميلنديز من جبال ميلنديز، ويتدفق باتجاه الجنوب الشرقي الشمال الغربي ليصب في سد ماماسين، مكونًا حوالي ثلاثين منعطفًا نهريًا (ميندر) على طول مساره. ورغم أن المسافة بين منطقتي إيلي سو وسليمة تقدر بـ 10 كيلومترات في خط مستقيم، إلا أن التعرجات النهرية تجعل الطول الفعلي للمسار 18 كيلومترًا.

ومن السمات البارزة الأخرى لوادي إهلارا طبيعته الخلابة. ففي قاع الوادي الضيق والعميق، تظهر شريط أخضر كثيف من الكروم والبساتين على ضفاف النهر، وكأن الطبيعة قد اختبأت داخل الوادي. بينما يغلب على المناطق المحيطة بالوادي طابع السهوب مع نباتات قليلة. لكن بمجرد الاقتراب من منحدرات الوادي، تكتشف ذلك الجزء المخفي من الطبيعة الخضراء الزاخرة. هذه العزلة الطبيعية منحت الوادي مكانة مميزة. يتمتع قاع الوادي بمناخ شبه متوسطي، مختلف عن المناخ القاري السائد في المنطقة، مما يجعله منطقة مناخية مصغرة فريدة. وبفضل هذا المناخ، تنمو في قاع الوادي نباتات متنوعة، أبرزها الفستق الحلبي.
وقد حافظت الكنائس المنحوتة في صخور وادي إهلارا والمزينة بالرسوم الجدارية على رونقها، لتبقى كنزًا تاريخيًا لا مثيل له حتى يومنا هذا. تعود هذه الكنائس والمساكن المنحوتة، التي بُنيت بسهولة منذ العصور المسيحية الأولى، إلى القرن الرابع الميلادي، وتمتد على مسافة 14 كيلومترًا من إهلارا حتى سليمة. تنقسم تقنيات الرسوم في هذه الكنائس إلى نوعين: تلك القريبة من منطقة إهلارا، والتي تحمل سمات “النمط الكبادوكي”، مثل كنائس إغري تاش، وآغاج ألتي، وكوكار، وبورينلي ساكي، ويلانلي. أما الكنائس الواقعة قرب منطقة بيليسيرما، فتُزينها رسوم من “النمط البيزنطي”.

المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

شاركها.