حذّر أطباء نفسيون وخبراء وقانونيون من التأثير السلبي المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في استقرار العلاقات الزوجية، مؤكدين أن المنصات الرقمية باتت عاملاً مسهماً في ارتفاع معدلات ونِسَب الطلاق، وتشويه صورة الزواج لدى الأجيال الجديدة.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن الترويج المفرط لحياة الأزواج أو الخلافات الزوجية وتفاصيل قصص الطلاق على مواقع التواصل الاجتماعي، يؤدي إلى تطبيع فكرة الطلاق، ويضعف من قدسية العلاقة الزوجية، ويرسّخ لدى كثير من الشباب والمراهقين فكرة أن الزواج تجربة مؤقتة يسهل فسخها دون وعي بعواقبها النفسية والاجتماعية.

وبيّنوا أن «السوشيال ميديا» تلعب دوراً كبيراً في نشر النماذج السلبية للعلاقات، سواء عبر المبالغة في عرض الخلافات أو المظاهر الزائفة للسعادة، وهو ما يخلق فجوة بين الواقع والتوقعات، ويدفع بعض الأزواج نحو الطلاق تحت ضغط المقارنة أو التفاعل الجماهيري.

وأشاروا إلى أن شباباً عديدين باتوا يعزفون عن الزواج أو يؤجلونه، أو ينخرطون في علاقات سطحية وغير مستقرة، نتيجة صورة مشوشة تشكّلت لديهم عبر المنصات الرقمية، مؤكدين أن هذه المؤشرات تتطلب تحركاً مجتمعياً وتشريعياً عاجلاً للحد من آثارها وتباعاتها الخطرة التي تمس قيم الأسرة، وتؤثر سلباً على وعي الأجيال الجديدة.

وشددوا على أن الحياة الزوجية ليست مشهداً درامياً يُعرض على المنصات الرقمية، مطالبين بقانون للحفاظ على الخصوصية الأسرية الرقمية.

وأوضحوا أن منشورات الطلاق العلني تُعدُّ تشهيراً إلكترونياً أو انتهاكاً للخصوصية، خصوصاً إذا تضمنت أسماء، أو صوراً، أو تسجيلاً مباشراً، أو تلميحات تُسيء لسمعة الطرف الآخر، وهي مخالفات يعاقب عليها القانون الإماراتي بالسجن أو الغرامة التي قد تصل إلى 500 ألف درهم في بعض الحالات.

وفي السياق ذاته، سجّلت المحاكم الاتحادية في أربع إمارات (الشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة) 3023 حالة طلاق، خلال الفترة من عام 2020 حتى نهاية العام الماضي، وفقاً للبيانات الصادرة عن نظام الزواج الإلكتروني لوزارة العدل.

وأظهرت الإحصاءات أن حالات الطلاق المسجلة توزّعت على مدار السنوات الخمس الماضية بواقع 618 حالة خلال عام 2020، وفي عام 2021 ارتفع العدد إلى 648 حالة، أما في عام 2022 فقد بلغت حالات الطلاق 596 حالة، فيما ارتفع عدد الحالات مرة أخرى عام 2023 فبلغت 626 حالة، وفي 2024 بلغت 535 حالة.

وبيّنت الإحصاءات أن عدد الأزواج المطلقين خلال السنوات الخمس الماضية، من الحاصلين على مؤهلات دراسية عليا، تشمل الدكتوراه والماجستير، والبكالوريوس أو ما يعادلها، إضافة إلى الدبلوم العالي»، بلغ 1523 شخصاً (953 زوجاً و570 زوجة)، ما يشكل أكثر من نسبة 50% من إجمالي حالات الطلاق خلال الفترة ذاتها، وهو ما يعكس وجود نسبة كبيرة من ذوي المستويات التعليمية المرتفعة ضمن حالات الطلاق المسجلة.

وتفصيلاً، حذّرت رئيس المجلس الاستشاري الأسري لدولة الإمارات، الدكتورة فاطمة جاسم الهياس، من التأثيرات السلبية لمنصات التواصل الاجتماعي، وزيادة حالات الطلاق، معتبرة أن تكرار مشاهد الانفصال بين المؤثرين يرسّخ في أذهان الشباب والمقبلين على الزواج مفاهيم مشوّهة عن العلاقة الزوجية، ويضعف من شعورهم بالمسؤولية تجاه فكرة «الالتزام الأسري».

وأوضحت أن متابعة قصص الانفصال العلني تجعل البعض يعتقد أن الزواج تجربة فاشلة، أو مؤقتة يمكن إنهاؤها بسهولة عند أول مشكلة، من دون وعي وتفكير في تبعات الطلاق والتأثير في الأطفال.

وأكدت أن المقارنات اليومية التي يجريها الأفراد بين حياتهم الخاصة وما يُعرض عبر المنصات تخلق فجوة نفسية تُغذي مشاعر عدم الرضا، وقد تؤدي إلى الانفصال، خصوصاً في حال وجود قدوة سيئة من المشاهير الذين تنتهي زيجاتهم بالطلاق علناً.

وبيّنت أن هناك العديد من الحالات الزوجية التي تأثرت بما يُعرض من خلافات وحالات انفصال على مواقع التواصل، مشيرة إلى إحدى الحالات التي تكررت فيها الشكاوى من أن أحد الطرفين، بات يرى في الطلاق حلاً سهلاً أو خياراً طبيعياً، متأثراً بما يتابعه، فيما لجأ أزواج آخرون إلى استخدام تلك النماذج مبرراً لتصرفاتهم، ما أدى إلى زعزعة الاستقرار، وخلق فجوات عاطفية نتيجة المقارنات أو الغيرة أو التوقعات غير المنطقية، وهو ما تسبب في حالات انفصال فعلية.

وأكدت أن الأسرة تُعد خط الدفاع الأول في مواجهة التأثيرات السلبية للمحتوى الرقمي، مشددة على أن المسؤولية تبدأ منذ الطفولة، عبر غرس قيم الخصوصية والتمييز بين الواقع وما يُعرض على وسائل التواصل، وأن الحياة الزوجية ليست مشهداً درامياً، بل شراكة قائمة على التفاهم والاحترام، كما طالبت بتقديم نماذج حقيقية لعلاقات زوجية ناجحة تُبنى على الاحترام المتبادل.

وقالت استشارية الطب النفسي، الدكتورة أمل أبوالعلا، إن تحوّل الطلاق على مواقع التواصل إلى مادة درامية يتابعها المراهقون لحظة بلحظة، يُضعف قدسية العلاقة الزوجية، ويخلق صورة مشوشة عن الحب والارتباط لدى الجيل الجديد.

وأوضحت أن نشر قصص الطلاق المتكرر لمؤثرين على منصات التواصل يسهم فعلياً في تطبيع فكرة الطلاق، ورفع نسب الطلاق في المجتمع، حيث تتأثر فئة كبيرة من المراهقين بفكرة أن الزواج تجربة قابلة للفسخ دون عواقب نفسية أو اجتماعية.

وأشارت إلى أنه أصبح ملاحظاً تأخر سن الزواج لدى الشباب نتيجة هذه السلوكيات، إذ باتوا يرفضون فكرة الزواج من الأساس، ويسخرون منها، بينما يُظهر آخرون ميلاً للعلاقات السطحية أو المتعددة دون التزام، وهذه مؤشرات خطرة على اختلال صورة الأسرة لديهم، وضعف الإيمان بمفهوم «العلاقة المستقرة».

وأضافت: «رصدنا خلال جلسات العلاج النفسي، خصوصاً للمراهقين أو من مروا بتجربة انفصال الوالدين، حالات تأثر مباشر بتجارب طلاق مشاهير تابعوهم، ما عمّق لديهم مشاعر التشوش، وفقدان الثقة بوجود حب دائم أو شركاء مخلصين»، لافتة إلى أن هذا التأثير يظهر على شكل سخرية من الزواج، أو نفور من الارتباط، أو ميل للعلاقات السطحية، وأحياناً تطوّر مخاوف من الهجر والانفصال.

ودعت إلى ضرورة إدراج مناهج تعليمية تساعد الشباب على التمييز بين الواقع والمحتوى المضلّل على الـ«سوشيال ميديا»، إلى جانب أهمية توفير مرشدين نفسيين في المدارس، وفتح حوارات أسرية قائمة على الصراحة والتفهّم.

وقالت الأخصائية النفسية، حصة الرئيس، إن استعراض تفاصيل العلاقات الزوجية عبر وسائل التواصل تسيطر عليه أنماط نفسية، كالسعي الدائم للكمال، والغيرة، والتصنع أمام الجمهور، ما يتسبب في وضع علاقات الأزواج تحت ضغط شديد، خصوصاً مع رغبة المؤثرين في الظهور بصورة مثالية أحياناً، وفرض صورة الزوج الرومانسي أو الزوجة المثالية بشكل مبالغ فيه، على خلاف الواقع.

وأضافت أن مشاركة الحياة الشخصية على منصات التواصل تفقد العلاقة خصوصيتها، وتجعلها عرضة لتعليقات الجمهور وتدخّلاتهم، وهو ما يخلق بيئة خصبة للغيرة وسوء الفهم، بل وقد يؤدي إلى تصعيد الخلافات الزوجية بدلاً من حلّها، موضحة أن بعض حالات الطلاق العلني تُستخدم أحياناً كأداة لزيادة التفاعل أو إثارة الجدل على المنصات، مشيرة إلى أن هذا النوع من السلوك يُربك المتابعين، ويعزز لديهم شعوراً بعدم الأمان أو الخوف من الارتباط، خصوصاً لدى فئة الشباب الذين لم يخوضوا تجارب عاطفية سابقة.

وأكد المحامي والمستشار القانوني، أحمد الزرعوني، تنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد، محذراً من الاستخدام غير المنضبط لها، لاسيما عند تناول قضايا شخصية، مثل الخلافات الزوجية أو إعلان الطلاق.

وأضاف: «من واقع الممارسة القانونية، نؤكد أن نشر تفاصيل الحياة الأسرية أو المشاحنات الشخصية بشكل علني، سواء من قبل المؤثرين أو الأفراد، يحمل أبعاداً قانونية خطرة، وقد تترتب عليه تُهم بالتشهير أو انتهاك الخصوصية، وفق ما نص عليه المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية».

وأشار إلى أن بعض المنشورات التي تتضمن اتهامات أو تشويه سمعة الطرف الآخر، أو كشف أسرار العلاقة الزوجية، من الأفعال التي يعاقب عليها القانون الإماراتي، سواء بالغرامة أو الحبس، كما تفتح المجال للدعاوى المدنية بالتعويض.

وذكر واقعة نشرت فيها إحدى الزوجات رسائل مسيئة عبر مجموعة في تطبيق «واتس أب»، تضمنت شتائم واتهامات باطلة بحق الطرف الآخر، وهو ما اعتبرته المحكمة تشهيراً وانتهاكاً لخصوصية العلاقة الزوجية، وقضت بتغريمها 200 ألف درهم.

وأيد الزرعوني طرح مقترحات تشريعية وتنظيمية تجرّم نشر تفاصيل الحياة الزوجية عبر المنصات الرقمية، بهدف صون حرمة الأسرة، وحماية المجتمع من ممارسات قد تبدو شخصية، لكنها تنعكس بآثارها على النسيج الاجتماعي، خصوصاً على الأطفال، كما أيد ضرورة إرساء مدونة سلوك رقمي للمؤثرين، وتفعيل دور الجهات المختصة في الرقابة والتوعية والردع، بما يضمن التوازن بين حرية التعبير ومسؤولية النشر، لأن الحفاظ على قدسية العلاقة الأسرية واحترام الخصوصية يجب أن يكون أولوية مجتمعية وقانونية، وعلينا جميعاً العمل على ترسيخ هذا الوعي، خصوصاً في ظل تسارع الوسائط الرقمية وتوسع أثرها على سلوك الأفراد والمجتمعات.


الحيقي: الخصوصية الأسرية تستدعيقانوناً لحمايتها رقمياً

سالم الحيقي. أرشيفية

قال المحامي والمستشار القانوني، سالم سعيد الحيقي، إن الطلاق بين مشاهير منصات التواصل لم يعد مسألة شخصية بحتة، بل تحوّل إلى «محتوى» يتابعه الملايين، خصوصاً من فئة الشباب، ما يؤثر بالسلب في مفاهيم الخصوصية، والقيم المجتمعية، واستقرار الأسرة، ويُثير تساؤلات قانونية واجتماعية.

وأشار إلى أنه رغم وجود قوانين عامة تغطي الجرائم الإلكترونية والتشهير، إلا أن الوضع الحالي يستدعي قانوناً خاصاً بالخصوصية الأسرية الرقمية، يمنع استخدام الحياة الشخصية كوسيلة لكسب الشهرة أو التعاطف.

وقدم مجموعة من المقترحات القانونية والتنظيمية لحماية المجتمع من آثار الطلاق العلني، تشمل تغليظ العقوبات على من يستخدم منصات التواصل للإساءة للطرف الآخر بعد الطلاق، والسماح للمتضررين من النشر بطلب تعويضات مالية أعلى، خصوصاً عند وجود أطفال، كما اقترح إنشاء جهة إشرافية للإعلام الرقمي الشخصي تراجع المحتوى العائلي الحساس، إضافة إلى إدراج برامج في المدارس والجامعات عن «الخصوصية الرقمية وأثر المشاهير»، وإشراك المؤثرين في حملات لترويج العلاقات الصحية عبر الإنترنت.

• أكثر من 50% من إجمالي حالات الطلاق خلال السنوات الخمس الماضية لأزواج وزوجات حاصلين على مؤهلات عليا.

شاركها.