للبيت الكبير أو «البيت العود»، مكانة خاصة، لاسيما في المناسبات الاجتماعية مثل الأعياد.

كما أن للعيد شعوراً خاصاً في منزل العائلة، الذي يعدّ ملتقى أجيالها، ومنبع ذكرياتهم، إذ يتلاقى فيه الصغير والكبير، والجد والحفيد، في أجواء عائلية دافئة.

وأكد مختصون ومواطنون وأطفال لـ«الإمارات اليوم» أن «البيت العود» ضرورة اجتماعية ونفسية، ومصدر للأمان والذكريات الجميلة.

وتفصيلاً، قال المستشار النفسي والأسري في جمعية النهضة النسائية، الدكتور جاسم المرزوقي، إن زيارة «البيت العود» لا تُعد مجرد عادة اجتماعية، بل تمثل حاجة نفسية أساسية، تعزز مشاعر الانتماء والدفء الأسري، لاسيما خلال الأعياد. وأضاف أن «البيت العود» يشكّل الجذر المشترك الذي يجمع أفراد العائلة، والعودة إليه ترسّخ معاني الامتداد والتواصل بين الأجيال.

وأوضح أن اجتماع الأبناء والأحفاد في مكان واحد، يسهم في ترميم العلاقات، وتقوية الروابط الأسرية، وتصفية النفوس من الخلافات التي قد تطرأ بفعل انشغالات الحياة اليومية.

وتابع: «هذه اللقاءات، من منظور نفسي، تسهم في خفض مشاعر العزلة، وتعزيز الأمان والطمأنينة، خصوصاً لدى كبار السن، الذين ينتظرون مثل هذه المناسبات بفارغ الصبر، ليشعروا بأنهم لايزالون في قلب الأسرة ومحل تقديرها».

«البيت العود»

وقال المدرب والمستشار الأسري في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، الدكتور إسماعيل كامل البريمي، إن وسائل التكنولوجيا الحديثة أسهمت في تقريب المسافات، لاسيما مع الأهل والأقارب البعيدين، إلا أنها لا تُعوض دفء اللقاءات المباشرة في العيد.

وأضاف أن: «مكالمات الفيديو والرسائل (السوشال ميديا) قد تُخفف الشعور بالغربة، لكنها لا تنقل حرارة السلام، ولا تُجسد لحظة حضن الأم أو نظرة الجدة عند اجتماع الأبناء حولها».

وأضاف أن العيد ليس مجرد منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هو مناسبة حقيقية تُعاش بالمشاعر واللقاءات والصوت والضحكة، التي لا يمكن استبدالها بوسائل الاتصال الحديثة.

وفيما يخص أهمية ربط الشباب بتقاليد العيد، شدد على ضرورة أن يُبادر الآباء والأمهات بأخذ أبنائهم إلى المجالس العائلية، ليتعلموا أن العيد ليس فقط ملابس جديدة، بل هو احترام للكبير، وعطف على الصغير، والمشاركة في العادات الأصيلة داخل «البيت العود».

وأوضح أنه «حين يساعد الأبناء في صب القهوة أو استقبال الضيوف أو توزيع العيدية، يشعرون بقيمتهم، ويتعلقون أكثر بالمجالس، ويتعلمون لغة الحوار والسنع الإماراتي وإكرام الضيف».

وعن دور الأجداد في نقل القيم الدينية والاجتماعية، شرح البريمي أن الأجداد هم تاج المجالس، وسند العائلة، وبوجودهم تتجسد معاني الرحمة، ويُستشعر المغزى الحقيقي للعيد. واستشهد بقول النبي: «البركة مع أكابركم»، مشيراً إلى أن «الأجداد هم الذاكرة المتحركة التي تربط الحاضر بالماضي، وتحمل بين طياتها الخبرات والعبر، وقصص الحياة التي تربط بين تعاليم الدين والعادات الإماراتية الأصيلة».

تفاصيل العيد

وحول قيمة «البيت العود» في العيد، أكدت منى الحاي أن «اجتماع الأبناء والأحفاد حول الجد والجدة خلال أيام العيد هو مشهد إنساني عظيم، ونعمة لا تُقدّر بثمن».

وأضافت أن «البيت العود» يرمز إلى العز والسند والأمان، وأن زيارته خلال العيد تُجسد روح الترابط الأسري، حيث يحرص الأقارب من مختلف الأماكن على الحضور والسلام على كبار العائلة، ما يعكس عمق المحبة وصدق التواصل بين الأجيال.

وشدّدت على أهمية الحفاظ على هذه العادة الأصيلة، التي تُعد من أبرز مظاهر العيد في المجتمع الإماراتي.

واستذكرت روضة الشحي أجمل التفاصيل تحت سقف البيت العود، حيث «تجتمع الهيبة والوقار والعطاء، وتُقدَّم القهوة العربية من أيدي البنات، إلى جانب أطباق العيد التقليدية مثل اللقيمات والجباب ودلة القهوة، التي تعبّر عن كرم الضيافة وروح الأصالة. ولكل من يدخل البيت مكانته، فالصغير مُرحّب به، والكبير مُقدَّر، والكل يُعامل بمحبة واحترام».

وقالت: «في زوايا البيت، تبقى روائح العود والعطر الإماراتي شاهدة على حضور لا يغيب، وذكريات لا تُنسى. حتى من رحلوا عن الدنيا، تبقى ذكراهم حيّة، وأثرهم ظاهراً في كل ركن، كأنهم لايزالون بيننا.. فالبيت العود، بما يحمله من ذكريات ومناسبات ونجاحات، يظل مصدراً للدفء، ومرآة لهوية لا تغيب».

مذاق لا ينسى

واستعادت لبنى الحاي ذكريات الطفولة في العيد، مشيرة إلى أن «أجمل اللحظات كانت برفقة الجد والجدة، والخالات والجيران، حيث كان الأطفال يحرصون على السلام على جميع كبار العائلة للحصول على العيدية، التي كانت آنذاك تراوح بين درهم وخمسة دراهم».

وأضافت: «جدتي، رحمها الله، كانت تحرص على إسعادنا، وكانت تحضر لنا المفاجآت، مثل رقائق البوفاك، التي كنا نتسابق للحصول عليها».

وأوضحت أن «جولة العيدية لم تكن تقتصر على بيت العائلة، بل كانت تمتد إلى منازل الجيران، في مشاوير طويلة سيراً على الأقدام، سواء في الصيف أو الشتاء، بحثاً عن العيدية الأعلى، حيث يُعدّ من يجمع المبلغ الأكبر مميزاً بين الأطفال».

كما تحدثت الحاي عن أجواء العيد داخل البيت العود، حيث لا تكتمل الفرحة إلا بتناول الحلويات التقليدية، مؤكدة أن «هناك أنواعاً من الشوكولاتة لها طابع خاص في الذاكرة، إذ كان لكل طفل نكهته المفضلة، بينما بقيت شوكولاتة البرتقال من أغرب النكهات التي كانت تفضلها». وأشارت أيضاً إلى نوع من البسكويت المحفوظ في علبة زرقاء معدنية، كان يقبل عليه جميع الأطفال، ووصفته بأنه «هش، لذيذ، ومغطى بالسكر».

الجيل الجديد والحنين

وحول الحنين لذكريات العيد في «البيت العود» لدى جيل الشباب، قالت ميرة علي (21 عاماً): «عندما كنت طفلة، كنت أستيقظ صباح العيد بحماسة كبيرة، وأرتدي أجمل ثوب استعداداً لتلقي العيدية، وكان هدفي الأكبر هو جمع أكبر مبلغ ممكن منها».

وأضافت: «أما اليوم، فقد تغيّرت أولوياتي، ومازالت الأناقة جزءاً من الاستعداد، لكن الأهم هو لقاء الأهل، ومشاركة الأطفال فرحتهم، وقضاء وقت عائلي دافئ لا يُعوّض».

لمة الأهل

وأكدت نورة محمد أن أجمل ما في العيد لمة الأهل والعائلة، مشيرة إلى أن فرحة الطفولة ارتبطت بجولات العيدية من بيت إلى آخر.

وقالت: «كنا ننتظر بفارغ الصبر اللحظة التي نخرج فيها مع الأصدقاء لزيارة البيوت في الفريج، ونجمع العيدية من كل منزل. وبعض البيوت كانت تُعرف بالعصائر الباردة، وأخرى بالحلويات، مثل المصاص، وكنا نلقّبها بأسماء مثل بيت الفيمتو، وبيت المصاص».

وقالت: «على الرغم من بساطة التفاصيل، إلا أنها غرست لدى الأطفال فرحة لا توصف، حيث كانوا يدخلون المجالس، ويصافحون الجميع، ما يبعث فيهم انتماءً جميلاً يصعب تكراره».

وتابعت: «اليوم تغيّر الدور، وأصبحنا نحن من يوزّع العيديات، وهي تجربة لها طعم مختلف، لكنها لا تضاهي حماسة الطفولة، ولفّة البيوت. نتمنى أن تعود هذه العادة الجميلة في السنوات المقبلة، خاصة أن الأجواء تتحسن عاماً بعد عام».

صنع البهجة

ورأت عفراء عبدالباسط أن الجد والجدة يشكلان روح العيد، مشيرة إلى أن وجودهما يضفي على المناسبة طابعاً خاصاً ومعنى أعمق لمنزل العائلة.

وقالت: «من دونهما يفقد العيد جزءاً كبيراً من جماله، فابتسامتهما، ودعواتهما، وأحاديثهما البسيطة تصنع جواً من الطمأنينة لا يُعوّض».

وعن عيدية الجد والجدة، قالت إنها تختلف عن غيرها، فهي ليست مجرد مبلغ نقدي، بل تحمل رمزية خاصة، تعبّر عن الحب والاهتمام. وأشارت إلى أن ما يميز العيدية هو أنها تُعطى من قلوب صادقة، وأيدٍ كريمة اعتاد الأحفاد منها الدعاء والعطاء، لذلك تظل الأقرب إلى قلوبهم مهما كبروا.

فرحة أخرى

وحول بهجة العيد في عيون الأطفال، قالت الطفلة مدية علي (8 سنوات)، إن بيت جدتها في العيد هو المكان الأحب إلى قلبها، لأنه يجمع العائلة من الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبنائهم وبناتهم، في أجواء مبهجة تتضمن الحلويات، والعصائر، والعيديات.

أما سعيد علي (14 عاماً)، فأكد أن زيارة بيت الجدة خلال العيد تمثل لحظة مميزة، لأنها تجمع الأقارب الذين لا يلتقي بهم دوماً.

وأضاف: «أجمل لحظات العيد ارتداء الثياب الجديدة، ورؤية جدتي، والحصول على العيدية، إضافة إلى الصور الجماعية التي نوثق بها هذه الذكريات مرتين في السنة».

الدكتور إسماعيل البريمي:

• المكالمات والرسائل تُخففان الشعور بالغربة.. لكنهما لا تُجسدان لحظة حضن الأم أو نظرة الجدة عند اجتماع الأبناء حولها.

شاركها.