نظراً للتاريخ الفوضوي لتدخل الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يُفترض أن دول وشعوب المنطقة تُعارض بشكل موحد حرب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتصاعدة على قوارب المخدرات المزعومة واحتمال تغيير النظام في فنزويلا. ولكن الواقع أكثر تعقيداً وتفصيلاً بكثير.

كانت ردود الفعل الإقليمية على الحملة العسكرية، واحتمال قيام الولايات المتحدة بعملية عسكرية ضد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، متباينة، على الرغم من العواقب المتتالية لضربات القوارب والآثار الجيوسياسية واسعة النطاق للوضع.

ويمكن تفسير ذلك جزئياً بالانقسامات الأيديولوجية في المنطقة. وكان قادة اليسار في كولومبيا والمكسيك والبرازيل أكثر المنتقدين صراحة للضربات، ولكن بدرجات متفاوتة. وفي الوقت نفسه، انحازت الدول التي يقودها قادة يمينيون، مثل باراغواي والأرجنتين والإكوادور، بشكل عام إلى نهج إدارة ترامب تجاه الاتجار بالمخدرات ومادورو، بما في ذلك اتباع خطى واشنطن وتصنيف كارتل «دي لوس سوليس»، الذي يتخذ من فنزويلا مقراً له، كمنظمة إرهابية.

ومع ذلك حتى أقرب حلفاء إدارة ترامب من اليمين في المنطقة، مثل رئيس السلفادور نجيب بوكيلة، لم يبذلوا جهداً كبيراً لتقديم دعم علني لضربات القوارب، على الرغم من أن التقارير تشير إلى أن الدولة الواقعة في أميركا الوسطى قد تستضيف طائرات أميركية تشارك في العملية.

وقال أستاذ العلاقات الدولية وعميد جامعة «توركواتو دي تيلا» في بوينس آيرس، خوان غابرييل توكاتليان، إن «مستوى الانقسام الذي نشهده اليوم بين دول أميركا اللاتينية هو الأكثر دراماتيكية في نصف القرن الماضي».

تركيبة سياسية

وهذا لا يعني أن دول أميركا اللاتينية كانت دائماً متفقة أو أن التركيبة السياسية للمنطقة تميل إلى أن تكون متجانسة، حتى إن نظرة سريعة على تاريخ المنطقة تُظهر أن هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، لكن توكاتليان قال:

«إن هناك أوقاتاً في الماضي تضافرت فيها جهود دول أميركا اللاتينية ضد مختلف الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة».

وأشار إلى مجموعة «كونتادورا»، التي شكّلتها المكسيك وبنما وكولومبيا وفنزويلا في أوائل الثمانينات رداً على الأزمة في أميركا الوسطى التي لعبت إدارة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان دوراً رئيساً في إثارتها من خلال دعمها للحكومات اليمينية والقوى المعادية للشيوعية.

وأضاف توكاتليان: «لكن اليوم لا توجد ساحة رئيسة يمكن أن تتعاون فيها أميركا اللاتينية»، فقد تم «تدمير» اتحاد دول أميركا الجنوبية، وأصبحت جماعة دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي «عديمة الفائدة».

ويبدو أن منظمة الدول الأميركية قلقة من أن انتقاد العملية الأميركية سيؤدي إلى عقوبات اقتصادية من قِبل الرئيس ترامب، وفقاً لتوكاتليان.

وفي الواقع يبدو أن القلق بشأن ميل ترامب إلى استخدام القوة الاقتصادية الأميركية كسلاح دبلوماسي، لاسيما مع استمراره في انتقاد أميركا اللاتينية بشأن الهجرة، هو أحد أكبر العوامل التي تدفع القادة إلى الاستجابة للوضع.

ولم يتردد بعض القادة في اتخاذ موقف قوي ضد العملية الأميركية. فقد أدان الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو بشدة الغارات، متهماً إدارة ترامب بارتكاب جرائم قتل، كما أدانت الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، والرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا داسيلفا الضربات والوجود العسكري الأميركي في منطقة البحر الكاريبي.

ومع ذلك كان داسيلفا وشينباوم، اللذان اضطرا إلى توخي الحذر في تعاملهما مع ترامب وسط خلافات حول التجارة والرسوم الجمركية، أكثر تحفظاً في انتقاداتهما من بيترو، فيما قد يكون محاولة لتجنب غضب ترامب الاقتصادي.

خفض المساعدات

ورد ترامب على إدانة بيترو ضرب القوارب بخفض المساعدات المقدمة إلى كولومبيا، التي تُعتبر تقليدياً حليفاً رئيساً للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية. لكن بيترو، الذي أشار إليه ترامب أيضاً بـ«زعيم المخدرات غير الشرعي»، لم يتراجع عن انتقاداته الحادة للرئيس الأميركي.

من جهته، قال زميل دراسات أميركا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية، ويل فريمان، إن نهج بيترو «ليس مفاجئاً». وأضاف فريمان أن صراعاً كهذا هو «خبز بيترو وزبدته»، مشدداً على أن الزعيم الكولومبي بنى مسيرته السياسية بكونه «نوعاً من المحرضين المستعدين لتحمل النيران لقولهم أشياء غير شعبية، لكنها غالباً ما تكون صحيحة».

وقال فريمان: «حقيقة إنه يحرق كل جسوره مع الولايات المتحدة، وإنه غير عملي تماماً، لكنه يحاول تحويل ذلك إلى خطاب سياسي في بلاده، ليست مفاجأة»، مضيفاً أن قادة مثل شينباوم ولولا «أكثر حذراً وواقعية».

وعلى الجانب الآخر برزت رئيسة وزراء ترينيداد، كاملا بيرساد، بدعمها الحماسي للعملية وترحيبها بتعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. ولم تؤيد إعلان دول بحر الكاريبي، الشهر الماضي، الذي دعا إلى إعادة تأكيد مبدأ بقاء المنطقة «منطقة سلام». وذكر الإعلان أن مجموعة دول الكاريبي تظل ملتزمة بمكافحة تجار المخدرات، لكنه شدد على أن الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات يجب أن يتم تسهيلها من خلال التعاون العالمي واحترام القانون الدولي.

وربما كانت بيرساد أكثر قادة المنطقة صراحة في دعمها للعملية الأميركية. وفيما يتعلق بمهربي المخدرات قالت إن «على الولايات المتحدة قتلهم جميعاً بلا رحمة»، كما سمحت رئيسة ترينيداد أخيراً لسفينة حربية أميركية بالرسو في عاصمة البلاد، على الرغم من المخاوف الواضحة من الجمهور بشأن الإضرابات والاحتجاجات الأخيرة خارج السفارة الأميركية في «بورت أوف سبين»، عاصمة البلاد.

عن «فورين بوليسي»


قوانين الحرب

يزيد الجيش الأميركي من وجوده في منطقة البحر الكاريبي، بما في ذلك نشر مدمرات مزودة بصواريخ موجهة وطائرات مقاتلة من طراز «إف 35» وغواصة نووية وآلاف الجنود.

وبالإضافة إلى أحدث ضربة، نفذت الولايات المتحدة 10 هجمات على سفن يشتبه في أنها سفن مخدرات في البحر الكاريبي والمحيط الهادي، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 40 شخصاً. ولم تقدم وزارة الحرب (البنتاغون) معلومات تُذكر، لكن وزير الحرب، بيت هيغسيث، يقول إن بعض تلك الهجمات كانت ضد سفن بالقرب من فنزويلا.

وأثارت الهجمات قلق بعض خبراء القانون والمشرّعين من الحزب الديمقراطي، الذين يثيرون تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه الهجمات تلتزم قوانين الحرب. وكانت «رويترز» أول من أبلغ عن نجاة اثنين يُعتقد أنهما مُهربا مخدرات من هجوم عسكري أميركي في البحر الكاريبي، الأسبوع الماضي. وتم إنقاذهما ونقلهما إلى سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية قبل إعادتهما إلى بلديهما كولومبيا والإكوادور.

ويقول الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إن الولايات المتحدة تأمل إبعاده عن السلطة. وزادت واشنطن في أغسطس مكافأتها لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال مادورو إلى 50 مليون دولار، متهمة إياه بالارتباط بتهريب المخدرات وعصابات إجرامية، وهو ما ينفيه الرئيس الفنزويلي.

. يبدو أن القلق بشأن ميل ترامب إلى استخدام القوة الاقتصادية الأميركية كسلاح دبلوماسي، لاسيما مع استمراره في انتقاد أميركا اللاتينية بشأن الهجرة، هو أحد أكبر العوامل التي تدفع القادة إلى الاستجابة للوضع.

شاركها.