أكد رئيس المجلس الوطني الاتحادي، صقر غباش، أن دولة الإمارات أرست، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، فلسفة وطنية إماراتية في التعامل مع التحولات التقنية الكبرى، تقوم على أن الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لإعلاء قيمة الإنسان، مثلما هي أداة لتعزيز رفاهيته وتطوره، ومن هنا جاءت الرؤية الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 لتجعل من التقنية أداة للتنمية المستدامة، وتربط بين الطموح العلمي والبعد الإنساني، وحتى البيئي، ولقد تجلت هذه الرؤية في مشروع «ستارجيت الإمارات» باعتباره أضخم مجمع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، وهو الأول عالمياً الذي يستخدم الطاقة النظيفة في تشغيله.

جاء ذلك في كلمة افتتح بها أعمال المنتدى البرلماني حول أفضل الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي نظمه المجلس الوطني الاتحادي، أمس، في قاعة زايد بمقر المجلس بأبوظبي.

وقال صقر غباش: «لقد أمسى الذكاء الاصطناعي قوة كبرى تعيد تشكيل مفاهيم السياسة والاقتصاد، وأسس الحوكمة والسيادة، وحتى قواعد العلاقات المجتمعية والإنسانية، وهو ما يفرض على البرلمانات إعادة تعريف وظيفة التشريع في هذا العصر الذي لم تعد فيه الوحدة الزمنية تقاس بمؤشر الشهر أو السنة، بل بمعيار الدورة التقنية التي باتت تضع الدول والمجتمعات في كل يوم أمام التحدي الذي لا ينحصر في مواكبة هذه التطورات التقنية، بل في كيفية توجيهها نحو خدمة الإنسان، وضمان عدم إضرارها بسلامة المجتمعات».

وأضاف: «إننا مطالبون، من خلال مؤسساتنا البرلمانية الوطنية والإقليمية والدولية، وبالتعاون مع المؤسسات الدولية المعنية، بتبني معايير تشريعية تتوافق مع الطبيعة العابرة للحدود للذكاء الاصطناعي، وقادرة على التعامل مع نطاق وسرعة المتغيرات الدولية المصاحبة له».

من جهته، قال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم بن محمد البديوي، في كلمة له بعنوان «أفضل الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي»: «لم يعد الذكاء الاصطناعي ترفاً فكرياً أو حواراً أكاديمياً محصوراً في قاعات الجامعات، بل أضحى عنصراً أساسياً في حياتنا اليومية، يوجّه القرارات، ويؤثر في الاقتصادات، ويعيد تشكيل أنماط العمل والإنتاج وأساليب التواصل بين الأفراد والمجتمعات، وهو يفتح آفاقاً رحبة في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والاقتصاد والخدمات، غير أن هذه المكاسب تصاحبها تحديات كبرى تفرض على المجالس التشريعية مسؤولية مضاعفة، وهنا يبرز دور التشريع في بناء أطر قانونية متجددة تحقق التوازن بين أمرين أساسياً: تشجيع الابتكار والانفتاح على التطوير، وحماية الحقوق وصون القيم الإنسانية والمجتمعية».

وأفاد الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي، مارتن تشونغونغ، بأن الممارسات التشريعية في مجال الذكاء الاصطناعي أصبحت قضية ذات أولوية متقدمة على جدول أعمال الاتحاد البرلماني الدولي.

وأكد الحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي والإقليمي، قائلاً: «إن الذكاء الاصطناعي لا يعترف بالحدود، والخوارزميات التي تشغل محركات البحث، والنماذج التي تولد المحتوى، والأنظمة التي تتخذ قرارات حيوية كلها تتدفق عبر حدود دولنا بسلاسة، ونحتاج إلى تنسيق في المعايير، وفي تقييم المخاطر، وفي الضمانات الأساسية»، مشيراً إلى كيفية تحقيق التوافق الدولي دون المساس بالسيادة الوطنية والاستقلال الديمقراطي.

واستعرض طبيعة الذكاء الاصطناعي كتحدٍّ للبرلمانات نفسها، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد موضوع تنظيمي للبرلمانات، بل هو قوة ستعيد تشكيل المؤسسة البرلمانية ذاتها، لافتاً إلى أن التحديات تتمثل في أسئلة مفتوحة، ستتضح إجاباتها مع مرور الوقت: كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على عمليات اتخاذ القرار داخل البرلمانات؟ وهل سنستخدم أدواته لتحليل التشريعات والتفاعل مع المواطنين؟ إضافة إلى التعامل مع القضايا السياسية.

وتطرق إلى ما يمكن أن تفعله البرلمانات من خلال إنشاء هياكل متخصصة داخل البرلمان والحكومة للإشراف على الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في الثقافة الرقمية والذكاء الاصطناعي على جميع المستويات، وتبني نهج تشاركي متعدد الأطراف يشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والمواطنين المتأثرين مباشرة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على ضرورة العمل الجماعي وألا نكرر أخطاء حوكمة الإنترنت التي أدت إلى تركّز الثروة والسلطة في أيدي قلة من الشركات والدول.

وأكد أهمية تطوير رؤية إيجابية للعلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسانية، وأن نعمل بإصرار لتحقيقها، تقوم هذه الرؤية على التعاون المتزايد، وإدراك أننا جميعاً في قارب واحد، واستخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة احتياجات الناس الحقيقية، لتحسين الرعاية الصحية، وتعزيز التعليم، وحل مشكلات المواطنين اليومية، فالذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أداة لازدهار الإنسان، لا غاية بحد ذاته.

وتم خلال المنتدى إطلاق حزمة المجلس الوطني الاتحادي لأدوات الذكاء الاصطناعي البرلماني بعنوان «من الفكرة إلى التشريع: رحلة الذكاء الاصطناعي»، وهي أدوات متكاملة تعزز كفاءة التشريع، وتجعل الرقابة أكثر ذكاء، والحوكمة أكثر استعداداً للمستقبل، وهي منظومة متكاملة لبرلمان أكثر استعداداً للمستقبل.

وتتألف الحزمة من ثلاث ركائز أساسية، الأولى سياسة الذكاء الاصطناعي في المجلس الوطني الاتحادي، وتمتد لتشمل محاور متعددة من المبادئ الأخلاقية وتطبيقاتها العملية والتوعية وبناء القدرات وإدارة التحديات والتحسين المستمر للأنظمة، والثانية لائحة أخلاقيات استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في المجلس، التي تشكل إطاراً تشريعياً عصرياً لتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والفعالية في أنشطة الدعم البرلماني لتنظم الالتزامات الأخلاقية والضوابط التقنية لاستخدام الذكاء الاصطناعي وأحكام الحوكمة والرقابة، وتجمع بين الطابع المؤسسي الرصين والروح المستقبلية الطموحة. والركيزة الثالثة دليل أدوات الذكاء الاصطناعي في الأعمال البحثية البرلمانية، ويعد خريطة طريق مبتكرة يقدم رؤية متكاملة لمجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن توظيفها كأدوات مساعدة في الأعمال البحثية البرلمانية، ويضم 39 أداة متخصصة للذكاء الاصطناعي ليعد مرجعاً علمياً شاملاً، يعكس التزام المجلس الوطني الاتحادي بالريادة في تبني الحلول التقنية الحديثة.

كما صاحب المنتدى معرض تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي تم تنظيمه بالتعاون مع شرطة أبوظبي.

وناقشت الجلسة الأولى «الدور التشريعي للمجالس التشريعية الخليجية في حوكمة الذكاء الاصطناعي الواقع، التحديات، وآفاقه المستقبلية»، والتي أدارها الأمين العام المساعد للتشريع والرقابة في المجلس الوطني الاتحادي، الدكتور سيف سعيد المهيري، وتحدث فيها كل من عضو مجلس الشورى السعودي،الدكتورة إشراق الرفاعي،وعضو المجلس الوطني الاتحادي،وليد المنصوري،وعضو مجلس الشورى العماني،الدكتور أحمد السعدي، وعضو مجلس الشورى البحريني،صادق عيد آل رحمه،ومدير إدارة التشريع في مجلس الشورى القطري،محمد إبراهيم الشيخ.

وأكد المشاركون في الجلسة حرص المجالس التشريعية الخليجية على بناء منظومات متقدمة وآمنة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وأن المنظومات التشريعية في الخليج تتطور بشكل متسارع، وكل دولة تخطو بثقة نحو بناء أطر متكاملة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، وأن هناك تحديات دقيقة تتطلب توازناً بين الابتكار والمساءلة، لاسيما في القطاعات الحساسة، ويوجد توافق عام على أهمية التعاون الخليجي، سواء في توحيد المبادئ أو إطلاق أدوات مشتركة، مثل نظام قانون استرشادي لحوكمة الذكاء الاصطناعي ومختبر الأثر التشريعي.

وقال وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، عمر سلطان العلماء، في جلسة بعنوان «الشراكة التشريعية والتنفيذية في عصر الذكاء الاصطناعي نحو تناغم برلماني حكومي فعال»، إن دولة الإمارات تعمل بفعالية مع الجميع للمستقبل بإيجابية وبإصرار وعزيمة، لوضع أفضل التشريعات للحد من التحديات واستثمار الفرص، مستعرضاً نهج دولة الإمارات في التعامل مع أية تقنيات من خلال استثمار الفرص والتعامل مع التحديات، مؤكداً أهمية أن تكون التشريعات أسرع وأكثر استباقية وقادرة على متابعة هذه التقنيات.

وقال: «إن دولة الإمارات تدمج الذكاء الاصطناعي في صنع القرار الحكومي، وقامت بمنح عضوية استشارية للذكاء الاصطناعي في مجلس الوزراء، وأنها لا تكتفي بالاستجابة للمتغيرات بل هي صانعة للأساس الذي تبنى عليه التحولات الكبرى، وأطلقت الدولة الميثاق الوطني لتطوير استخدام الذكاء الاصطناعي، وأول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين في الحكومة، ووضعت سياسة اللجنة الوطنية للانتخابات باستخدام الذكاء الاصطناعي».

وأشار إلى أهمية التكامل بين الأطر التشريعية والتنفيذية لضمان حوكمة رشيدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، مع تسليط الضوء على آليات التنسيق المثلى بين الجهات الحكومية والبرلمانية لصياغة منظومة تشريعية مرنة تواكب التطور التكنولوجي المتسارع وتحمي مصالح المجتمع.

واستعرض التجربة الإماراتية بين النماذج العالمية الكبرى في تطبيق تشريعات الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن الإمارات تقدم مساراً ثابتاً متوازناً بتشريعات استباقية مرنة ببعد دولي واضح.

وتحدث المصمم والمؤلف قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي،غابرييل مازيني،في جلسة بعنوان «نحو إطار تشريعي خليجي موحد للذكاء الاصطناعي دروس من قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي»، عن مسألة بناء إطار تشريعي خليجي موحد للذكاء الاصطناعي، مستعرضاً التجربة الأوروبية في وضع أول تشريع ينظم استخدام هذه التقنيات على مستوى عالمي، مشيراً إلى كيفية تكييف تلك التجربة بما يتناسب مع خصوصية البيئة الخليجية، وتعزيز التكامل التشريعي بين دول المجلس لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي، ودعم تنافسية المنطقة في الاقتصاد الرقمي العالمي.

وتناول رئيس تنفيذي في شركة أي آر فايف للاستشارات والتدريب،المهندس ناصر الراشدي، في جلسة بعنوان «موضوع الذكاء الاصطناعي والمجتمع»، التجربة الشخصية للمتحدث في عالم الذكاء الاصطناعي، مستعرضاً عدداً من الدوافع والقصص الواقعية التي قادته إلى هذا المجال، كما تناول التحديات التي واجهها في تنفيذ مشاريع ذات بعد اجتماعي، مع تسليط الضوء على المهارات الإنسانية التي ستظل ذات أهمية متزايدة في عصر الذكاء الاصطناعي.

وعقدت جلسة حول «الرئيس التنفيذي في عصر الذكاء الاصطناعي: قيادة التحول»، أدارتها الإعلامية أميرة محمد، وتحدث فيها المدير التنفيذي لقطاع الاتصالات والرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، مبارك إبراهيم، والمدير التنفيذي لقطاع رقمنة الموارد البشرية في الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية،محمد الشارد، والأمين العام المساعد للتطوير المؤسسي في الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي، المهندس مطر المهيري.

واستعرضوا الدور المحوري للمديرين التنفيذيين في قيادة التحول الرقمي داخل مؤسساتهم، من خلال تبادل الخبرات والرؤى حول بناء الثقافة المؤسسية المناسبة، وصياغة الاستراتيجيات الفعالة، ومعالجة تحديات إعادة هيكلة القوى العاملة في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي.

وأكدوا أهمية استخدام الأمن والمسؤول للذكاء الاصطناعي خاصة في القطاعات الحيوية، وتطبيق التشريعات وتطوير السياسات، والتركيز على التدريب والتأهيل للموارد البشرية والتأني في التعامل مع الذكاء الاصطناعي واختيار الأفضل والتركيز على الإنسان، وأن تكون هناك استراتيجية لدى المؤسسات الحكومية للتعامل مع الذكاء الاصطناعي.

عمر العلماء:

• دولة الإمارات تدمج الذكاء الاصطناعي في صنع القرار الحكومي.

شاركها.