أكد أطباء أن توافد أفراد على أقسام الطوارئ والعيادات من أجل طلب إجازة مرضية من أشغالهم بسبب شعورهم العام بالمرض، يرتبط باضطراب نفسي يُعرف بـ«متلازمة الافتعال»، مشددين على وجود فارق كبير بين هؤلاء المرضى النفسيين، وآخرين يأتون للغرض نفسه إلا أنهم أصحاء، ويدّعون المرض للتهرب من المسؤولية المهنية.
وأشاروا إلى أسباب نفسية عدة تتسبب في الوصول بالمريض إلى تلك المتلازمة، وفي بعض الحالات تكون مدفوعة بهرب الشخص من ضغوط نفسية أو مهنية تفوق قدرته على التحمّل، أو يكون الشخص لديه قلق أو خوف داخلي من تحمّل المسؤوليات، فيندفع نحو اتخاذ المرض وسيلة للهرب من تلك الضغوط والمسؤوليات، أو لكسب تعاطف المحيطين، أو للفوز بمكاسب ثانوية، مثل تخفيف المهام الموكلة إليه أو تسهيل ظروف العمل.
وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن هناك خمسة إجراءات تساعد الأطباء على التفريق بين ما إذا كان المراجع يدّعي المرض أو لا، تشمل «الاستفسار المباشر عن سبب الزيارة، وإجراء تقييم سريري شامل، وملاحظة تكرار الزيارات غير المبررة لأقسام الطوارئ، والرجوع إلى السجل الطبي للمريض للاطلاع والتحقق من وجود تاريخ مرضي من عدمه، وتحقيق تواصل واضح وحيادي مع المراجع، من دون إصدار أحكام مسبقة لفهم الدافع الحقيقي وراء طلب الإجازة»، وفي حال غياب المبرر الطبي الواضح يتم الامتناع عن منح الإجازة الطبية، حفاظاً على مصداقية التقارير وضماناً للمصلحة العامة.
وتفصيلاً، أوضحت أخصائية علم النفس، الدكتورة ريهام عمار، أن بعض الأفراد يشعرون بالمرض، وتظهر عليهم أعراض جسدية، ما يدفعهم إلى طلب الحصول على إجازة من العمل، أو تقليص بعض الالتزامات اليومية أو المهنية، مؤكدة أن هذا السلوك يرتبط في كثير من الأحيان بعوامل ودوافع نفسية عميقة، سواء كانت شعورية أو لا شعورية.
وأضافت أن الأسباب النفسية التي تقف خلف هذا السلوك متعددة، ففي بعض الحالات يعجز الشخص عن تحمل ضغوط نفسية أو مهنية، وفي حالات أخرى يكون لديه قلق أو خوف داخلي من تحمّل المسؤوليات، وهنا تبدأ رغبته في الحصول على إجازة، نتيجة شعوره العام بالقلق المستمر أو التعب أو المرض، وفي هذه الحالة يكون الشخص مصاباً بـ«متلازمة الافتعال»، وقد يلجأ المصاب النفسي بهذه المتلازمة، إلى سلوكيات أخرى مختلفة لكسب تعاطف المحيطين، أو لتحقيق مكاسب ثانوية، مثل تخفيف المهام الموكلة إليه أو تسهيل ظروف العمل.
وأكدت أن هذه السلوكيات لا تكون دائماً مقصودة أو مدرَكة من قبل الشخص، لأنه يلجأ إليها بشكل لا شعوري نتيجة امتلاكه آليات تكيف ضعيفة في مواجهة التحديات أو الضغوط اليومية، مبينة أن ذلك على خلاف أشخاص آخرين، يجدون في ادعاء المرض وسيلة للفت الانتباه أو حتى للاستمتاع الشخصي بشعور التلاعب بالآخرين وخداعهم، دون وجود مرض فعلي.
وبيّنت أن الضغوط النفسية التي تؤدي إلى الإصابة بالمتلازمة، قد تكون ة بالعمل، أو بالحياة الشخصية، أو غيرها من الظروف المحيطة، لكنها تترجم مشاعره إلى أعراض بدنية يشعر معها بالميل نحو تجنب الواقع أو التهرب من الالتزامات.
وأكدت أن هذه الحالات تمر كثيراً على العيادات النفسية، لافتة إلى أن العلاقة بين الأعراض الجسدية والحالة النفسية للفرد وثيقة للغاية، خصوصاً عندما يكون الشخص تحت ضغط مستمر، ويعاني ضعفاً في أساليب المواجهة، مضيفة أن تشخيص هذه الحالات يتطلب تقييماً نفسياً دقيقاً، يتم من خلاله تحليل الضغوط التي يتعرض لها الشخص، ومعرفة ما إذا كانت دوافعه مدركة شعورياً، أم أنها تصدر منه دون وعي، لتحديد ما إذا كان الشخص يدرك حقيقة سلوكه، أم أنه يتصرف بناءً على دوافع نفسية دفينة لا يستطيع تفسيرها.
وأكدت أخصائية طب الطوارئ، الدكتورة مي خلفان الكتبي، أن هناك مرضى يراجعون أقسام الطوارئ لطلب إجازات طبية بشكل متكرر من دون مبرر طبي واضح، مشيرة إلى أن التعامل معهم يجب أن يكون بحذر ومسؤولية عالية، بما يراعي مصلحة المريض من جهة، ويحفظ الالتزام بالمعايير المهنية والأنظمة المعمول بها من جهة أخرى.
وقالت إن هناك خمسة إجراءات رئيسة يتبعها الأطباء في الطوارئ، تمكنهم من رصد الحالات التي قد تكون غير مبررة طبياً، أو يُشتبه فيها بادعاء المرض، حيث تساعدهم على اتخاذ القرار المناسب في منح الإجازة الطبية أو رفضها، وتشمل الاستعلام المباشر عن غرض المريض من الزيارة، حيث يُطرح سؤال واضح حول سبب الحضور للطوارئ، وهو ما يكشف أحياناً عن وجود نوايا غير ة بشكوى طبية حقيقية، وإجراء التقييم السريري الكامل، من خلال فحص الأعراض ومقارنتها بالمؤشرات السريرية والنتائج الطبية، وفي حال لم تكن هناك مبررات كافية، يبدأ الشك في صحة الادعاء، ورصد تكرار الزيارات غير المبررة، إذ يُلاحظ الأطباء مدى تكرار مراجعة المريض للشكوى نفسها خلال فترات قصيرة، ما قد يشير إلى سلوك متكرر بغرض الحصول على تقارير طبية أو إجازات.
وتشمل الإجراءات أيضاً الرجوع إلى السجل الطبي للمريض، للاطلاع على إن كان له تاريخ مرضي أم لا، بما في ذلك ملاحظات الطبيب بشأن طبيعة الشكوى أو تكرارها، موضحة أن السجلات الطبية للمرض وما يدوّن فيها مرجع مهم لجميع الأطباء لمتابعة الحالة، وفهم تاريخها المرضي، وزيارتها أقسام الطوارئ، وتواصل واضح مع المراجع، من دون إصدار أحكام شخصية، وهو ما يُمكّن الطبيب من فهم الدوافع النفسية أو الاجتماعية وراء طلب الإجازة، خصوصاً إذا شعر المريض بالأمان في الحديث، ومن ثم الامتناع عن منح الإجازة الطبية في حال غياب المبرر الصحي، مؤكدة أن القرار يتخذ بعد تقديم الاستشارة الطبية اللازمة، ولكن من دون التجاوب مع الطلب إذا ثبت عدم الحاجة الفعلية.
وأفاد استشاري طب الأمراض الباطنية، الدكتور حسن المشتهري، بأنه واجه حالات طلب فيها المرضى تقارير طبية أو إجازات مرضية من دون وجود مبرر طبي واضح، مؤكداً أن التعامل مع هذه الحالات يجب أن يكون بعناية وحرص بالغين، حيث يتم إخضاع المريض لتقييم سريري شامل، يتم خلاله توضيح وجود داعٍ طبي يمنح بموجبه التقرير أو الإجازة أو عدمه.
وقال إن بعض هذه الطلبات قد يكون ناتجاً عن ضغوط نفسية أو ظروف اجتماعية خاصة، وهو ما يدفعه إذا لزم الأمر إلى توجيه المريض للحصول على استشارة نفسية متخصصة، مؤكداً أن مثل هذه الحالات يجب التعامل معها بحذر لتجنب أي مخاطر طبية أو نفسية محتملة.
وأشار إلى ضرورة قيام الطبيب بالفحص السريري للحالات التي قد يشك في إصابتها، ما قد يكشف عن علامات غير طبيعية أو أعراض لا تتّسق مع شكوى المريض، والتأكد من نتائج التحاليل المخبرية والأشعة التي تسهم في التأكد من وجود مشكلة عضوية من عدمه، إضافة إلى تقييم مدى التناسق بين ما يدّعيه المريض ونتائج الفحوص، فضلاً عن مراقبة تكرار الأعراض بشكل غير طبيعي أو حدوثها في أوقات غير متوقعة، ما يعزز الشك في كونها مفتعلة.
وأضاف أن هناك ثلاثة أنماط شائعة ومتكررة في الأعراض المفتعلة للشخص المتمارض، وتشمل «النزيف المفتعل»، ويكون مبالغاً فيه، أو يحدث في أماكن غير متوقعة، ولا يستجيب للعلاج بشكل طبيعي، و«القيء» الذي قد يظهر بشكل مفرط أو في توقيتات غير منطقية، مع عدم فعالية العلاجات المستخدمة، إلى جانب «فقدان الوعي»، والذي غالباً ما يحدث في ظروف غير متوقعة أو يكون متكرراً بشكل غير مبرر، ولا يتماشى مع أي تشخيص طبي واضح.
وأضاف أن من أصعب ما يواجهه الطبيب الباطني في مثل هذه الحالات، هو مسألة الشك في صدقية المريض من دون أن يمسّ كرامته أو مشاعره، مؤكداً أن الطبيب ملزم دائماً بالتعامل مع المريض باحترام وإنسانية، حتى في ظل الشكوك.
وشدد على أن التعامل مع هذه الحالات يتطلب تقييماً شاملاً ومنسقاً بين عدد من التخصصات، لافتاً إلى ضرورة التنسيق مع الطب النفسي، وألا يقتصر هذا التنسيق فقط على التشخيص، بل يشمل أيضاً وضع خطة علاجية مناسبة في حال ثبت وجود اضطراب نفسي، سواء عن طريق جلسات علاج نفسي أو وصف أدوية مناسبة لحالة المريض.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news