أكد مسؤولون وخبراء أهمية مراعاة ما وصفوه بالشريك النفسي الذي لا يملك أسهماً أو نصيباً في شركات عائلية، لكن لديه تأثير كبير في مستقبلها، وربما يكون سبباً في انهيارها أو استمرارها لعقود طويلة، مثل الأم التي تتحكم في قرارات أبنائها وارثي الشركة، أو الزوجة.

وأضافوا خلال ندوة نظمتها محاكم دبي، بالتعاون مع أكاديمية الاقتصاد الجديد، تحت عنوان «محكمة التركات × اقتصاد دبي D33»، أن هناك استشاريين لإدارة شركات عائلية يقعون في فخ تجاهل هذا «الشريك النفسي»، ويكتشفون أنه العائق الوحيد وراء التوصل إلى اتفاق بين الورثة على سبل إدارة الشركة، مثل أربعة أشقاء اتفقوا على تفاصيل نقل الملكية والإدارة لشركة والدهم، بعد مفاوضات استمرت ثلاثة أشهر، وتراجع أحدهم يوم التوقيع لرفض زوجته.

وحددوا أربعة تحديات رئيسة تواجه مستقبل تلك الشركات: الأول الخلافات الأسرية التي تحول دون التوصل إلى اتفاق أو حتى تسهل عملية التفاوض، والثاني مشكلات نقل الملكية من مؤسس الشركة إلى الورثة، والثالث انتقال الإدارة والنزاع حول اختيار من يدير، والرابع الاختلاف حول توزيع الأرباح، لافتين إلى أن شركات ناجحة انهارت نتيجة هذه الأسباب.

وتفصيلاً، قال رئيس محكمة التركات بمحاكم دبي، القاضي محمد جاسم الشامسي، إن الشركات العائلية تمثل أهمية كبيرة في الاقتصاد الإماراتي، ومن ثم جاء القانون الاتحادي للشركات العائلية لحماية الأسرة بشكل مباشر، ومساعدة أفرادها في إدارة وحوكمة ثرواتهم.

وأضاف أنه من واقع الحالات والقضايا التي تعاملت معها المحكمة منذ إنشائها، تظل هناك ضرورة ملحة لحل إشكالية تتعلق بدرجة استعداد الورثة، أو من آلت إليهم الملكية، للحل القانوني، مؤكداً أن ضمانة استمرار الشركة ضرورة تقبل الحلول المطروحة بكل انفتاح، وتنحية الخلافات الأسرية جانباً.

وأشار إلى أن البعض يرفض الاستماع من الأساس إلى الحلول، ويفترض فشلها قبل الاطلاع عليها، وهناك خلافات أسرية على تركات امتدت نحو 20 عاماً بسبب الموانع النفسية والرواسب، وفي نهاية الأمر المحكمة ملزمة بتطبيق القانون.

وتابع أنه من الضروري وضع حلول استباقية قبل اللجوء إلى المحاكم، منها نقل المعرفة والخبرة وفنون الإدارة إلى الوارث، ومراعاة البعد الإنساني والنفسي لديه، لافتاً إلى أن الآباء في الماضي كانوا حريصين في وصاياهم على تعزيز صلة الرحم لدى الأبناء، فيحرصون على تقديم الوصية بعبارات قوية ترسخ قيمة الترابط الأسري ورعاية الأمهات والأخوات، وتمثل هذه التهيئة أهمية كبيرة لأنها تخفف من الاحتقان وتضع الأشقاء الذكور أمام مسؤولية أخلاقية تدفع معظمهم إلى تغليب العاطفة الأسرية على الأنانية.

وأكد الشامسي أن القانون ليس مجرد نصوص جامدة، إذ تسبقه أعراف أخلاقية وأسرية، وهذا ما تحاول المحكمة ترسيخه لدى أطراف النزاع، كيف يحصل كل منهم على حقه مع مراعاة غيره وتنحية الخلافات جانباً، ومن ثم تمكنت من حماية كثير من الشركات والتوصل إلى تسويات ودية في ملفات التركات وأموال القصر خلال العام الماضي بنسبة 84%، من بينها منازعات شملت 1353 عقاراً.

وأفاد بأن الرسالة التي ترسخها المحكمة لدى الأخ الأكبر أو الوارث المعني بإدارة الشركة، خلال التسويات، هي أنه يجب أن يحافظ على كيان الأسرة، لأن رابطة الدم مقدمة على رابطة المال، ومن ثم يتم طرح حلول كاملة مناسبة لجميع الأطراف.

وأكد أن المحكمة تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية مستقبل الشركة من خلال تقليل أمد التسويات، وحتى لو طالت تحرص على أن يكون ذلك لتحقيق المصلحة، ويتم اتخاذ القرارات اللازمة للمساعدة في استدامتها وعملها دون عوائق ة بتوزيع التركة.

وأوضح أن الخلافات ذات الصلة تقع عادة بسبب التنازع حول الحصص، لافتاً إلى أن عدداً قليلاً من الشركات يكتسب صفة الشركات العائلية وفق القانون، لذا يتم العمل على إجراء تسويات ودية، وإذا فشلت يتم الاحتكام إلى القانون سواء في ما يتعلق بالتخارج بين الشركاء، أو التنازل للغير.

ولفت إلى أن هناك إجراء داخلياً تطبقه محكمة التركات لتسريع نقل الحصص حتى لا تتضرر الشركة من الوضع القضائي، وكذلك في ما يتعلق بنقل الإدارة.

ولفت إلى أن المحكمة تفتح الباب كذلك أمام مدير الشركة لمراجعتها حال مواجهة أي عائق أو مشكلة حفاظاً عليها، مشيراً إلى أن بعض البنوك تجمد حسابات الشركات بعد وفاة مؤسس الشركة، وهذا إجراء خاطئ لأنها حسابات لشخصيات اعتبارية وليست لأفراد، فتخاطبها المحكمة لإعادة تفعيل الحساب حتى لا تتأثر الشركة.

من جهته تناول مدير مركز الشركات العائلية بغرفة دبي، أديب رشيد، دور ما وصف بالشريك النفسي، مثل الأم أو الزوجة، مبيناً أن هذا الشريك قد لا يكون مالكاً لأسهم لكنه مؤثر بشكل مباشر في القرارات المتعلقة بمستقبل الشركات العائلية بعد انتقالها إلى الجيل الثاني.

وأشار إلى ضرورة مراعاة هذا الشريك وعدم تجاهله إطلاقاً، فالأم على سبيل المثال لها دور كبير في توجيه قرارات أبنائها بهدف الحفاظ على مصالحهم، ومن ثم يجب أن يضعها مستشار الشركات العائلية في اعتباره ويتواصل معها مثل الشركاء حاملي الأسهم تماماً.

وأوضح أن هناك عائلات تملك شركات تعمل في أنشطة مختلفة ومتنوعة، وقد يراوح عدد العاملين فيها من 20 إلى 30 ألف موظف، ومن ثم يمكن أن يؤثر خلاف عائلي بين ثلاثة أشخاص في مستقبل هذا العدد الكبير من الموظفين، لذا يجب العمل على تجاوز الخلافات في مرحلة مبكرة.

وقال أديب إن هناك أربعة أسباب رئيسة تؤثر في مستقبل الشركات العائلية: أولها الخلافات الأسرية، وعدم وجود آلية واضحة لحوكمة هذه الشركات، وتنظيم أمور الورثة، ما ينعكس سلباً عليهم ويؤجج الخلافات بينهم.

وأضاف أن السبب الثاني عدم وجود آلية لنقل الملكية أو تقييم الأصول، وثالثاً الخلاف حول انتقال الإدارة، فهل يتولاها أحد الأبناء أو الأفضل بينهم أو الأكثر خبرة؟ وأخيراً عدم وجود آلية لتوزيع الأرباح على المساهمين وضمانات عدالتها.

وأشار إلى أن القانون الاتحادي للشركات العائلية تناول كثيراً من المسائل التي تحافظ على استدامة هذه الشركات، فجعل لها خصوصية معينة، ومنحها آليات تسهل عملها، فينص القانون على الاعتراف بميثاق العائلة، بحيث يتم الالتزام بما يتفق عليه أفرادها كوثيقة ملزمة لهم جميعاً.

وتابع أن القانون الأخير ينص كذلك على نوعين من حاملي الأسهم: أحدهما له حق التصويت، والآخر ليس لديه هذه الحق لأنه ليس من نسل المورث، كما أعطى هذه الشركات الحق في شراء جزء من الأسهم وهذا ليس منصوصاً عليه في قانون الشركات التجارية، الأمر الذي يتيح لأفراد العائلة بيع حصصهم لكن داخل إطارها.

بدوره قال الرئيس التنفيذي لشركة دوتس أند كو للاستشارات، الدكتور طارق الحجيري، إن دور العائلة مهم جداً في الحفاظ على استدامة شركاتها، لافتاً إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الملاك في هذه الشركات: أحدهم يعرف بالشريك النفسي، مثل الأم أو الزوجة، إذ يمكن أن تكون إحداهما سبباً في استدامة الشركة أو انهيارها.

وأضاف أنه عمل على حالة لشركة كبيرة بها أربعة شركاء، دارت بينهم مفاوضات لمدة ثلاثة أشهر، إلى أن توصل إلى اتفاق، لكن فوجئ بتراجع أحدهم يوم التوقيع لأن زوجته رفضت الاتفاق.

وأكد أنه لهذا السبب يجب أن يولي المستشار اهتماماً كبيراً لهذا الشريك فيؤهله ويرسخ لديه الوعي بأهمية وحدة العائلة، لافتاً إلى أن هناك حالات تعامل معها لعائلات أشبه بـ«الاسباغيتي» فتملك عشرات من الشركات، من دون أن يملك أصحابها من يقدم لهم الاستشارات القانونية، ومن ثم نواجه صعوبة كبيرة في حل النزاعات الة بها.

وأشار إلى ضرورة أن يضع المؤسس في اعتباره تعاقب الأجيال، فيعمل على وضع ميثاق يحول دون وقوع خلافات بين الورثة، وحوكمة الشركات بما يضمن الحفاظ على ثروات العائلة ووضع آلية للتعاون بين أفرادها واستعدادهم للعمل معاً، وتحديد دور كل منهم، وحقوقه وواجباته، وآليات توزيع الأرباح في ما بينهم.

وأكد الحجيري أن الشركات العائلية هي تلك التي ينوي ملاكها استمرارها، ويملكون القدرة على التفاهم معاً، بوضع آليات واضحة لحل الخلافات حتى لا تصل إلى المحكمة.


استشارات خاطئة

قال الرئيس التنفيذي لشركة دوتس آند كو، الدكتور طارق الحجيري، إن كثيراً من الشركات العائلية انهار بسبب استشارات خاطئة، لافتاً إلى أنه شهد ذلك بنفسه، فأفلست شركات كبرى وخرجت من سوق العمل، بسبب عدم إلمام المستشار بثقافة الدولة، واستيعابه لخصوصية العائلة الإماراتية.

وأضاف أن المستشار يجب أن يكون أميناً، ومدركاً أن الثقافة الإماراتية تختلف عن نظيرتها في أوروبا وأميركا، ولا يفرض الحلول على أفراد العائلة بل يستمع إليهم ويصل معهم إلى أفضل حلول يطرحونها.

القاضي محمد جاسم الشامسي:

• خلافات أسرية على تركات امتدت نحو 20 عاماً بسبب الموانع النفسية والرواسب.

• زوجة تتسبب في خلاف بين 4 شركاء ورثوا شركة عائلية.

شاركها.