لم يعد التقييم الإلكتروني مجرد ملاحظة يتركها زبون على صفحة مطعم أو شركة خدمات، فقد تحوّل في حالات عدة إلى أداة مساومة أو ضغط تهدد أصحاب الأعمال، بعدما اكتشف البعض أن «نجمة واحدة» كفيلة بخفض الحجوزات، وإرباك المشروعات الصغيرة، وفتح الباب أمام نوع جديد من الابتزاز الرقمي.

وأكد أصحاب مطاعم وشركات تأجير سيارات ومشروعات صغيرة لـ«الإمارات اليوم» أنهم يتعرضون بشكل دوري لهجمات من التعليقات السلبية، تظهر عادة من حسابات مجهولة في فترة زمنية قصيرة، ثم تتبعها رسائل تطلب مبالغ مالية مقابل حذف التقييمات أو منع تكرار الهجمات، مشيرين إلى أنه «بينما ينجز المهاجمون ضررهم في أقل من ساعة، يحتاج صاحب النشاط أياماً أو أسابيع لاستعادة وضعه السابق».

وقال صاحب شركة تأجير سيارات إنهم يعرفون جيداً كيف يؤثرون سلباً في نشاط الشركة، فيكفي تعليق واحد مفاده أن الشركة لا تلتزم برد مبلغ الضمان، ليهرب الزبائن مباشرة، لافتاً إلى أن الذين يقفون وراء هذه التعليقات يقيمون غالباً خارج الدولة، ويطلبون 100 دولار لحذف التعليق الواحد.

بدورهم حذّر خبراء في القانون والتسويق والتقنية من الابتزاز الإلكتروني عبر التقييمات، مشيرين إلى أن الذين يرتكبون هذه الممارسات يستغلون التقييمات الرقمية للتأثير في سمعة الشركات، ثم يطلبون مبالغ مالية مقابل «تصحيح الوضع».

وأشاروا إلى أن القانون الإماراتي يجرّم هذه الأساليب باعتبارها تهديداً صريحاً، بينما تواجه الشركات صعوبة في الإبلاغ عبر المنصات العالمية بسبب صعوبة إثبات أن التقييم جزء من عملية ابتزاز.

وتفصيلاً، كشف أصحاب مطاعم وشركات خدمات وتأجير سيارات لـ«الإمارات اليوم» أنهم يُستهدفون في كثير من الأحيان بتقييمات سلبية ممنهجة على منصات «خرائط غوغل» و«تريب أدفايزر»، مؤكدين أن الضرر يكون فورياً على حجم الحجوزات وإقبال العملاء.

وقال مدير أحد المطاعم أحمد حسن، إن الهجمات تأتي عادة من حسابات مجهولة، وتسبب مشكلات كبيرة إذ تؤدي إلى انخفاض متوسط التقييم خلال ساعات، قبل أن يتلقوا اتصالات ورسائل تطلب مبالغ مالية مقابل حذف التعليقات.

وأضاف أن هذا النمط من الهجمات يتكرر على حسابات المطعم على منصات التواصل الاجتماعي، فيتعمد البعض الإساءة بشكل أو بآخر، ويستلزم الأمر تخصيص أحد الموظفين لتنقية التعليقات، مشيراً إلى أن الإشكالية لا تتعلق بسلبية التعليق أو التقييم فمن حق الزبون التعبير عن رأيه طالما لم يحدث تجاوز، لكنها تتمثل في الذين يحترفون هذا الأسلوب للابتزاز خصوصاً أن معظمهم يقيمون في دول أخرى، ويطلبون مبالغ مالية مقابل التوقف عن هذا السلوك، وبكل أسف لا يتمتع كل الزبائن بالوعي الكافي لإدراك أنه تقييم زائف للإضرار بالمنشأة.

100 دولار

من جهته، قال شريك في شركة تأجير سيارات، وسيم علي، إن هؤلاء المبتزين يدركون جيداً كيفية الإضرار بالشركة، فلا ينشرون تعليقات سلبية عن السيارات أو الخدمة لأن من السهل على الزبون إدراك ذلك حين يتسلم السيارة، لكنهم يذكرون أن الشركة لا ترد مبلغ الضمان أو تحصل على أموال بشكل غير شرعي من زبائنها.

وأضاف أن أحد هؤلاء المبتزين كان يطلب 100 دولار لحذف التعليق الواحد، ويستلزم الأمر جهداً طويلاً لمراجعة إدارة «غوغل» أو المواقع ذات الصلة لحذف تلك التقييمات.

بدورها قالت موظفة مختصة بإدارة حسابات أحد مراكز الخدمات الصحية على منصات التواصل الاجتماعي وخرائط «غوغل» (س.م)، إن التقييمات السلبية لم تعد مجرد رأي بل «أداة تأثير» وتستخدم أحياناً للضغط والمقايضة، لافتة إلى أن أحد المراجعين هدد بترك تقييم سلبي إذا لم نمنحه خصماً إضافياً، وعندما رفضنا ظهرت ثلاثة تقييمات سلبية في يوم واحد.

وأكدت أن التعامل مع المنصات ليس سهلاً، إذ يتطلب إثبات أن الحساب وهمي إجراءات تتجاوز قدرات الموظفين العاديين، ما يسمح باستمرار الضرر لأيام قبل تدخل الإدارة.

فيما ذكر مدير في إحدى شركات خدمات الهجرة والتأشيرات، أنه أقوى تهديد غير مرئي يواجه الشركات الصغيرة التي تعتمد على التسويق الإلكتروني، فالشخص الذي يستهدف الشركة بتقييم سلبي قد يستغرق ساعة واحدة لتنفيذ مخططه، فيما يستغرق إصلاح الضرر أسبوعين أحياناً من قبل المنصة، سواء كانت وسائل التواصل الاجتماعي أو «غوغل»ومنصات مثل«تريب أدفايزر»وغيرها.

نمط واحد

وأجمع القائمون على أغلبية الأنشطة، على أن النمط واحد وهو حسابات مجهولة، وتقييمات سلبية، وانحدار سريع في التقييم، ثم طلب مال.

وأكدوا أن المشكلة الكبرى أن القائمين على هذه الحملات والهجمات التي ينفذونها تكون عادة من الخارج، إذ إن طلب التحويلات يكون إلى حسابات بنكية خارجية.

وقال خبير التسويق وحماية المستهلك الدكتور سهيل البستكي، إن «المعادلة الرقمية تغيّرت، وإن الكلمة لم تعد رأياً عابراً، بل قد تتحوّل إلى وسيلة ضغط أو تهديد».

وأضاف أن تجربته الشخصية مع إحدى شركات التشجير والمناطق الخضراء تكشف جانباً مما يجري، فقد نفّذ مشروعاً بقيمة 380 ألف درهم، بضمان 10 سنوات، لكن أعطالاً كهربائية ظهرت خلال أقل من عام، وعندما نشر تعليقاً يعكس تجربته، فوجئ بحذفه فوراً دون أي تفاعل أو حل، ليجد نفسه مضطراً لدفع 60 ألف درهم للصيانة، وقال: «هناك شركات تستغل عدد متابعيها أو نفوذها لحذف الانتقادات، بينما يلجأ آخرون إلى الحسابات الوهمية لتضليل المستهلك».

وتابع: «في المقابل تتضرر شركات صغيرة وناشئة مثل المطاعم المتوسطة أو شركات تأجير السيارات أو أي من المؤسسات التي تعتمد على التقييم في الانتشار وجذب الجمهور، من التعليقات السلبية الممنهجة، وكما يستغلها البعض لصالحه يعاني آخرون منها، وربما تنفذ هجمات التقييم السلبية بإيعاز من منافسين».

ولفت إلى خطأ الاعتماد على تعليق مجهول أو حساب بلا تاريخ، داعياً المستهلكين وأصحاب الأعمال إلى التحقق من هوية الحسابات قبل اتخاذ قرارات سواء بالعزوف أو التعامل مع المطعم أو الشركة المستهدفة بالتقييم، لأن مثل هذه الظواهر تحدث عادة على منصات مثل «إكس» فتجد عشرات التعليقات السلبية على حساب شركة أو مطعم أو غير ذلك، وحين تدخل إلى تلك الحسابات تكتشف أنها منشأة حديثاً أو لا يوجد عليها متابعون ومن ثم تدرك أنها مجرد ذباب إلكتروني يدار لأهداف خبيثة.

وحذّر البستكي أصحاب تلك المنشآت من الخضوع للابتزاز مقابل حذف التعليقات أو التقييمات السلبية، إذ إنه بمجرد التجاوب مع مبتز فسوف يعاود جريمته مستخدماً حساباً أو هوية أخرى، ولكن يمكن اللجوء إلى حلول تقنية لتنقية الحسابات بطريقة علمية ومرنة.

تشريعات واضحة

من جهته، قال المحامي الدكتور عبدالله يوسف آل ناصر، إن التشريعات الإماراتية واضحة وحاسمة تجاه هذه الممارسات، مؤكداً أن القانون يوازن بين حرية التعبير والمسؤولية الرقمية.

وأضاف: «إن البيئة الرقمية لا تعفي من المسؤولية.. وعندما تتحوّل الكلمة إلى وسيلة ضغط أو مساومة، نكون أمام جريمة ابتزاز إلكتروني مكتملة الأركان».

وقال: «إن المادة (42) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تعاقب كل من يبتز أو يهدد عبر الوسائل الإلكترونية بالحبس والغرامة حتى 500 ألف درهم».

وأردف: «في اللحظة التي يُطلب فيها مقابل مالي لحذف تقييم، يتحوّل التعليق من رأي شخصي إلى ابتزاز صريح، حتى لو بدا في بدايته نقداً مشروعاً».

وأشار إلى أن الابتزاز اليوم يُمارس خلف حسابات مجهولة لا يمكن رؤيتها أو تحديد مصدرها بسهولة، ما يجعل التوثيق والبلاغ السريع ضرورة لحماية المشروعات.

من جهته، تحدث خبير التسويق الرقمي عبدالرحمن عليوة، عن وجود كيانات من الخارج، وبعضها غير شرعي، تتخصص في (التلاعب بالتقييمات)، وتبيع باقات لرفع التقييم أو خفضه مقابل مبالغ تبدأ من 100 دولار فقط، مؤكداً أن هذا الجانب هو الأكثر خطورة في هذه الظاهرة.

وأضاف أن «هناك منشآت صغيرة في السوق تتعرض لهجوم تقييمات سلبية من شركات منافسة تستعين بهذه الكيانات، والأمر كله يتم عبر أدوات آلية قادرة على إنشاء حسابات مزيفة، ورفع المشاهدات، وتضخيم التعليقات»، لافتاً إلى أن هذه صناعة كاملة تعمل في الظل.

وقال عليوة: «إن مستخدماً عادياً قد لا يلاحظ الفرق، لكن المنصات الكبرى تملك القدرة على اكتشافه، وأحياناً أتواصل مع موظفي (غوغل) مباشرة وأقول لهم: أنا أشكّ في هذه التعليقات، وهذه الحسابات ليست طبيعية، لأن عندهم ملفات المستخدمين وأنماط استخدامهم، ويمكنهم اكتشاف الحسابات الوهمية وحذفها، لكن بعض الإجراءات تأخذ وقتاً».

وأكد أن«سرعة التعامل تختلف حسب نوع التطبيق أو الخدمة، فحين يكون المستهدف جهات أو تطبيقات حكومية يتم الرد فوراً على أي تعليق سلبي، لأنها منصات تهم وتخدم شريحة كبيرة من المجتمع، أما التطبيقات الخدمية أو الترفيهية فتأخذ وقتاً أطول في المراجعة، وهذا يعطي مساحة للضرر».

ولفت إلى أن بعض متاجر الهواتف الذكية الموجودة داخل الهاتف تعمل حالياً على تطوير تقنيات جديدة لحذف أي تطبيقات ة بخدمات شراء التقييمات، أو زيادة المشاهدات، لأن هذه التطبيقات تنتهك سياسات الاستخدام، ومعظمها غير شرعي أصلاً.

وأكد أن «المستخدم اليوم أكثر وعياً، وإذا رأى منشأة تقدّم محتوى إيجابياً، وتتعامل باحترافية عبر الردود والتفاعل، فلن يتأثر بتقييمات سلبية مفاجئة، لأنه يصدّق السلوك، وليس الرقم فقط».

ولفت إلى أن بعض المنشآت ترتكب خطأ فادحاً حين تترك التعليقات السلبية بلا رد، مضيفاً أن«الردّ المهني السريع مع تقديم حل، يقلّص أثر التقييم السلبي بنسبة تصل إلى 60%، بينما الصمت يعطي انطباعاً بأن النقد صحيح».

وشدّد على أن «الحلول التقنية وحدها لن تكفي»، موضحاً أن المؤسسات بحاجة إلى استراتيجية محتوى تعزّز الثقة، من خلال فيديوهات خلف الكواليس، واستعراضات حقيقية للخدمات، وتوثيق النجاحات، لأنها عناصر تقوّي الصورة الذهنية، وتكسر أي محاولة لتشويه السمعة عبر تقييمات وهمية.

خبراء:

• التقييمات السلبية تجارة غير شرعية تدار أحياناً من قِبَل المنافسين.

أصحاب مشروعات:

• الهجوم يُنفذ في ساعة.. وإزالة الضرر تحتاج إلى أسبوعين.

شاركها.