طوّر محتالون إلكترونيون وسائل خداع باستخدام «التزييف الصوتي العميق» لأصدقاء ومعارف ضحاياهم، حتى تنطلي تلك الحيل على الأشخاص المُستهدفين، ويتجاوبوا مع رسائل صوتية تَرِد إليهم طلباً للمال.

وقال ضحايا هذا الأسلوب الاحتيالي لـ«الإمارات اليوم» إنهم لم يتخيلوا إطلاقاً أن تكون الرسائل التي وردتهم مزيفة، فالأصوات متطابقة مع أصوات أصدقائهم، ورغم ثقافتهم وإلمامهم بكثير من أساليب الاحتيال الإلكتروني فإنهم وقعوا في الفخ، لأنهم صدّقوا أن أصدقاءهم في ورطة مالية، ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة.

وكشفت دراسة حديثة أجرتها مجموعة مصرفية دولية عن انتشار هذا الأسلوب عالمياً، ويُطلق عليه «هاي ماما HI Mum»، ويتمثّل في الاحتيال على الضحايا عبر الرسائل النصية، حيث يدعي مرسلوها بأنهم من أقارب أو معارف أو أصدقاء الشخص (الضحية) ويطلبون منه المال، ويستخدمون تقنية الصوت، لجعل الرسائل الإلكترونية أكثر واقعية وإقناعاً بالنسبة للضحايا.

وتفصيلاً، قالت إحدى ضحايا أسلوب «هاي ماما»، فضلت عدم ذكر اسمها، لـ«الإمارات اليوم» إنها فوجئت برسالة صوتية نصية وردت إليها من صديقة مقربة، تطلب منها مساعدة مالية عاجلة، لافتة إلى أنها استغربت الرسالة في البداية، لكنها لم تشك لحظة في أنه صوت صديقتها.

وأضافت أن مرسل الرسالة طلب منها القيام بتحويل مالي إلى حساب بنكي، فلم تتردد كثيراً وتجاوبت مع الرسالة، وقامت بتحويل 10 آلاف درهم إلى الحساب البنكي بحسب ما طُلب منها، وانتظرت استجابة لاحقة من صديقتها، لكنها لم ترد عليها بأي رسالة.

وأشارت إلى أنها اتصلت بصديقتها لاحقاً، وسألتها عن سبب حاجتها العاجلة إلى المال، وما إذا كانت تحتاج إلى مساعدة أخرى، لكنها صُدمت عندما أخبرتها صديقتها بأنها لم ترسل إليها أي رسائل، ولا تعرف شيئاً عمّا حدث، بل إن المفاجأة الكبرى أن الصديقة ذاتها لم تكن على علم بأن حساب «واتس أب» الخاص بها تعرّض للقرصنة، وأن المحتال الذي استولى عليه تواصل بالطريقة ذاتها مع عدد من أقاربها وأصدقائها المقربين، واحتال عليهم بالطريقة ذاتها.

وأكّدت أنها على دراية واسعة بالأساليب الاحتيالية، كما أن تعليمها ووظيفتها يتيحان لها سعة الاطلاع، لكن كان التزييف الصوتي بالغ الدقة، فلم تشك في أنه لصديقتها، مشيرة إلى أنها أبلغت بقية الأصدقاء المشتركين باختراق حساب صديقتها عبر «واتس أب»، حتى يأخذوا حذرهم.

بدوره، كشف (م.ع)، عربي الجنسية، أنه تلقى رسالة صوتية من أحد أقاربه، يخبره فيها بأنه يشتري مستلزمات مهمة للمنزل، وفوجئ بتوقف بطاقته الائتمانية عن العمل، ويحتاج إلى مبلغ سريع، وطلب منه تحويله إليه إلى أن يعيد تفعيل بطاقته الائتمانية.

وأشار إلى أنه من غير المعتاد بالنسبة له تلقي مثل هذه الرسائل من قريبه، لكنه شعر بالحرج من الرجوع إليه، أو الاتصال به هاتفياً، فقام بتحويل المبلغ إلى الحساب البنكي كما طُلب منه، مطمئناً إلى صحة الرسالة، كونها مسجلة صوتياً.

وتابع أنه قابله بعد أيام من تحويل المبلغ، وسأله مصادفة عمّا إذا كان قد حل مشكلة البطاقة الائتمانية، فاستغرب قريبه وأخبره بأنه لا يواجه أي مشكلات أو عوائق بنكية، فحكى له عن تفاصيل ما حدث، وقام بتشغيل الرسالة النصية التي وردت إليه، ليكتشف أنها مزيفة بدقة بالغة، وأنها لا تعود إلى الأخير، وأدرك أنه وقع ضحية عملية احتيال متقنة.

من جهته، قال الموظف بإحدى الشركات الخاصة، عادل محمود، إنه كاد أن يقع في هذا الفخ، لكن من حسن حظه أنه كان مشغولاً حين تلقى رسالة مماثلة من أحد أصدقائه يطلب منه صوتياً القيام بتحويل مبلغ مالي، وكان عازماً بالفعل على التحويل، لكنه أرجأ ذلك إلى حين الانتهاء من عمله.

وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً هاتفياً بعد نحو ساعتين من الصديق ذاته، يُبلغه بأن حساب «واتس أب» الخاص به تعرّض للاختراق، وأن هناك من يرسل رسائل صوتية يطلب فيها مساعدات مادية باسمه، فأخبره بما حدث وأنه كان سعيد الحظ لتأخير التحويل، عكس أصدقاء وأقارب آخرين تجاوبوا مع المحتال، وقاموا بتحويلات مالية إلى رقم الحساب المُرسل لهم.

وأشار إلى أن اللافت في الأمر أن صديقه الذي تم استنساخ صوته أُصيب بدهشة بالغة حين استمع إلى الرسالة، ولولا ثقته بأنه لم يسجلها، لاشتبه في أنه فعل ذلك بنفسه من دقة استنساخ الصوت.

إلى ذلك أصدرت «مؤسسة سانتادير» المصرفية تحذيرات جدية من أسلوب احتيالي يُعرف باسم «مرحباً أمي» أو «هاي ماما»، يتلقى من خلاله الضحايا رسائل صوتية تتطابق مع أصوات أقارب ومعارف وأصدقاء مقربين، وتتضمن عادة مناشدة عاجلة بالمساعدة، كون صاحب الرسالة يواجه أزمة أو موقفاً طارئاً يستلزم تقديم الدعم المادي له.

وأفادت الدراسة التي أجرتها المؤسسة بأن هناك تطوراً مذهلاً في هذه التقنيات، ويعمد المحتالون إلى استخدام تطبيقات التعرّف إلى الصوت، لضمان جعل الرسائل الصوتية أكثر واقعية وتطابقاً مع الصوت المُستنسخ، بغية إقناع الضحايا.

وقال الخبير في الأمن السيبراني، الدكتور معتز قوقاش، إن هذه الإشكالية تزداد تعقيداً بالنسبة للشركات، خصوصاً في ظل تطور أدوات الذكاء الاصطناعي المُخصصة للتزييف العميق، إذ تتفاخر شركات منها «إليفن لابس» الرائدة في هذا المجال، بقدرتها على إنشاء أصوات لا يمكن تمييزها عن نظيرتها الحقيقية، ومن ثم يقترح الخبراء استخدام كلمات سرية، للتحقق من هوية الأشخاص عند التعامل في إطار العمل أو إنجاز معاملات أو إجراء تحويلات بناء على أوامر صوتية.

وأفاد قوقاش لـ«الإمارات اليوم» بأن المحتالين في الوقت الراهن لا يحتاجون إلا إلى دقائق معدودة من صوت الشخص (الضحية)، الذي ربما يكون متوافراً عبر «واتس أب» أو من خلال فيديو له على منصات التواصل الاجتماعي، ويستخدمون برامج أو أدوات توليد صوت، تُنشئ نسخة رقمية يمكن برمجتها لتقول أي شيء.

وأضاف أن هذه التقنيات كانت مُعقدة وغالية الثمن في الماضي، لكنها أصبحت اليوم متاحة في تطبيقات مجانية ورخيصة، لافتاً إلى أن الصوت المزيف كان في البداية آلياً وغير مُقنع، ويغلب عليه التشويش أو التأخير، لكنه الآن أصبح أكثر سلاسة، وبإمكانه تقليد النبرة والإيقاع وحتى الانفعالات نفسها.

وأشار إلى أن العصابات المتخصصة في هذا النوع المتطور من الجرائم، أصبحت تستخدم مكالمات فيديو وأصواتاً مزيفة، لزيادة الإقناع، وتحرص على التلاعب إنسانياً بالشخص المُستهدف، من خلال إضافة عنصر الاستعجال، مثل: (أنقذني فوراً، لا يوجد لديّ وقت)، بهدف كسر أي تفكير عقلاني لدى الضحية.

وتابع أن خطورة هذا النوع من الجرائم في الوقت الراهن، تتمثّل في سهولة تنفيذه، إذ تتاح هذه التطبيقات حالياً بوفرة، في ظل غياب الوعي لدى كثير من الأشخاص (الضحايا)، الذين لا يتخيلون أن الصوت قد يكون مزيفاً، وضعف الأدوات التقنية التي تتيح كشف التزييف.

ولفت إلى وجود مؤشرات يجب الانتباه إليها في حال تلقي رسالة صوتية غير مألوفة من أحد الأقارب أو الأصدقاء طلباً للمال، منها وجود أحد هذه الأمور: خلل حتى لو كان بسيطاً في السياق مثل التأخير أو الصمت في بداية الرسالة أو المكالمة، بطء أو تلعثم في الحديث، اختلاف في نطق بعض الكلمات أو الحروف، تغيّر غير متسق في النغمة أو الإيقاع.

ونصح قوقاش أفراد المجتمع في حال تلقي رسالة عبر «واتس أب» أو أي من تطبيقات الدردشة، بعدم الاعتماد على التسجيل الصوتي وحده لإثبات معلومات أو اتخاذ قرار مهم، مثل تحويل الأموال، إذ يجب التحقق من المصدر ذاته عن طريق مكالمة مباشرة معه أو من خلال أي طريق آخر، إذا كان الأمر يتعلق بإجراء رسمي يخص العمل.

وأضاف أنه إذا وصلت رسالة من قريب أو صديق يطلب مساعدة مالية أو بيانات بنكية سرية، فعليك أن تطلب منه نصياً إعادة الاتصال بك، أو سؤاله عن معلومة شخصية لا يعرفها سواكما عن أسرته أو حياته، للتأكد من أن رسالته ليست مزيفة.

وأوضح أن هناك تطبيقات وأدوات وبرامج مخصصة لكشف التزييف الصوتي عن طريق الذكاء الاصطناعي، ومن الأفضل تحميلها واستخدامها في فحص أي رسائل يشتبه في أنها غير حقيقية.

وأكّد قوقاش أن توافر أصواتنا عبر منصات التواصل الاجتماعي يجعلها عرضة للتزييف واستخدامها في الاحتيال أو أي جرائم أخرى، تمسّ بأصحابها أنفسهم، لذا يجب الحذر من ذلك، وعدم الإفراط في نشر محتوى مرئي أو صوتي.

من جهته، قال المحامي المستشار القانوني عمر العوضي: «إن المُشرّع الإماراتي تعامل بصرامة مع الجرائم السيبرانية، خصوصاً الاحتيال الإلكتروني نظراً إلى تأثيرها المباشر في الاقتصاد والأمن المجتمعي والثقة بالتعاملات الرقمية، وتناول المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية (جميع صور الاحتيال عبر الشبكات المعلوماتية، سواء من خلال انتحال الهوية، والاستيلاء على أموال الغير، أو استخدام الحسابات الإلكترونية في أغراض غير مشروعة)».

وأضاف: إن «القانون لا يكتفي بفرض عقوبات الحبس والغرامة التي قد تصل إلى ملايين الدراهم والإبعاد عن الدولة، بل يضاعف العقوبة عند ارتباط الفعل بجريمة منظمة أو استهدافه لجهة مصرفية أو حكومية، ما يؤكد تشدد المُشرّع في حماية الاقتصاد الوطني والأمن السيبراني، كما أن النصوص جاءت مرنة بما يكفي لاستيعاب الأساليب المستجدة في الاحتيال».

وأوضح أنه «من الناحية العملية، مع ترسيخ مبدأ الردع العام والخاص، حرص المُشرّع على تعزيز الثقة بالتعاملات الرقمية، إلا أن الجانب التشريعي وحده لا يكفي، إذ تبقى التوعية المجتمعية والرقابة التقنية من ركائز المكافحة الفاعلة، وهو ما تسير عليه الدولة من خلال مبادرات الجهات الشرطية والمصرف المركزي، وبالتالي يمكن القول إن المُشرّع الإماراتي وضع إطاراً متكاملاً يُعزز مكانة الدولة بيئةً رقميةً آمنةً، مع ضرورة استمرار تحديث النصوص بما يتناسب مع تطور أنماط الجريمة الإلكترونية».

وقال: «يبقى الوعي المجتمعي إلى جانب صرامة القوانين الإماراتية خط الدفاع الأول، لضمان فضاء رقمي آمن، يحمي الأفراد والمؤسسات من براثن الاحتيال الإلكتروني».

• خبراء يحذّرون من تطور تقنيات توليد الأصوات وسهولة توافرها.


شاركها.