تحوّلت الهدايا التي يتبادلها الموظفون في بيئة العمل إلى عرف اجتماعي يعكس مشاعر المحبة والتقدير، إلا أنها باتت تُشكّل عبئاً مادياً متكرراً، مع تزايد المناسبات، وارتفاع قيمة الهدايا، خصوصاً تلك التي تُشترى من علامات تجارية عالمية.

وأكّد موظفون في جهات حكومية وخاصة أن فكرة «الفرح الجماعي» بدأت بعفوية جميلة، تهدف إلى مشاركة الزملاء مناسباتهم السعيدة، لكنها تحوّلت تدريجياً إلى ما يشبه الالتزام، ما يضع أصحاب الدخل المحدود في موقف محرج، بسبب المبالغة في قيمة الإسهامات، وتكرار الدعوات إلى المشاركة.

وأشاروا إلى أن بعض الأقسام لا تضع سقفاً محدداً للإسهام، لكن ذلك لا يمنع من الشعور بالضغط، خصوصاً عندما تتحول الهدية إلى وسيلة للمقارنة أو التفاخر، بدلاً من أن تبقى تعبيراً رمزياً عن التقدير والمشاركة.

وتفصيلاً، ذكرت الموظفة في جهة حكومية، دانة أحمد، أنها لا تعارض فكرة تبادل الهدايا بين الزملاء، بل ترى أنها تُعدّ جانباً إنسانياً جميلاً، لكن تكرار المناسبات في الشهر الواحد وارتفاع قيمتها يُشكّلان عبئاً على بعض الموظفين.

وأضافت: «في أكثر من مناسبة شعرت بأن المبلغ المطلوب ساعد أحد الزملاء فعلاً، خصوصاً الاحتفالية التي تقام للموظفين الذين يودعون المؤسسة، لكن في أحيان أخرى، يكون الدفع إلزامياً ولا أستطيع الاعتذار بسبب الإحراج».

وأوضحت أن الهدايا في السابق كانت رمزية، كخاتم أو باقة ورد، أما اليوم فقد تصل قيمتها إلى آلاف الدراهم، ويراوح نصيب الموظف من المبلغ المطلوب ما بين 200 و500 درهم.

وقالت: «في عيد ميلادي تأتي الزميلات بهدايا فاخرة فأشعر بالامتنان، لكنني أجد نفسي مضطرة إلى المشاركة بالمستوى نفسه أو أكبر، حتى لو لم تسمح ظروفي بذلك».

وقالت موظفة في جهة خاصة، فضّلت عدم ذكر اسمها، إن الرجال لا يُستثنون من المشاركة في سداد ثمن الهدايا، خصوصاً في مناسبات الترقية أو التقاعد أو العودة من إجازة علاج طويلة، لافتة إلى أن قيمة الإسهام قد تصل إلى 800 أو 900 درهم، وأحياناً تتجاوز 1200 درهم. وتكون الحال أصعب حين يكون هناك أكثر من مناسبة في الشهر نفسه، موضحة أن «الأمر لا يقتصر على الهدية، بل يمتد أحياناً ليشمل إقامة غداء احتفاءً بالمناسبة»، وذكرت أن «الإحراج لا يُفرق بين الرجال والنساء، فكثيراً ما نجد أنفسنا مضطرين للدفع، حتى لو لم تسمح الميزانية بذلك، لأن الاعتذار قد يُفهم بشكل سلبي»، وأضافت أن حجم المجموعة يؤثر في قيمة الإسهام، فكلما قل عدد المشاركين زادت قيمة الدفع، والعكس صحيح، مشيرة إلى أن «من يتولى ترتيب الهدية في الأغلب يكون مقرباً من الموظف المحتفى به، ما يخلق حساسيات بين الزملاء».

وترى الموظفة في القطاع الحكومي، شيخة الزحمي، أن «تبادل الهدايا بين الزملاء يحمل في جوهره روحاً إيجابية، لكنه يثير حساسيات غير مريحة داخل بيئة العمل، إذ أصبح كل موظف يقيس مكانته بنوع الهدية التي تقدّم له، وهذا يزعج بعض الأشخاص، خصوصاً حين تختلف قيمة الهدايا بين مناسبة وأخرى»، وبيّنت أن بعض الموظفات يرفضن تلقي الهدايا من زميلاتهن، ويقلن بصراحة: «لا أريد أن أقدم هدايا إلا للمقربين»، مشيرة إلى أن كتابة أسماء المشاركين والمبلغ المدفوع يزيدان من الإحراج، ويجعلان البعض يفضل الانسحاب أو الغياب عن المناسبة.

وقالت الموظفة في جهة حكومية، موزة محمد الذباحي، إن مؤسستها تحرص على تعزيز بيئة عمل إيجابية، لكنها في الوقت ذاته، تضع ضوابط واضحة، منها تعهد الموظفين بعدم قبول الهدايا التي قد تفسر كنوع من «الرشى»، لافتة إلى أنها لا تعارض التهادي بين الزميلات والزملاء، «لكن يجب أن يكون ذلك الأمر نابعاً من وعي، ومن لا يرغب في المشاركة لا يُجبر على ذلك، على الرغم من أن الإحراج يبقى قائماً».

وأكّدت أن «بعض الأقسام تجمع مبالغ تصل إلى 500 درهم لشراء حقائب فاخرة في أعياد الميلاد، على الرغم من التفاوت بين الموظفين في الرواتب، فقد صار بعض الزملاء يتجنّب المشاركة أو حتى الحضور، بسبب الإحراج من عدم القدرة على الدفع»، وعن إسهاماتها في هدايا العمل، قالت: «في بداية كل شهر ندفع 300 درهم للغداء اليومي، و500 درهم للعزائم، ومن لا يدفع لا يتناول الغداء، إلا أنه أحياناً يجبر الموظف على دفع مبلغ محدد، وهذا يفقد المبادرة معناها الحقيقي».

وقالت حليمة أحمد سيف النقبي، إن ما يقوم به الموظفون والموظفات من تبادل الهدايا والمشاركة في مناسبات الزملاء، هو امتداد طبيعي للعادات الإماراتية الأصيلة التي نشأ عليها المجتمع، والتي تُعلي قيمة التكاتف والتراحم بين الناس.

وأضافت: «نحن شعب تربّى على الفزعة، وعلى المشاركة في الفرح والحزن، والهدية عندنا لا تُقاس بالقيمة المادية، بل إنها وسيلة للتعبير عن المحبة والاحترام، سواء كانت بسيطة أو فاخرة».

وأوضحت أن هذا السلوك انتقل من البيوت إلى المؤسسات، لأن الموظف في النهاية ابن بيئته، يحمل معه قيمه وتقاليده، مشيرة إلى أن «النية الطيبة» هي الأصل، وأن الكرم لا يُفرض ولا يقاس، بل يُقدّم بحسب الاستطاعة.

وتابعت: «الفرح لا يقسم والهدية لا تقارن، ومن يشارك من قلبه لا ينظر إلى المبلغ، بل إلى أثره في نفوس الآخرين، المهم أن تبقى الروح طيبة، وألّا يتحول تبادل الهدايا إلى عبء أو تفاخر، لأن الأصل في العادة هو التقدير لا التنافس، فلو رجعنا إلى جذورنا، لوجدنا أن أبسط الهدايا كانت تُسعد القلوب، وأن الكلمة الطيبة والوقفة الصادقة أغلى من أي ماركة».

من جهتها، أكّدت مستشارة ومدربة التنمية البشرية والإدارية، الدكتورة ليلى حبيب البلوشي، أن «التهادي بين الزملاء» أمر يعكس روح الكرم الإماراتي وحب المشاركة، لكنها شددت على ضرورة تحقيق التوازن، للحفاظ على قيمته المعنوية، وعدم تحوله إلى عبء مالي أو وسيلة للمقارنة.

وقالت إن ظاهرة تبادل الهدايا بين الموظفين تنبع من نية طيبة، لكنها تحوّلت إلى سلوك مؤسسي غير مكتوب يحمل في طياته ضغطاً مادياً ونفسياً، ويخلق حساسيات داخل بيئة العمل، مضيفة أن هذا النوع من التصرفات لا يُعدّ قانوناً ضمن لوائح الموارد البشرية، لكنه يُصنّف ضمن الثقافة المجتمعية التي تتشكّل من الأعراف المتداولة بين الموظفين، وتنتقل إلى المؤسسة بشكل تلقائي.

وتابعت البلوشي: «المشاركة في الهدايا يجب أن تكون عن طيب خاطر، ومن قلب يرغب في مشاركة الزملاء فرحتهم، لكن الإشكالية تكمن في غياب السقف المالي وتكرار المناسبات، ما يُرهق البعض مادياً، خصوصاً في ظل التزامات الحياة والظروف الاقتصادية التي يمر بها كل موظف على حدة، من دفع أقساط المركبة إلى مدارس الأبناء وغير ذلك».

وأوضحت أن هناك مؤسسات لا تحدد قيمة الإسهام، ما يترك الأمر لتقدير الموظف، وهو أمر إيجابي، شرط أن يكون جمع المبالغ بطريقة تحفظ الخصوصية، وتُجنّب الإحراج أو المقارنة، مفضلة ألّا تتكرر الفعاليات أكثر من مرة شهرياً، وأن تجمع المناسبات في احتفالية رمزية واحدة، لتخفيف الضغط المالي والنفسي على الموظفين، فليس من المنطقي أن تتحول الهدية إلى وسيلة تفاخر أو منافسة، أو أن تستخدم وسيلةً للتملق والوصولية.

وحذّرت البلوشي من أن هذا السلوك قد يخلق عزلة اجتماعية وخلافات داخل المؤسسة، خصوصاً عندما تختلف قيمة الهدايا أو تعلن الإسهامات بشكل علني، ما يُضعف روح الفريق، ويؤثر في بيئة العمل، مؤكدة أن الهدية يجب أن تبقى رمزية تعبر عن مشاعر التقدير، لا عن القدرة الشرائية، خصوصاً أن كل موظف له ظروفه، وقد يستطيع المشاركة هذا الشهر ويعتذر في الشهر المقبل، فالضغط والإجبار يُفرغان الفكرة من معناها، ويُحوّلان الفرح إلى عبء.

• هدايا الزملاء تُصنّف ضمن الثقافة المجتمعية التي تُشكّلها الأعراف وتنتقل إلى المؤسسة تلقائياً.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

شاركها.