اخر الاخبار

“بيت بيروت” يستعيد متاريس الحرب مع المخرجة سيلفي بايو

يأتي معرض “ما بين العوالم” للمخرجة الفرنسية سيلفي بايو، في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية في لبنان، حيث يقام في “بيت بيروت”، الذي كان “بيتاً” للمقاتلين والمسلحين، وشاهداً على الحرب.

يمثّل المعرض امتداداً لفيلم بايو الوثائقي “خط تماس” (2024)، الذي تمّ عرضه ضمن فعاليات مهرجان “شاشات الجنوب” الذي تقيمه جمعية “متروبوليس”.

يستند المعرض إلى الدمى التي استُخدمت في تصوير الفيلم، ومجسّمات الأبنية والأحياء البيروتية وشوارعها، فضلاً عن الخرائط وخطوط التماس، والأرشيف، ومقاطع بصرية وسمعية، بعضها عرض في الفيلم وأخرى جديدة.

وعلى الرغم من أن الفيلم مصنوع من الدمى والأرشيف والصور، اعتقد كثيرون أنه فيلم للأطفال، لكنه ليس كذلك لما يتضمنه من مشاهد قاسية واعترافات إنسانية.

 مع ذلك، حضر الكثير من الأطفال المعرض، وراحوا يطرحون الأسئلة على المخرجة والممثلة، وخصوصاً أنهم خاضوا الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. فشاركوا تساؤلاتهم عن الخوف والقلق والأمان. 

5 غرف داخلية

خمس غرف هي بنية المعرض الداخلية، أو يمكن تسميتها بـ “العوالم”. يبدأ من غرفة صغيرة غير نظيفة ومهملة، تمّ  فيها وضع متراس، وتسمع فيها صوت فدى البزري، وهي تشرح سبب تسمية خط التماس بالخط الأخضر، الذي قسّم بيروت بين “شرقية” و”غربية”. 

تدعو الحاضرين بتسجيلها لزيارة غرف المعرض، من خلال اللحاق بخيط الصوف الأخضر، والأهم، زيارة الغرف الداخلية في ذواتهم وما يخبؤون فيها.

يتتبع الرائي خط الصوف الذي يصل إلى الغرفة الثانية، بعد قطع متراس كبير في الصالة الرئيسية. الغرفة الثانية تبدأ بمقطع فيديو عن رحلة فدى وجدّتها أثناء الحرب، حيث كانتا تذهبان إلى بيت الجدّة في الناحية الشرقية لتنظيفه من وقت لآخر. تسمع أصوات القنص وكلمات القناصين البذيئة وهي تعبر مع جدّتها بين جثث القتلى.

بعد الانتهاء من هذا المقطع، تجد مجسّماً لخريطة المنطقة وأبنيتها المهدّمة وغير المهدّمة. وترى من خلال ناضور القنّاص، أهدافه ومن بينها فدى وجدّتها، وغيرهم من اللبنانيين الذين كانوا يدارون العيش بين جبهتين أو أكثر.

تتابع الرحلة إلى مجسّم بيت الجدّة، حيث تسمع الراديو الذي يبقيها على اطلاع على الطرق “السالكة والآمنة”.

لم تقتصر مواد المعرض البصرية على المجسّمات، بل توسّعت إلى حاسة الشم. وضعت قنينة الـ”جافيل” التي تذكّر  فدى بالحرب، حيث كان يستخدم لإزالة رائحة دم الضحايا والتنظيف.

شرقية وغربية

في العودة إلى الصالة الكبيرة، تمّ وضع خريطة بيروت وخط تماسها الذي يفصل بين “الشرقية” و”الغربية”، في المنحى المواجه للمتراس الكبير. في مقابل هذه الخريطة على الجهة الأخرى مجسّم للحي الذي نشأت فيه فدى في منطقة رأس النبع.

في الغرفة الثالثة يروي المجسّم المبني حادثة فدى مع القنّاص الذي واجهته أثناء خروجها من مدرستها، وكيف صوّب سلاحه عليها. وضعت كاميرتين: الأولى من وجهة نظر القنّاص حيث أن فدى في قلب الهدف. أما الثانية فهي من زاوية فدى والقناص فيها يصوّب سلاحه عليها. 

استخدم مقطع الفيديو من الفيلم الذي يعرض كيف تجمّدت فدى في مكانها ولم تستطع الحراك. كل ما استطاعت أن تقوم به هو النظر في عيني المسلّح والهروب إلى داخلها.

الغرفة الرابعة هي غرفة قنّاص. ترى فرشته ومخدته وثيابه وبعضًا من طعامه وحوائجه. يعرض مقاطع فيديو، لم يتضمنه الفيلم، لأحد مقاتلي الميلشيا الذي قابلته فدى، وهو نسيم الأسعد، وامرأتين عايشتا الحرب الأهلية: دانيال شيخاني وسعاد جابر.

نسيم، كانت غرفته في إحدى غرف “بيت بيروت” الذي ما زالت جدرانه “مخردقة” برصاص الحرب وشظاياها.

نسيم الذي اعترف بخطأه لمشاركته في هذه الحرب، يواجه أسئلة جريئة ومحرجة وصريحة من أم غسان وفدى. يعترف بدوافعه وخطاياه، ويتفهم ظروفه التي دفعته ليكون جزءاً من تلك الحرب. 

تتفهم أم غسان موقفه، وموقفها أيضاً، حيث اضطرت بدورها لمقايضة المسلحين في مبنى منزلها ببعض الطعام والحلويات وغيرها، للبقاء في منزلها مع ابنتها “بسلام”، من دون إجبارها على تركه للمسلحين أو مغادرته. 

المصارحة والتفهّم أسياد هذه الحوارات، الضحية والقنّاص، يتفهّمان ظروف بعضهما: دوافع القنّاص ليكون قنّاصاً، والضحية التي تتعرض للخوف والخطر والتهديد.

تُختتم الجولة في غرفة صغيرة وضعت فيها كل الدمى مع مسجّلة صوتية، كي يترك المشاهد رسالته متحدثاً عن غرفه الداخلية.

خط التماس

وقالت الممثلة الرئيسية في فيلم “خط تماس” فدى البزري لـ “الشرق”، “إن الفيلم والمعرض جعلاها على تماس مباشر مع مشاعرها”. كانت تعتقد أنها لم تكن تشعر بشيء خلال الحرب الأهلية حتى جاءت المخرجة سيلفي، وصارت تطرح عليها الأسئلة التي جعلتها تغوص في غرفها الداخلية، ونتج عن حديثهما الفيلم ثم المعرض.

المخرجة الفرنسية سيلفي بايو تحدثت عن دافعها لتصوير الفيلم وتنفيذ المعرض، وهو أنها تجد فدى امرأة مميزة عاشت بين الحياة والموت. 

تضيف: “بعد عرض فيلم “Green Line” الكثير من اللبنانيين الذين شاهدوه لم يقدروا على الكلام أو التعبير، وكان هذا مفاجئاً. أعتقد أن الفيلم صعب جداً وهذا ما دفعني لتنفيذ فكرة المعرض، لأن هدفي أن أعطي الكلام للبنانيين، والتعبير من خلال كتابة الرسائل أو تسجيلها صوتياً. وبذلك يكونون على تماس مع مشاعرهم التي خبئوها لسنوات”.

المخرجة التي ولدت ونشأت في فرنسا، لا تفهم الحياة والموت كما فدى، فقصّتها هي رؤية جديدة بالنسبة لها. ولأنها ترى أن فدى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، كانت دائماً طفلة بين الموت والحياة، أطلقت عنوان “بين العوالم” على المعرض.

تمّ تصميم المعرض بمجسماته ودماه بالاشتراك مع نيكولا لومي، بالتعاون مع شارلوت توريس، وزوشا أوركان- توريس. يستمر المعرض حتى أخر يوينو ويتضمن ورش عمل من ضمنها نشاطات مع الأولاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *