البنتاجون يدرس مقترحاً لسحب آلاف الجنود من أوروبا

يدرس مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) مقترحاً بسحب ما يصل إلى عشرة آلاف جندي من أوروبا الشرقية، ما أثار قلقاً من أن تؤدي الخطوة إلى تقوية شوكة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما نقلت شبكة NBC News الأميركية، الثلاثاء، نقلاً عن 6 مسؤولين أميركيين وأوروبيين مطلعين على الأمر.
وذكرت NBC News أن القوات التي يشملها هذا المقترح تُعد جزءاً من 20 ألف جندي أرسلهم الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، إلى المنطقة في عام 2022 لتعزيز دفاعات الدول المتاخمة لأوكرانيا بعد الغزو الروسي. ولا تزال الأرقام قيد النقاش، لكن المقترح قد يشمل سحب ما يصل إلى نصف هذه القوات.
وتأتي النقاشات الداخلية بشأن تقليص عدد القوات الأميركية في رومانيا وبولندا في وقت يحاول فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إقناع بوتين بقبول وقفٍ لإطلاق النار.
وقال المسؤولون الأميركيون والأوروبيون الستة، الذين طلبوا جميعاً من الشبكة عدم الكشف عن هويتهم، إن تبني البنتاجون لهذا المقترح سيعزز المخاوف من أن الولايات المتحدة تتخلى عن حلفائها التقليديين في أوروبا الذين ينظرون إلى روسيا بوصفها “تهديداً متنامياً”.
وقال سيث جونز، النائب الأول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، للشبكة إن “الروس سيعتبرون تقليص عدد القوات الأميركية تراجعاً في قدرات الردع، وسيزيد ذلك من استعدادهم للتدخل بطرق مختلفة في القارة الأوروبية”.
“أوروبا تتحمل مسؤولية أمنها”
وأعربت إدارة ترمب عن رغبتها الواضحة في أن تتحمل الدول الأوروبية مزيداً من المسؤولية عن أمنها، بما يتيح للولايات المتحدة توجيه مواردها العسكرية نحو الصين وأولويات أخرى.
وفي أول زيارة خارجية له كوزير للدفاع، قال بيت هيجسيث في خطاب ألقاه في بروكسل في فبراير الماضي: “الوقائع الاستراتيجية القاسية تمنع الولايات المتحدة من التركيز بشكل رئيسي على أمن أوروبا”. وأضاف أن بلاده ستوجه تركيزها بدلاً من ذلك نحو تأمين حدودها الجنوبية والتصدي للصين.
ويُتوقع أن يصدق مجلس الشيوخ قريباً على تعيين إلبريدج كولبي في منصب المستشار السياسي الأعلى للبنتاجون، ليصبح بذلك المسؤول الثالث في سلسلة القيادة داخل الوزارة، وفق NBC News.
ويدعو كولبي إلى التركيز بشكل أكبر على الصين، وعبر عن رفضه تخصيص مزيد من الموارد لأوكرانيا، كما طالب بتقليص عدد القوات الأميركية في أوروبا لصالح مواجهة التهديد الصيني.
معارضة جمهورية لتقليص الوجود العسكري بأوروبا
وبدا أن رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ السيناتور روجر ويكر (جمهوري من ميسيسيبي)، وجه انتقاداً لهذا التوجه خلال جلسة استماع عقدت الخميس الماضي، إذ قال: “هناك من يعتقد أن الوقت قد حان لتقليص الوجود العسكري الأميركي في أوروبا بشكل كبير”، دون أن يذكر تفاصيل إضافية.
وأضاف: “أشعر بالقلق إزاء هذه الرؤى المضللة والخطيرة التي يتبناها بعض البيروقراطيين ذوي الرتب المتوسطة في وزارة الدفاع”، لكنه لم يسمِ هؤلاء المسؤولين. وتابع: “لقد عملوا على دفع الولايات المتحدة نحو الانسحاب من أوروبا، وغالباً من دون تنسيق مع وزير الدفاع”.
وبينما تخضع ميزانية البنتاجون للتخفيض في إدارة ترمب، فمن شأن خفض الوجود العسكري الأميركي في أوروبا أن يحرر موارد مالية يمكن استخدامها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي ترى الإدارة أنها تحظى بأولوية استراتيجية أعلى.
كما أن إلغاء نشر وحدات قتالية في أوروبا الشرقية قد يسهم في خفض النفقات الخاصة بالجيش الأميركي، الذي يسعى إلى تعزيز استثماراته في معدات وأسلحة مبتكرة.
ترمب يعكس توجه بايدن
ويُقدر عدد القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا بنحو 80 ألف جندي. وبعد اندلاع الحرب الروسية، أيد مشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تعزيز الوجود العسكري الأميركي على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، باعتباره رسالة واضحة لبوتين تؤكد التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الدول المحاذية لروسيا.
إلا أن ترمب، الذي تعهد خلال حملته بإنهاء الحرب سريعاً، يدفع حالياً نحو وقف لإطلاق النار. وقد تبنى موقفاً مغايراً تماماً لموقف بايدن حيال أوكرانيا، إذ وعد الأخير بتقديم الدعم العسكري واللوجستي لكييف “ما دامت الحاجة قائمة” لتحقيق النصر.
وفي المقابل، ضغط ترمب على أوكرانيا لتقديم تنازلات في وقت مبكر، وعلق المساعدات العسكرية والاستخباراتية لمدة أسبوع بعد خلاف علني مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولم يُقدم حتى الآن أي التزام واضح بشأن استمرار الدعم العسكري الأميركي لكييف.
من جهته، أعرب الجنرال المتقاعد بن هودجز، الذي أشرف سابقاً على قيادة القوات البرية الأميركية في أوروبا، عن تساؤلاته بشأن طبيعة التقييمات التي دفعت المسؤولين للنظر في هذا المقترح.
وقال هودجز: “ستتقلص كثيراً قدرة الردع الأميركية”. وأضاف: “من الواضح أن بولندا تطور قدراتها، والرومانيون كذلك، إلى جانب دول أوروبية أخرى، إلا أن هذا سيترك فجوة ينبغي ملؤها”.