الحكم على لوبان يؤجج المخاوف على “الاستقرار الهش” في فرنسا

يهدد قرار منع زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة بزيادة السخط الشعبي تجاه النخبة الحاكمة في البلاد، وسط مخاوف من أن يقوض القرار جهود تحقيق الاستقرار في المالية العامة المتعثرة منذ أشهر، بحسب “بلومبرغ”.
وأدانت محكمة فرنسية لوبان بتهمة إساءة استخدام أموال من الاتحاد الأوروبي، وقضت بحرمانها من الترشح لأي منصب عام لمدة 5 سنوات، كما حُكم عليها أيضاً بالسجن 4 سنوات، منها سنتان مع وقف التنفيذ وسنتان تحت الإقامة الجبرية، إضافة إلى غرامة قدرها 100 ألف يورو (108 آلاف و200 دولار).
ويعرّض الحكم القضائي الذي يمنع زعيمة حزب “التجمع الوطني” من خوض سباق الانتخابات الرئاسية المقرر عام 2027، حالة التوازن السياسي الهشة للخطر، وهو توازن مكّن حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون من تمرير ميزانية عام 2025.
كما يزيد القرار من احتمالات طرح مذكرة لحجب الثقة في البرلمان، ويفتح الباب أمام انتقال زعامة “التجمع الوطني” إلى رئيس الحزب الحالي جوردان بارديلا صاحب الـ29 عاماً، والذي يفتقر إلى الخبرة الكافية، وفقاً لـ”بلومبرغ”.
وسرعان ما اعتبرت لوبان وحلفاؤها الحكم جزءاً من “مؤامرة سياسية” من قبل المؤسسة الحاكمة.
وقال كارستن نيكيل، المحلل السياسي في شركة “تينيو” الاستشارية بلندن: “إذا كان الأمر يعتبر أنه مؤامرة من الليبراليين، فعلى حزب لوبان تصعيد المواجهة داخل البرلمان، وتقديم مذكرة لحجب الثقة في أقرب فرصة”.
ووصفت لوبان في مقابلة مع قناة TF1 الفرنسية مساء الاثنين، حكم المحكمة بأنه “قرار سياسي”، مضيفة: “القضاة اعتمدوا ممارسات كان يُعتقد أنها تقتصر على الأنظمة الاستبدادية”.
وبينما لا تزال لوبان قادرة على استئناف قرار المحكمة، يرى خبراء قانونيون فرنسيون، أن فرص تبرئتها في الوقت المناسب لخوض الانتخابات “ضعيفة”، بحسب “بلومبرغ”.
أشهر من التوتر
وشهدت الساحة السياسية الفرنسية خلال العام الماضي حالة من التوتر والاضطراب، خاصة بعد أن فقد ماكرون أغلبيته البرلمانية في الانتخابات الأخيرة.
ورغم تحقيق حزب لوبان نتيجة تاريخية في الجولة الأولى من تلك الانتخابات، إلا أن التحالفات التقليدية للأحزاب منعت وصوله إلى السلطة، ما عمّق مشاعر عدم الثقة بين أنصارها.
وتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة، أن لوبان تتصدر سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2027، إذ لن يكون بإمكان ماكرون الترشح مجدداً؛ بسبب “القيود الدستورية” على الفترات الرئاسية.
وفي استطلاع نشرته مؤسسة Odoxa، الاثنين، تصدّرت لوبان قائمة الشخصيات السياسية الأكثر شعبية في فرنسا، إذ حصلت على تأييد 37% ممن شملهم الاستطلاع، فيما جاء بارديلا في المركز الثالث بنسبة 35%.
واعتبر عدد من قيادات حزب “التجمع الوطني” حكم المحكمة، بأنه “مناورة أخرى تهدف لحرمان زعيمة الحزب من فرصة حكم فرنسا”.
ويرى جان فيليب تانجي، أحد أبرز قيادات حزب لوبان، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن “النظام يفرض رقابة على المرشح المفضل لدى الشعب وخصمه الرئيسي”.
ويبدو أن الهدوء الذي تحقق بصعوبة في فرنسا بات مرة أخرى على المحك، وسط توقعات أن يؤدي أي اضطراب جديد في واحدة من أكبر اقتصادات القارة إلى تقويض هذه الجهود، خاصة مع دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نحو وقف الحرب في أوكرانيا، ومحاولة نظيره الروسي فلاديمير بوتين تعميق الخلافات بين واشنطن والعواصم الأوروبية.
“إعدام الديمقراطية”
وعقب صدور الحكم مباشرة، عبّر جوردان بارديلا عن استيائه من القرار عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً: “اليوم، لم يُحكم فقط على مارين لوبان ظلماً، بل تم إعدام الديمقراطية الفرنسية أيضاً”.
ولعب بارديلا دوراً رئيسياً في تحقيق الحزب نتيجة قياسية خلال الجولة الأولى من الانتخابات الأوروبية التي جرت الصيف الماضي، مستفيداً من جاذبيته لجعل الحزب يبدو أكثر قرباً من التوجه العام، بحسب “بلومبرغ”.
ورغم شعبيته الكبيرة بين الشباب، والتي عززها حضوره القوي على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يُنظر إليه على أنه يفتقر إلى الخبرة السياسية العميقة، وغالباً ما يبدو ضعيفاً خلال المناظرات السياسية.
وتحمّل بارديلا المسؤولية عندما فشل حزبه في تحقيق الأغلبية خلال الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية التي جرت في صيف 2024، رغم أنه أصبح الحزب الأكبر في الجمعية الوطنية “البرلمان” من حيث عدد المقاعد.
وقال بعد خسارة الانتخابات: “الأخطاء تحدث دائماً، وقد ارتكبت بعضها، وأتحمل نصيبي من المسؤولية عن فوزنا في الانتخابات الأوروبية، وكذلك عن هزيمتنا بالأمس”.
وأظهرت النتائج الأولية للتحقيقات الداخلية، أن الحزب “لم يُقيّم مرشحيه البرلمانيين بشكل كافٍ”، وأن الذين خاضوا الانتخابات “لم يحصلوا على التدريب المناسب”.
ورغم أن بارديلا الذي قد يواجه معارضة من داخل حزبه، يحرص على إبراز خلفيته المتواضعة، ونشأته في ضاحية سين سان دوني الفقيرة والمتنوعة عرقياً في باريس، إلا أن بعض مسؤولي الحزب يسخرون مما يعتبرونه مبالغة في تصوير أصوله المتواضعة، ويرون أنه يفتقر إلى العمق السياسي.
واعتبرت مارتا لوريمر، المحاضرة في السياسة بجامعة كارديف والزميلة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد، أن “تحدياً كبيراً سيكون أمام بارديلا، إذ لا يزال وجهاً جديداً إلى حد ما، لكنه ليس ماكرون، الذي لم يكن جديداً فقط عندما ظهر على الساحة، بل كان أيضاً أكثر خبرة”.
ولا تزال الشكوك قائمة بشأن قدرة بارديلا على تأجيج قاعدة الحزب الشعبية ضد قرار المحكمة، بما يكفي لدفع اليمين المتطرف إلى الفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2027.