اخبار الإمارات

الاعتناء بـ «طفل التوحد».. تحدٍّ يغذيه الأمل والإلهام

ليس سهلاً على الأبوين سماع خبر إصابة طفلهما بـ«التوحد»، ثم إدراك أن حياتهما ستكون مختلفة تماماً عما توقعاه.. فالحياة اليومية مع طفل ذي احتياجات خاصة تُمثل تحدياً فريداً.

كيف نتقبّل إصابة طفل بـ«التوحد»؟ كيف نتأقلم بعد تجاوز الصدمة الأولية؟ كيف ننجح في هذا التحدي؟

آباء وأمهات لأطفال من ذوي التوحد بادروا، عبر «الإمارات اليوم»، بمشاركة قصصهم الملهمة والتحديات التي مروا بها مع أبنائهم من لحظة التشخيص حتى تحقق الإنجاز.. أملاً في مساعدة الأسر التي تستعد لخوض التجربة، على تجاوز لحظات الصمت الأولى، واكتشاف فرص الانتصار الأثمن في حياتهم.

ويعد اضطراب طيف التوحد إعاقة نمائية ناجمة عن اختلافات في الدماغ، وغالباً ما يعاني المصابون به صعوبات في التواصل والتفاعل الاجتماعي، وسلوكيات أو اهتمامات مقيدة أو متكررة، وتختلف طرق التعلم والحركة والانتباه لدى المصابين به، تبعاً لكل حالة.

وعلى الرغم من إمكانية تشخيصه في أي عُمر، فهو يُوصف بأنه «اضطراب نمائي»، لأن أعراضه تظهر عادةً في أول عامين من عمر الطفل.

وتشمل العلامات المبكرة للتوحد ضعف التواصل البصري ولغة الجسد، وتكرار الحركات أو الكلام.

ويمكن للعلاجات السلوكية وغيرها من أشكال الدعم أن تساعد الأطفال المصابين بالتوحد (وكذلك البالغون) على الاستفادة القصوى من نقاط قوتهم، والتغلب على أي تحديات.

لكن الأمل والدعم والحب غير المشروط وفقاً لما تؤكده قصص الآباء والأمهات المشاركين هنا هي المفاتيح الأهم لمستقبل أكثر إشراقاً لأطفالهم.

وقالت (أم سالم) فاطمة الصرايرة إن رحلتها مع تشخيص التوحد، بدأت باكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة اللذين رافقاها لثماني سنوات، مضيفة أن «التقبل كان مفتاح الخروج من الدائرة المغلقة».

وشرحت أن تجربتها مع ابنها سالم قدمت لها كثيراً من الدروس، وعلمتها الصبر والعطاء.

وقالت: «ابني (سالم) يعاني اضطراب توحد شديد جداً، لكنه يتحسن باستمرار، لم يكتب اسمه بعد، ولم ينطق بكلمة نعم، ولم يلتحق بالدراسة، مع أنه سيكمل الـ16 عاماً، ومع ذلك أصبح يدرك الأشياء بشكل أفضل، وبدأ يندمج عاطفياً واجتماعياً، وتحسنت مهاراته البصرية والحياتية بشكل ملحوظ».

وتحدثت (أم ناصر) هدى محمد حول رحلتها مع «التوحد»، التي بدأت عند ملاحظتها تصرفات ابنها غير الطبيعية؛ إذ كان يخرج من المنزل دون إدراك المخاطر، ويعاني صعوبة في النطق.

وبعد استشارة الأطباء في مركز التدخل المبكر في مركز المزهر الصحي في دبي، خلص التشخيص الذي شارك فيه عدد من الأخصائيين في مجالات العلاج النفسي للأطفال، وعلاج النطق، والعلاج الوظيفي، إلى «اضطراب طيف التوحد».

وأضافت: «عند إصدار بطاقة ذوي الهمم، غمرني شعور بالصدمة، لكنني قررت تقبل الوضع، وقررت دعم (ناصر) بكل قوة»، مؤكدة أن مرحلة التقبل كانت الأصعب بالنسبة لها».

كما أكدت أهمية الدعم الذي قدمه مركز دبي للتوحد، حيث وفر خطة علاجية شاملة ومفصلة، صممت خصيصاً لتلبية احتياجات طفلها، لافتة إلى أن الخطة ساعدتها على تعزيز (ناصر)، ما أتاح له فرصة أكبر للتحسن.

وأضافت: «على الرغم من التحديات التي واجهتها، كانت التجربة مملوءة بالمشاعر، وعلمتني كثيراً من الدروس.. أنا فخورة جداً بتقدم (ناصر)، وأثق تماماً بأنه سيحقق المزيد من الإنجازات مستقبلاً».

وأعربت (أم راشد) مريم المهري عن سعادتها بتفوق ابنها في الصف الأول للعام الدراسي 2025/2024 في مدرسة العذبة، ومشاركته في مسابقة دبي للقرآن الكريم لأصحاب الهمم في دورتها الـ12 في عام 2024.

وأشارت إلى أن أكبر الأثر في تحسن حالة طفلها كان بسبب التدخل المبكر، حيث بدأ (راشد) في التعبير عن نفسه بالكلام، وهو ما أسهم في تحسين سلوكه بشكل واضح، وأضافت أن التقدم الذي أحرزه في مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي مكّنه من الالتحاق بالمدرسة، وكان بمثابة إنجاز كبير في رحلته العلاجية.

وأكدت (أم راشد) أهمية التكامل بين الدعم الأسري والمجتمعي، مشيدة بالجهود الحكومية في توفير مزايا اجتماعية تسهم في تحقيق فرص أفضل للأطفال ذوي «التوحد».

وأشار (أبوسلطان)، سعيد المهيري، إلى صعوبة تقبل الأسرة تشخيص اضطراب طيف التوحد في البداية، خصوصاً في حالة الأطفال الأصغر سناً، لافتاً إلى أنه لم يكن مقتنعاً في البداية بأن ابنه يعاني علامات التوحد، نظراً لصغر سنّه (عام واحد)، ولكن بعد مراجعة مركز التدخل المبكر في مركز المزهر الصحي، تم تأكيد التشخيص.

وأضاف أن المثابرة والتقبل ساعدا على تحسن حالة طفله تدريجياً، على الرغم من استمرار بعض التحديات، مثل نوبات الغضب والصراخ المستمر.

وأشاد بدعم الدولة لأصحاب الهمم، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها الأسر، بسبب ارتفاع تكاليف المراكز المتخصصة، التي تمثل عبئاً مالياً ثقيلاً على كثيرين، لافتاً إلى «هذا الدعم يتيح للأسر الحصول على الخدمات الضرورية التي يحتاج إليها أطفالهم».

ونصح أهالي أصحاب الهمم بعدم فقدان الأمل، مؤكداً أن «الأطفال الذين يعانون (التوحد) متميزون بطريقتهم الخاصة، وإذا نظرنا إليهم عن قرب، فسنكتشف إمكانات استثنائية».

ومن جانبها، قالت معلمة رياض الأطفال (أم ماريا) بشرى لاري: «لاحظت أنا وزوجي أعراض (التوحد) لدى ابنتنا في عُمر مبكر، مثل التأخر في الكلام، والرفرفة، والدوران، وضعف التواصل البصري والتعبير عن المشاعر، فضلاً عن اضطرابات النوم وعدم الاستجابة عند مناداتها باسمها».

وأكدت تشخيص طفلتها في مركز دبي للتوحد، وتحديد أنها تعاني طيف التوحد من الدرجة الثانية، مضيفة أن سن «ماريا كانت أقل من ثلاث سنوات، وتبلغ اليوم 11 عاماً، ومنذ بداية العلاج أسهم المركز بشكل كبير في تقدمها، حيث تم تنظيم اجتماعات شهرية لمتابعة خطة العلاج، وتقييم تطورها».

وأضافت: «لضمان نجاح العلاج، يجب تطبيق ما أسميه (نظرية المثلث)، التي تتضمن التعاون بين المنزل والمركز والمدرسة، من خلال تنسيق الجهود وتطبيق الاستراتيجيات العلاجية الخاصة بالمركز في المنزل والمدرسة على حد سواء، ما أسهم في تحقيق تقدم كبير وفعال».

وأكد (أبوماريا) أيمن أشكناني أن أبرز التحديات التي واجهوها كأسرة لطفلة من ذوي التوحد، تمثل في عدم تقبل بعض أفراد الأسرة تصرفات (ماريا) غير الاعتيادية، بسبب قلة الوعي حول هذا الاضطراب.

وأضاف أن «التحديات الأخرى شملت صعوبة الخروج من المنزل، لأن (ماريا) كانت ترفض الأماكن المزدحمة، وتصاب أحياناً بالهستيريا دون سبب واضح، كما كانت تواجه صعوبة في تقبل أي تغيير في الروتين، مثل الرحلات المفاجئة والسفر، ما يتطلب تخطيطاً دقيقاً للجدول اليومي».

وأكد أن «الأطفال في المدارس يواجهون تحديات كبيرة في التعامل مع زملائهم ذوي التوحد، بسبب اختلاف طرق التفاعل وفهم ردات الفعل، وقد يشعر (طفل التوحد) بأنه يتعرض للتنمر، ويواجه صعوبة في التواصل وفهم المزاح أو تصرفات أقرانه».

وأعرب عن تأثره البالغ بأسئلة (ماريا) عن سبب حضورها جلسات علاج سلوكي، أو سبب اختلافها عن زميلاتها.

وذكر أن (ماريا) كانت ترفض حضور الجلسات أحياناً، إلى أن نشرح لها أن كل شخص يحتاج إلى الدعم في جوانب مختلفة من حياته، وأنها تحتاج إلى الدعم في بعض الأمور.

وروت (أم صلاح الدين) إيمان إبراهيم أنها لاحظت تأخر طفلها في التواصل البصري والابتسامة وهو في شهره السادس، وأضافت: «بعد التحاقه بالحضانة، تبين أنه متأخر من الناحية اللغوية مقارنة بأقرانه، إضافة إلى أنه يواجه صعوبات في التواصل واكتساب المهارات الاجتماعية، كما كانت طريقته في اللعب مختلفة، إذ كان يكتفي بوضع السيارات والمكعبات الصغيرة إلى جانب بعضها بعضاً، بدلاً من اللعب بها بالطريقة المعتادة».

وذكرت إيمان أن ما أسهم في تطوير مهاراته التواصلية بشكل كبير هو دمجه مع الأطفال في الروضة، إضافة إلى العلاج السلوكي (ABA) الذي ساعده على التعبير عن احتياجاته وأداء المهام اليومية بشكل أفضل.

كما أكدت أن مشاركته في أنشطة خاصة بأصحاب الهمم في المرحلة الثانوية، مثل السباحة وركوب الخيل، عززت ثقته بنفسه واستقلاليته.

وأشادت بالدعم الكبير الذي تلقاه (صلاح الدين) من مركز دبي للتوحد، إذ «أسهم في تحسن مهاراته الأكاديمية، خصوصاً في الرياضيات والتعاملات المالية»، كما أبدت تقديرها للمبادرات التي يعمل عليها المركز لإعداد (شباب التوحد) لبيئة العمل، وتعزيز استقلاليتهم، مشيرة إلى أهمية دعم المجتمع لهم، من خلال توفير فرص العمل، وأكدت أن التدخل المبكر يسهم في تحسن «طفل التوحد»، وإعداده للمستقبل، وقالت (أم منصور) فريدة المرزوقي: «عند تشخيص ابني باضطراب طيف التوحد، كان التحدي كبيراً ومملوءاً بالغموض والأسئلة، لكن مع مرور الوقت، اكتشفنا جانباً مختلفاً تماماً، لم نكن نراه من قبل، فـ(منصور) مميز بقدرته الفريدة على التأثير في حياتنا بطرق غير متوقعة».

وأضافت: «واجهنا العديد من التحديات، من صعوبة التواصل اللفظي والاجتماعي إلى نوبات الغضب وضعف الإدراك، إضافة إلى ردود فعل المجتمع ونظراته غير المقصودة، لكننا تعلمنا أن كل تحدٍّ يحمل درساً في قوته، وكل إنجاز صغير كان انتصاراً كبيراً بالنسبة لنا، مثل أول مرة نطق فيها كلمة (ماما)، أو تواصل بعينيه، أو ضحك من قلبه، تلك اللحظات ستظل محفورة في ذاكرتي»، وتابعت: «علمني (منصور) الصبر، والتفهم، والحب غير المشروط، وجعلني أرى القوة في اللين.. لقد أصبح مصدر إلهامي، فضلاً عن كونه طالباً محبوباً في الصف الثاني الابتدائي، إذ تم دمجه في التعليم العام بعد ثلاث سنوات من التأهيل والتعليم».


التقبّل «طوق النجاة»

أكدت (أم سالم) فاطمة الصرايرة أن تجربتها مع ابنها مهدت لها الطريق للسعي في العلم والخبرة والنجاح، عبر اكتساب شهادات متعددة في علم النفس والتوحد، إذ درست تخصص علم النفس في جامعة العين، وحصلت على خمس شهادات دبلوم في علم النفس والسلوك والتوحد، وهي حالياً بصدد مناقشة دراسة الماجستير في علم الاجتماع، مسار الإرشاد الأسري، في جامعة الشارقة، وقالت إنها تركز على تعزيز الصحة النفسية للأمهات.

مريم المهري:

. التدخل المبكر يسهم في تحسن «طفل التوحد»، وإعداده للمستقبل.

فاطمة الصرايرة:

. بعد 8 سنوات.. التقبّل ساعدني على التعافي من الصدمة النفسية.

هدى محمد:

. خطة مركز دبي للتوحد العلاجية ساعدتني على تعزيز ابني «ناصر»، ما أتاح له فرصة أكبر للتحسن.

إيمان إبراهيم:

. العلاج السلوكي (ABA) ساعد ابني على التعبير عن احتياجاته، وأداء المهام اليومية بشكل أفضل.

فريدة المرزوقي:

. تعلمنا أن كل تحدٍّ يحمل درساً في قوته، وكل إنجاز صغير كان انتصاراً كبيراً بالنسبة لنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *