في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتبدّل فيه المفاهيم الرقمية بوتيرة غير مسبوقة، برز اسم الطفل السوري سليم عمر التركماني، المعروف عبر وسائل التواصل الاجتماعي بلقب “التقني الصغير سليم” Little Tech Salim، بوصفه ظاهرة استثنائية بين أبناء جيله، إذ استطاع أن يحوّل شغفه المبكر بالتكنولوجيا إلى رسالة توعوية موجّهة إلى أقرانه، يشرح من خلالها مفاهيم أحدث المفاهيم مثل الذكاء الاصطناعي بلغة بسيطة وواضحة.

ولم يمر وقت طويل حتى لفت الأنظار إليه رسميًا، فتم تعيينه في صيف عام 2025 متحدثًا رسميًا باسم وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية لأبناء جيله، ليصبح بذلك أصغر متحدث رسمي في تاريخ سوريَة.

وفي لقاء خاص مع (البوابة التقنية)، يتحدث سليم عن آماله وطموحاته دون أن يبخل ببعض النصائح على أبناء جيله حتى يدخلوا عالم التكنولوجيا بخطى واثقة وثابتة على أمل أن يمنحهم ذلك أدوات قوية وفعالة في أي مجال مهني قد يقررون ولوجه يومًا ما.

رحلة شغف مبكر:

يقول سليم مبتسمًا وهو يستعيد البدايات: “ولدت عام 2010 في الرياض في المملكة العربية السعودية، وبدأت قصتي مع التكنولوجيا من عمر ست سنوات، إذ كنت أراقب والدي هو منكب على حاسوبه.. وأتساءل دائمًا: (ماذا يحدث؟ وكيف يفكر الحاسوب؟)… ومع الوقت أضحى الفضول يكبر معي”.

ذلك الفضول الطفولي تحول تدريجيًا إلى حب للتجريب والمعرفة، إذ بدأ سليم بتصميم ألعاب بسيطة عبر منصة (سكراتش) Scratch، وهي بيئة برمجة تفاعلية مخصصة للأطفال. ويضيف في حديثه إلى البوابة التقنية: “كنت أتعلم ذاتيًا وأبحث عن الدروس عبر  الإنترنت. وقد ساعدتني لغتي الإنجليزية كثيرًا، وصرت أتابع المحتوى العلمي والتقني بلغات مختلفة، لأن التكنولوجيا تبهر الصغار كما تبهر الكبار، بل ربما أكثر”.

دعم العائلة… ونجم حاضر:

الخطوة الفارقة في مسيرة “التقني الصغير سليم”، جاءت في عام 2022، حين طلب من والديه السماح له بامتلاك حسابات عبر  منصات اقع التواصل الاجتماعي، أسوةً بأصدقائه.

ويتحدث سليم عن تلك اللحظة الأثيرة في حياته قائلًا: “كان الجواب (لا)، ولكنها كانت لا إيجابية. قالا لي: لا كمستهلك، ولكن يمكنك أن تكون مقدّم محتوى. أمي قارئة كتب وملمّة بكتابة المحتوى، وأبي مهندس معلوماتية ومصمم، وبناء على ذلك وجدت الدعم الكامل منهما”.

ويتابع بابتسامة واثقة: “بابا كان دائمًا يقول لي (نجمك حاضر)، أي أنك تملك القدرة على لفت الانتباه عندما تتحدث على الملأ. ومع الوقت، بدأنا العمل كأسرة واحدة. فماما تكتب وتراجع، وبابا يشرف على الأفكار التقنية، وأنا أقدّم المحتوى أمام الكاميرا. حتى إخوتي فراس ولؤي أمسيا من ضمن الفريق ومدا يد المساعدة في التصوير والمونتاج”.

وفي هذا الصدد، يؤكد سليم أن كل ما يُنشر عبر صفحاته هو إنتاج منزلي بالكامل، من التصوير والإضاءة إلى كتابة النصوص والمونتاج، موضحًا: “كل شيء نصنعه داخل بيتنا المتواضع. وهذا يعطيني إحساسًا جميلًا بالانتماء، لأن النجاح هنا ليس فرديًا بل عائليًا”.

جمهور متنوّع.. وورسالة لأبناء جيله:

وعن جمهوره ومتابعيه، يقول سليم إنه فوجئ بتنوعهم، مردفًا: “كنت أتوقع أن يكون متابعيني من طلاب في مثل سني، لكني اكتشفت أن أكبر فئة هي من السيدات مثل أمي، وفي المرتبة الثانية طلاب جامعات أكبر مني سنًا، وهذا الأمر أسعدني للغاية، لأن رسالتي وصلت إلى أجيال مختلفة”.

ويزيد: “أكثر ما يبهج قلبي عندما يسألني أحدهم عن موضوع تقني، لأن مجرد أن يثقوا بي ويسألوني يعني الكثير. وإذا لم أعرف الجواب أبحث عنه بدقة، لأقدمه بطريقة صحيحة، فالتواصل مع الناس هو الجزء الأجمل في رحلتي والتي بنظري لا تزال في بداياتها”.

ولم ينس أن يتحدث سليم بحماسة عن رسالته لأبناء جيله، فيقول: “في جيل آبائنا كانت الأمية تعني عدم القراءة والكتابة، أما اليوم فالأمية هي الجهل بالتكنولوجيا. لا يهم ما هو تخصصك، حتى لو كان أدبيًا تعشق الكتابة على الورق بقلم حبر أو رصاص، إذ يجب أن تكون ملمًا بالتقنيات والذكاء الاصطناعي لتسهّل حياتك وتطور نفسك”.

ويشير سليم إلى أن كبرى الشركات العالمية مثل: جوجل، ومايكروسوفت، توفر محتوى تعليميًا مجانيًا يساعد الجميع في  التعلم دون تكاليف مادية، ويتابع: أنصح أصدقائي بتقوية لغتهم الإنجليزية لأنها مفتاح كل شيء. المحتوى العربي لا يتجاوز 3 بالمئة من الإنترنت، وأتمنى أن نرفع هذه النسبة يومًا ما بمحتوى عربي أصيل وعلمي”.

الهوايات.. وتنظيم الوقت:

ومع انشغاله المستمر، يحرص سليم على الموازنة بين دراسته وصناعة المحتوى وممارسة بعض الهوايات، “فصفحاتي صارت جزءًا من نظام حياتنا المنزلي، ومع ذلك أنا ألعب كرة القدم في أحد الأندية الرياضية، وأخرج مع أصدقائي، والسر يكمن في تنظيم الوقت، فنحن نصور يوم السبت، وقبل ذلك نحضّر المحتوى يوم الثلاثاء، والمونتاج يكون الأربعاء والخميس، كما أنه لدينا دائمًا محتوى جاهز لشهر سابق. وماما هي كلمة السر في هذا النجاح”.

ويعترف بصراحة: “أنا لست مثاليًا 100% لأن الكمال لله وحده، ولذلك أحيانًا أتعب أو أؤجل بعض الأعمال، لكن المهم الاستمرارية، لأنها أصعب ما في صناعة المحتوى”.

من “التقني الصغير” إلى أصغر متحدث رسمي:

الطفل سليم ومعالي عبدالسلام هيكل، وزير الاتصالات وتقانة المعلومات السوري.

يتحدث سليم بفخر عن تعيينه متحدثًا رسميًا باسم وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات السورية في يونيو (حزيران) الماضي “خلال إجازة صيف 2025 تم تعييني رسميًا كمتحدث باسم أولاد جيلي من قبل وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات. كانت لحظة لا تُنسى بالنسبة لي، لأنها مسؤولية كبيرة أن أكون صوت جيل بأكمله”.

ويتابع: “لكن واقع الإنترنت في سوريَة ما يزال صعبًا جدًا، وسرعته ضعيفة للأسف، مما يعيق الطلاب والباحثين، وأتمنى من الوزارة إيجاد حلول عاجلة، وأنا بدوري جاهز دائمًا لنقل صوت الشباب والأطفال في هذا المجال”.

ويشير سليم إلى أن التحسن التدريجي في بعض الخدمات يُبشّر بالخير، “فقد بدأنا نرى فتح خدمات كانت محجوبة مثل منصة (GitHub) وبعض خدمات جوجل مثل: خرائط جوجل،  ومنصة زوم، وهذا يعطينا أملًا بأن سوريَة تعود تدريجيًا إلى الخريطة الرقمية العالمية”.

نهنئكم بالعيد نيابة عن فريقنا العظيم في وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، ومنهم الطفل سليم مؤسس حساب إنستاغرام little_tech_salim الذي قبل اليوم مهمة المتحدث باسم الوزراة لأولاد جيله. نسعى لوطن جدير بأطفالنا، أمين على أحلامهم، ممكن لقدراتهم. كل عام وأنتم وبلادنا وأهلنا بألف خير💚 pic.twitter.com/Hu8WLpSkXV

— عبدالسلام هيكل Abdulsalam Haykal (@amhaykal) June 5, 2025

“جبل علي بلاد الشام”:

من بين أكثر عباراته تداولًا، ما قاله سليم: “سوريَة ستكون جبل علي بلاد الشام”، وعن معناها، يوضح:”المقصود أن تكون سوريَة مركزًا إقليميًا للتكنولوجيا والاستثمارات الرقمية، كما يمثل جبل علي في دبي منطقة حرة عالمية تحتضن الصناعات والشركات الكبرى. أريد أن تكون سوريَة مركز التقنية (وادي السليكون) في المشرق العربي، بحيث تكون جاذبة للعقول والمشاريع”.

ويضيف بحماسة لافتة: “أتمنى أن نرى سوريَة مثل السعودية والإمارات، كل شيء فيها إلكتروني، وحكومة رقمية كاملة تريح الناس وتختصر الوقت، وهذا ليس حلمًا بعيدًا، بل مشروع واقعي بهمة أبناء جيلي”.

نصائح لصنّاع القرار التقني في الدول العربية:

ولم يكتف سليم بالحديث عن طموحاته، بل قدم بعض الملاحظات لصناع القرار في العالم العربي فيما يخص أمور التقنية ونشر ثقافة التكنولوجيا في بلدانهم:

  • النصيحة الأولى أن المعارض والأحداث التقنية لا تسمح في بعض الأحيان بدخول من هم دون 18 عامًا، وهذا ظلم كبير لجيلنا الصغير، وقد حدث ذلك معي مرتين. والدي يقول دائمًا إن المبرمج مثل لاعب كرة القدم، يبدأ صغيرًا ويعتزل في الأربعين، لأن التطور السريع يجعل عمر المهني قصيرًا”.
  • أما النصيحة الثانية فهي أن تكون مادة الحاسوب أساسية في المدارس منذ السنوات الأولى، عبر تجهيز قاعات حديثة ومزودة بأحدث الأدوات، وأن تكون أبوابها مفتوحة حتى خارج أوقات الدوام، فهذا مهم جدًا خاصة في سوريَة، لأن الأطفال هناك عانوا كثيرًا خلال السنوات الماضية ويحتاجون إلى فرص حقيقية للنهوض.

وفي ختام اللقاء، يقول سليم بثقة تعكس نضجًا أكبر من عمره: “فخور بأن أكون جزءًا من جيل يؤمن بالعلم والتقنية. نحن الجيل الذي سيعيد لسوريَة مكانتها ويجعلها بلدًا رقميًا متطورًا، وحلمي أن يرى العالم بلاد الياسمين كما أراها أنا: بلدًا صاعدًا من جديد، مفعمًا بالطاقة والأمل”.

شاركها.