بعد عشر سنوات على إطلاقها في 11 ديسمبر 2015 كمختبر أبحاث غير ربحي يسعى إلى تطوير الذكاء الاصطناعي “لمنفعة البشرية”، تبدو OpenAI اليوم بعيدة تمامًا عن رؤيتها الأولى؛ فالمشروع الذي وُلد بدعم قدره مليار دولار من إيلون ماسك ومجموعة من رواد التكنولوجيا، كان يُفترض أن يكون خاليًا من الضغوط التجارية، لكنه بات الآن أحد أسرع الكيانات التجارية نموًا في العالم.

انسحاب ماسك.. وبداية الانقسام

انسحب إيلون ماسك، الذي كان أكثر الداعمين حضورًا في سنوات التأسيس، من OpenAI مطلع عام 2018، وأنشأ لاحقًا منافستها xAI. وخلال العامين الماضيين، اتخذ صراعه مع سام ألتمان، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي، طابعًا قانونيًا وإعلاميًا حادًا.

ورفع ماسك دعوى قضائية على الشركة في 2024 متهمًا إياها بالتخلي عن رسالتها الأصلية، وانتقد ارتباطها الوثيق بشركة مايكروسوفت، التي تُعد كُبرى الجهات المساهمة فيها حاليًا، بل حاول أيضًا منع تحولها إلى كيان ربحي، ثم سعى لاحقًا إلى الاستحواذ عليها مقابل 97.4 مليار دولار، وقد قوبل ذلك العرض بالرفض.

وفي أكتوبر الماضي، أعلنت OpenAI استكمال عملية إعادة هيكلة جعلت الكيان غير الربحي يحتفظ بسيطرة على الشركة الربحية الجديدة، في وجود العديد من المستثمرين الكبار.

OpenAI.. من مختبر صغير إلى قمة العالم

منذ إطلاق ChatGPT قبل ثلاث سنوات فقط، قفزت قيمة OpenAI إلى 500 مليار دولار، مع أكثر من 800 مليون مستخدم أسبوعيًا لأشهر روبوت محادثة في العالم. وفي الوقت نفسه، تصل القيمة التسويقية لشركة ماسك المنافسة xAI إلى 230 مليار دولار.

وتتقدم الشركتان في سباق الذكاء الاصطناعي مع جوجل وأنثروبيك وميتا لبناء نماذج الذكاء الاصطناعي، في وقت تتجاوز فيه سوق الذكاء الاصطناعي روبوتات توليد النصوص إلى توليد مقاطع الفيديو ووكلاء الذكاء الاصطناعي الذين ينفذون مهام معقدة بمفردهم نيابةً عن المستخدمين، وتستفيد منهم المؤسسات الكبرى لرفع الإنتاجية.

وتستعد OpenAI لإنفاق ما قد يصل إلى 1.4 تريليون دولار لبناء بنية تحتية ضخمة تضم مراكز بيانات عملاقة ورقاقات متقدمة، لتلبية الإقبال المتزايد على خدماتها، مع شكوك كُبرى حول جدوى هذا الإنفاق وعوائده المالية، وإذا كانت الشركة نفسها ستواصل النمو لتنافس كُبرى الشركات التقنية الراسخة، أم يكون مصيرها مثل شركات الإنترنت الأخرى التي اندثرت بعد قفزات نمو قصيرة لم تدم. 

أنثروبيك.. منافس جديد

غادر دوريو ودانييلا أموداي، وهما من أوائل العاملين في OpenAI، الشركة عام 2020 لتأسيس شركة أنثروبيك، التي أعلنت حديثًا استثمارات جديدة من مايكروسوفت وإنفيديا، مع تقييم لقيمتها السوقية يصل إلى 350 مليار دولار. وتُعد نماذج Claude التي تطورها أنثروبيك المنافس المباشر لسلسلة نماذج GPT من OpenAI ونماذج Gemini من جوجل.

وبحسب التقديرات، فقد التزمت أنثروبيك بإنفاق نحو 100 مليار دولار مستقبلًا على البنية التحتية للحوسبة المتقدمة، في حين يراهن ألتمان على إنفاق غير مسبوق يتجاوز التريليون.

ألتمان يعد بأرباح ضخمة

يؤكد سام ألتمان أن الإقبال الحالي على خدمات OpenAI يبرر الاستثمارات الضخمة. ويتوقع أن تصل إيرادات الشركة السنوية إلى 20 مليار دولار بنهاية العام، وإلى مئات المليارات بحلول عام 2030.

وتستفيد شركات التقنية الكبرى من هذا النمو أيضًا؛ إذ وقّعت أوراكل عقدًا قيمته 500 مليار دولار لتزويد OpenAI بالبنية التحتية خلال خمس سنوات قادمة، بالإضافة إلى عقود أخرى مع إنفيديا و AMD وبرودكوم وغيرها.

سباق النماذج المتطورة مستمر

بعد عودة جوجل بقوة من خلال نموذجها الجديد Gemini 3، أعلن ألتمان “حالة طوارئ” داخل شركته لإعادة تركيز الجهود على جعل ChatGPT أسرع وأكثر موثوقية وأكثر قربًا من المستخدمين، مع تأجيل بعض المشروعات الأخرى في الوقت الراهن.

وأسفرت “حالة الطوارئ” عن طرح نموذج GPT5.2، الذي تصفه الشركة بأنه “أفضل نموذج لمهام العمل اليومية”، إضافةً إلى إعلان صفقة قيمتها مليار دولار مع ديزني تمتد لثلاث سنوات، وتدعم نموذج توليد الفيديو Sora، مع وعد بالكشف عن المزيد من التطورات الجديدة خلال شهر يناير المقبل.

وبينما يستمر سباق الذكاء الاصطناعي بالتصاعد بوتيرة غير مسبوقة، تبدو OpenAI في قلب معركة تجارية وتقنية كبرى تعيد رسم ملامح صناعة التقنية عالميًا.

ومع تضخم الاستثمارات وتنامي المنافسة، يبقى السؤال مطروحًا حول إمكانية نجاح الشركة في الحفاظ على موقعها الريادي أو التراجع أمام الضغط التنافسي وموجة الابتكار القادمة، وسوف يشكّل العقد المقبل نقطة تحول حاسمة في مستقبل الذكاء الاصطناعي، وفي مصير الشركات الكُبرى التي تكتب فصوله الآن.

شاركها.